على غير عادة الكثيرين في الدول العربية والإسلامية، يبدأ الاحتفال بعيد الأضحى في مناطق وادي حضرموت، شرقي اليمن، في وقتٍ مبكر جدًا، منذ دخول العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، في طقوس متوارثة منذ مئات السنين.
تبدأ طقوس التجهيز للاحتفال بعيد الأضحى في أول أيام العشر من ذي الحجة، برش واجهات المنازل بالنورة، وهي مادة لونها أبيض تسمح بنفاذ الضوء وتعمل على تخفيض درجات الحرارة، كما يتم طلاء الأرصفة المجاورة للبيوت بمخلفات حصاد القمح، كما تحدث الباحث عمر بادعام، والصحفي حداد مسيعيد.
وفي الأيام الثانية والثالثة والرابعة منذ ذي الحجة، يبدأ الناس ممن يمتلكون المواشي باختلاف أنواعها، ويعتزمون نحرها كأضاحي، في تزيين تلك الماشية، بوضع الحناء على جلودها وشعورها.
يوم الحطب
وفي اليوم السابع من ذي الحجة والذي يسمى بــ "يوم مطلع الحطب"، يتجمع الناس في منطقتي تريم وتاريه، من وقت العصر إلى منتصف الليل، يقسمون مجموعات، فمن فيهم الكبار والصغار والشيوخ، ويترأس كل مجموعة شخص أو اثنان لاستلام المال اللازم من أجل شراء متطلبات جلسة وعشاء المداد، المسماه بـ"مطلع الحطب".
وتجهز مناطق التجمع، فتضاء الجبال بالإطارات المشتعلة، وتنار الكهوف والغيران بذلك أو خلافه، وتنصب الخيام قرب المزارع، ويصطحب من يريد الطبول والدفوف للغناء والإيقاع.
وبحسب مرويات تاريخية فإن يوم مطلع الحطب، كان في السابق بغرض جمع أكوام الحطب للبيوت قبيل عيد الأضحى، قبل أن يتحول هو نفسه بمرور الوقت لمناسبة احتفالية، تدخل ضمن احتفالات عيد الأضحى.
يوم الشوربة
في منطقتي شبام وسيئون، تتجهز غالبية العائلات في يوم السابع من ذي الحجة بتجميع مستلزمات "الشوربة" (الحساء) المصنوعة بطريقة خاصة من القمح المطحون مع اللحم والخضار.
وبعد تجهيزها تقوم جميع الأسر بعد الظهيرة بأخذ أولادها وبناتها وهم مزينين إلى الجبال والشعاب ليحتسو الشوربة باستخدام إناء "المقراح" القديم. وفي هذا اليوم يتنافس أهل الخير والمحسنين من أبناء المنطقة للمساهمة في تجهيز الحساء وتوزيعه على الأطفال.
يوم عيد الصغيرين
وفي كافة مناطق وادي حضرموت تحتفي الأسر بـ"عيد الصغيرين" أو "مزلقة الصغيرين" الذي يكون يوم الثامن من ذي الحجة. وفي المساء يتم توزيع قطع الحلوى والشوكلاتة، ويسهر الأطفال في تقشير حبات ثمرة جوز الهند التي تسمى في اللهجة المحلية بـ"الكزاب"، ثم يسلمونها لرب الأسرة ليتولى توزيعها على كل أفراد الأسرة.
وفي بعض مناطق وادي حضرموت تسمى ليلة الثامن من ذي الحجة بـ"ليلة الحياء"، وفيها يكون إحياء تلك الليلة بالعبادة والقيام والتهيئة لتناول السحور لصيام اليوم الثاني، وهو يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة.
يوم المساقوفه
وفي اليوم التاسع من ذي الحجة، أي يوم عرفة، يتشبه أهالي مدينة تريم، وغالبيتهم من المنتمين للطرق الصوفية؛ بحجاج بيت الله الحرام الواقفين بالمشاعر المقدسة في عرفات، حيث يجتمعون في ساحات عامة من أول ساعات الظهيرة مرتدين الأثواب البيضاء، يتلون بعض الأذكار والأدعية، ثم يستمعون إلى خطبة وعظية.
يسمترون في وضعهم هذا حتى آذان المغرب، حيث يتناولون إفطارهم في تلك الساحات، ويؤدون صلاتهم، ويتبادلون التحايا والتهاني، قبل أن يتوجهوا لمنازلهم، ثم يجتمعون مرة أخرى في النصف الثاني من الليل، كل في المسجد الذي يجاوره وذلك لإحياء ليلة العيد بالاعتكاف وتلاوة القرآن.
ويروي أحد أبناء المنطقة من شيوخها، أنه في قديم الزمان كان أحد الأجداد، واسمه "سعيد باعيشة"، يجمع الصبيان من حوله، فيأتي كل واحد منهم بحصته من اللحم، ويقيم لهم في ذلك اليوم تجمعًا يشاركهم فيه الفرحة وإنشاد الأهازيج والأراجيز الخاصة بذلك والتي من أمثلتها: "المساقوفة خزانة والذهاب وادي حسين/ يا عيد عواد يا عرفة متى با تجين/ والكبش مرصون والقفّة ملانة طحين".
أيام العواد
تبدأ أيام العواد من اليوم الأول لعيد الأضحى، أي العاشر من ذي الحجة، حيث تقوم العائلات بالتحضير لها بتجهيز المشروبات والمرطبات والحلويات، ويخرج الرجال والنساء والأطفال إلى المصلى لتأدية صلاة العيد وذبح الأضاحي وتبادل الزيارات، وتناول الشاي والحنظل، وتبخير المنازل بالعود.
وخلال أيام التشريق، تتواصل وعلى مدار ثلاثة أيام، مراسيم العيد بزيارة المغتربين والوافدين من مختلف مناطق الخليج ودول شرق آسيا، وغيرها، كما تقام المهرجانات الشعبية على مستوى الحارات، وتقدم فيها الأناشيد الدينية والأهازيج الشعبية والمسابقات الترفيهية.
تقرير: علاء الدين الشلالي
تصوير: عمر باشعبوث