عقب اندلاع الثورة الشعبية في اليمن ضد نظام المخلوع صالح ،تدخلت الأمم المتحدة في الملف اليمني عبر دعمها للمبادرة الخليجية، التي مثلت خارطة طريق للوضع في اليمن، وبموجب ذلك تم تكليف الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر كممثل للأمين العام للأمم المتحدة في القضية اليمنية، التي ترتكز على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وطوال سنوات عمله الأربع في هذا الملف، عمل بنعمر مع طرفي المبادرة الممثلين بنظام المخلوع صالح وحلفائه، وأحزاب المشترك وشركائها، للوصول إلى حل شامل ينهي الصراع في اليمن.
وبموجب ذلك تحققت العديد من الخطوات التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ممثلة بالانتخابات الرئاسية التوافقية وتشكيل حكومة الوفاق، وهيكلة الجيش، وصولا الى مؤتمر الحوار الوطني.
لكن الأشهر الأخيرة في مسيرة المبعوث الأممي السابق انحرفت عن مسارها الواضح، وجنحت نحو طرق بديلة، وبدا بنعمر وكأنه يمهد لتمكين مليشيا الحوثي لحكم اليمن، وينفذ مخططاً يتناقض تماما مع طبيعة المهمة التي جاء لأجلها.
كل الجهود التي بذلها بنعمر فاقمت من احتقان الوضع السياسي في البلاد، وقادت إلى الحرب كنتيجة طبيعية للممارسات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، ضد نظام الشرعية في اليمن وانقلابها عليه.
وجاء انطلاق عاصفة الحزم في الـ26 من مارس/آذار العام الماضي ليضع حدا لذلك الانقلاب، ويضع حداً أيضاً لتصرفات المبعوث الأممي الذي أزيح من مهمته، و عُد ذلك بمثابة النهاية السيئة للرجل.
وفي الخامس والعشرين من أبريل/نيسان من العام الماضي كلفت الأمم المتحدة الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثاً جديداً لها في اليمن، والذي جاء صعوده مع متغيرات كثيرة، انقسم فيها الوضع بين طرفين الأول الشرعية السياسية للرئيس عبدربه منصور هادي ومن خلفه دول التحالف العربي، والثاني مليشيا الانقلاب المكونة من تحالف الحوثيين والمخلوع صالح.
سعى المبعوث الجديد إلى محاولة تقريب وجهات النظر والوصول إلى سلام دائم في اليمن، وكانت تحركاته تمضي تحت وقع الرصاص وقذائف الطيران، وأعمال القتل والتنكيل والحرب الداخلية.
كانت أبرز الاعمال التي انجزها ولد الشيخ هي تنقله بين العواصم العربية والغربية للبحث عن حلول، توجت بثلاث مؤتمرات للمشاورات في الخارج، وهي جنيف1، وجنيف2، ومشاروات الكويت.
وكل تلك المشاروات لم تستطع ان تقدم نجاحاً ملموسا، بقدر ما جمعت طرفي العملية السياسية والصراع في اليمن على طاولة واحدة بمشاعر متنافرة، تمضي نحو الافتراق وتعميق الانقسام أكثر من تلاقيها نحو السلام.
وبإنتهاء عام على مهمته بات واضحاً أن المبعوث الأممي لم يتمكن من حلحلة الوضع في اليمن، بل عمل على إدارة الصراع، ونقل مشاورات اليمنيين من فنادق صنعاء إلى فنادق العواصم الخارجية، أما المخاوف الكبرى فظلت قائمة، وأبرزها الخوف من انتقال اليمن برمتها ليصبح تحت شرعية الحوثيين، على يد ولد الشيخ، مثلما انتقلت صنعاء وأجزاء في الشمال إلى سيطرة الحوثيين في عهد بنعمر.
التساهل وعدم الحزم وتقاطع المصالح الدولية في اليمن، كانت السمة الأبرز في مسيرة الرجلين، وهو ما جعل المهتمين بالشأن اليمني مقتنعين أن الرجلين يؤدوا دوراً واحدا يميل نحو التساهل مع المليشيا أكثر.
