[ المجلس الرئاسي في اليمن ]
يواجه اليمن تحديات كبيرة في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد إعادة تشكيل الرئاسة اليمنية، التي نتج عنها مؤخراً قرار بتوحيد المؤسسة العسكرية، كواحدة من بين أولويات التصحيح المطلوبة في المرحلة الانتقالية.
ويأتي قرار مجلس القيادة الرئاسي في اليمن بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية لهيكلة القوات المسلحة في سياق المساعي لدمج كل الجهات الموالية للشرعية تحت قيادة واحدة، منعاً لأي خلافات مستقبلية بينها تؤدي إلى تشتت صف الشرعية وتقسيم البلاد.
وتقف هذه اللجنة أمام تحدي دمج الفصائل المسلحة، متعددة الأطياف والولاءات، من التي حاربت تحت صفوف الجيش أو الانفصالية التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أو قوات طارق صالح، في جبهة واحدة، بعدما فشل اتفاق الرياض السابق في أي تقدم في هذا السياق.
لجنة جديدة
في 30 مايو الماضي، أعلن مجلس القيادة الرئاسي تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مكونة من 59 فرداً لإعادة دمج وهيكلة القوات المسلحة اليمنية، بعد نقاشات لأكثر من شهر، جاءت مع قرار تشكيل المجلس الرئاسي في شهر رمضان الماضي.
وفق قرار المجلس، فإن تشكيل اللجنة يأتي بناء على المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة في رمضان الماضي، التي تنص على تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها منع أي مواجهات مسلحة في جميع أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون.
كما تهدف إلى إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن.
وحسب وكالة "سبأ" الرسمية التابعة للحكومة الشرعية فإن القرار جاء بعد لقاء ضم رئيس المجلس رشاد العليمي، ونوابه، وخرج بتوافق المجلس على تشكيل اللجنة برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، على أن يكون اللواء الركن طاهر علي العقيلي نائباً له، والعميد ركن حسين الهيال عضواً مقرراً.
كما وافق مجلس القيادة الرئاسي على تشكيل لجنة لتقييم وإعادة هيكلة الأجهزة الاستخبارية، مؤكداً أهمية اضطلاع هذه اللجان بواجباتها في تحقيق الأمن والاستقرار، واعتماد السياسات الكفيلة بتكامل جميع القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة وطنية موحدة، خدمة لمعركة استعادة الدولة وحماية مكاسب التوافق الوطني الراهن بإسناد من دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات.
مخاوف ورفض
وبين مخاوف وتوجسات وأخرى رافضة للقرار، كانت ردة فعل اليمنيين واضحة على القرار المعلن أخيراً، فبينما يرى البعض أن اللجنة تتبع أطرافاً محددة، يرفض البعض تشكيلها.
ولعل القرار الأكثر وضوحاً جاء من المجلس الانتقالي، فعلى الرغم من مشاركته في مجلس الرئاسة ممثلاً بعيدروس الزبيدي "المقرب من الإمارات"، ووجود قيادات كبيرة من الانتقالي في اللجنة العسكرية المشكلة، فإن الرفض جاء منه واضحاً.
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية في الانتقالي، منصور صالح: إن "الدمج فكرة غير مقبولة، ولم يرد ذكرها لا في اتفاق الرياض ولا مشاورات الرياض، وهما المرجعيتان اللتان استند إليهما تشكيل اللجنة العسكرية والأمنية".
فيما حذر مستشار وزير الإعلام، مختار الرحبي، من "العواقب الوخيمة للدور الذي يمكن أن يلعبه قاسم طاهر (رئيس اللجنة)، في هذا الظرف المفصلي من تاريخ اليمن"، مؤكداً أن "تكليف شخص ليس لديه مواقف واضحة من وحدة الكيان الوطني وفكرة الجمهورية الجامعة، هو أمر باعث للقلق، مهما كانت التبريرات والضغوطات".
ولفت الرحبي إلى أنه "تمت هيكلة الجيش في 2012، وسقطت العاصمة صنعاء بعد ذلك بيد مليشيات الحوثي، واليوم تم تشكيل لجنة هيكلة الجيش والأمن برئاسة انفصالي يعمل مع الإمارات منذ سنوات كزعيم مليشيات خارج إطار الدولة، ولا أحد يعرف المصير الذي ينتظر عدن بعد هذا القرار".
إعادة بناء الجيش وتأهيله
يرى المحلل العسكري اليمني، ناصر الذهب، أن المخاوف الحالية من دمج التشكيلات المسلحة تأتي بسبب تجارب سابقة كما حدث عام 2012.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله: التحديات الموجودة "تقف أمام دمج التشكيلات المسلحة غير النظامية في هيكلي وزارتي الدفاع والداخلية، بسبب الأجندات السياسية التي بنيت عليها تلك التشكيلات وموقف بعضها تجاه بعض وخصوصاً تلك التي تطالب بالانفصال".
ويشير إلى أن الخطوة الوحيدة لتبديد تلك المخاوف هي من خلال "إعادة بناء الجيش وتأهيله في الوقت الراهن، فيجب أن تكون إحدى أولويات التصحيح في أجندة مجلس القيادة الرئاسي، إلى جانب الأولوية السياسية والأمنية، حسب بيان التفويض لمجلس القيادة الرئاسي".
وفيما إن كانت هذه الخطوة ستنهي حلم الانفصال، يقول: "إذا تم دمج التشكيلات العسكرية بطريقة مهنية وقتها سيتبدد تلقائياً هذا الأمر، لكن ما دون ذلك فربما قد تكون هذه الخطوة مساعدة في تأسيس جيش متكامل لصالح الانفصاليين".
ويضيف: "علينا أن نؤكد أن هذه المرحلة صعبة جداً، بسبب كثير من القضايا المتعلقة (مجلس رئاسة جديد، محاولات دولية لإنهاء الحرب وسط ضغوط على الدولة، وتشكيلات عسكرية وسياسية مختلفة)، جميعها لا تساعد على استقرار الوضع في البلاد ولا على استمراره كبلد موحد، من دون تكاتف من الجميع".
اتفاق الرياض
هذه الخطوة الجديدة تعيد التذكير باتفاق الرياض الذي وقع في الخامس من شهر نوفمبر 2019، بعد انقلاب المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال على الحكومة حينها، حيث أقر الاتفاق أن تكون آخر خطوات التنفيذ في 5 يناير 2020.
ويتعلق الاتفاق بالشق العسكري والأمني؛ من خلال توحيد القوات العسكرية الواردة في الفقرة "3" من الاتفاق، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع، وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
وتزامناً مع ذلك يعاد تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج تحت قيادة وزارة الدفاع بالإجراءات ذاتها التي طُبقت بمحافظة عدن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
كما نص الاتفاق على إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات نفسها التي طُبقت في عدن، خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاق.
ولعل ما وصل إليه الحال في مناطق سيطرة الشرعية وخصوصاً في مناطق الجنوب، كانت بسبب عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق الرياض، وهو ما يجعل المخاوف تتزايد من إمكانية أن يتكرر الأمر مرة أخرى مع اللجنة العسكرية المشكلة مؤخراً.