محاولات للتقريب
يرى الصحافي باسم الشعيبي أنه:" لا نستطيع أن نقول أن هناك تساهل من المبعوثين الأمميين لدى اليمن، بقدر ماهي محاولات للتقريب والوصول الى حلول وسطية تحقق حلا للأزمة، وبالتالي تزيد من رصيد الانجازات الشخصية، وحظوة المبعوث من مكتب الأمين العام في الأمم المتحدة".
لكن ذلك الأسلوب- كما يقول الشعيبي- ثبت فشله، فأسلوب المراضاة، وعدم الحسم أفشل بن عمر، وسيفشل ولد الشيخ، ولابد من تغيير أسلوب العمل لإرغام الحوثيين على تنفيذ القرار الأممي، مالم فلن تنصاع المليشيات لذلك".
مخطَط أممي
المحلل السياسي حمدان الرحبي ذكر لـ( الموقع) أن:" الأمم المتحدة تعمل ضمن منظومة أممية دولية، والمبعوث الأممي الحالي ولد الشيخ أو سلفه بنعمر، هم يعملوا ضمن منظومة الأمم المتحدة والدول الكبرى، وهي التي تخطط وتدير الأزمة اليمنية، وشرعنوا للانقلاب".
مضيفا أنه:" مثلما أعطوا الضوء الأخضر لصالح والحوثيين لاقتحام صنعاء، هم يحاولون الآن الضغط على الحكومة من أجل إدماجهم في مستقبل العملية السياسية، بعد أن تمكنت من التخلص من القيادات القبلية والعسكرية، التي كانت عائقا أمام المشروع الأمريكي".
ويوضح الرحبي أن:" المشروع الأمريكي يريد دمج الحوثيين في الحكومة القادمة، وهو ضمن المشروع الأمريكي القادم، الذي يزيل معه أي جماعات، أو أي قيادات، أو أي كيان يرفض المشروع الأمريكي في اليمن، وأمريكا لا تستطيع السيطرة على أي دولة إلا في ظل عدم الاستقرار، فهي تعمل على تمكين الحوثيين" المليشيا الطائفية" ليظلوا جماعات مسلحة، لنشر الفوضى في الوطن العربي".
مستدركا حديثه بالقول:" مثلما يتواطأ المجتمع الدولي مع الكيان الصهيوني، ها هو اليوم يتواطأ مع الحوثي في اليمن، وبشار الأسد في سوريا، والحشد الطائفي في العرق، ولا يمكن فصل أزمات اليمن، وسوريا، وليبيا عن سياق المخطط الصليبي الذي يستهدف الأمة الإسلامية".
كما يشير إلى أن:" الحوثيين وصالح يملكون أوراقا خطيرة، فهناك آلاف من القيادات العسكرية، والناشطين، والقيادات السياسية، يعدّوا أوراق رهان؛ لفرض أجندة على مشاورات الكويت، أو لوضع حل سياسي قادم".
لاعبين جدد
من جانبه المحلل السياسي ياسين التميمي قال لـ( الموقع):" لا يبدو أن المبعوث الأممي الحالي إسماعيل ولد الشيخ متورط بشكل كبير في تمرير مخطط أمريكي، كما كان الأمر بالنسبة للمبعوث السابق جمال بنعمر"، والسبب كما يعتقد" التميمي":" يعود إلى أن أمريكا لم تعد اللاعب المنفرد في الأزمة اليمنية، بعد أن وضعت المملكة العربية السعودية كل ثقلها في هذا الملف".
مستدركا حديثه بالقول:" لكن ولد الشيخ يتحرك وفق أجندة الأمم المتحدة وقاموسها المحبط، وإطارها القيمي الذي يتعامل مع الجرائم الصريحة، على أنها قابلة للتأويل ولتوزيع الكلفة بنفس القدر على كل الأطراف، وسيبقى ولد الشيخ كما كان سلفه متأثراً بالمواقف الأمريكية والغربية، التي لا تزال تنظر للحوثيين كطرف سياسي جدير بالرعاية والحماية، بغض النظر عن كونه مسالماً أو مسلحاً، طالما وهو يشكل نقيضاً عقائدياً للقاعدة، ولذلك إذا لم يكن هناك موقف قوي من جانب التحالف والسلطة الشرعية، فإن المبعوث الأممي الحالي لن يتردد في المضي خلف الأجندة الغربية، والترتيب لإعادة تموضع الانقلابيين".