يعتبر رمضان في اليمن شهراً خاصاً بـ"المقليات" لأهميتها البالغة، باعتبارها من أساسيات الإفطار على موائد الصائمين الذين لا يستغنون عنها إلّا مجبرين، كما يحدث حالياً، بسبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي عصفت بهم وبتقاليدهم الاستهلاكية التي كانت الراسخة في مثل هذه المناسبات السنوية.
تبرز السمبوسة من المسلّمات الثابتة في هذا الشهر، والتي تتصدر قوائم الإنفاق لدى الأسر اليمنية على السلع الغذائية والاستهلاكية الرمضانية، إلى جانب ما يطلق عليه في اليمن اسم "الباجية" الفلافل وغيرها من الوجبات التي ارتفعت كلفة إعدادها بنسبة تزيد على 80 في المائة. ويتحول إنتاج السمبوسة في هذا الشهر إلى مهنة تستقطب العشرات للعمل في إنتاجها وبيعها في مختلف المدن اليمنية.
فهمي الحيسي، وهو نازح من الحديدة غربي اليمن، في مدينة عدن جنوباً، قرر هذا الموسم الرمضاني العمل في إنتاج السمبوسة في منطقة الشيخ عثمان شمال عدن، في عربة خاصة تحمل "شولة غاز"، موضوع عليها قِدر كبير مليء بالزيت لقلي شرائح السمبوسة داخل مقصف من الزنك.
ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن المقليات، خصوصاً السمبوسة، تحظى برواج كبير في شهر رمضان، لذا اختار العمل في إنتاجها وبيعها بعد أن حصل على مساعدة من فاعل خير، بالرغم من ارتفاع أسعار وتكاليف مكوناتها بشكل كبير.
وقفز سعر السمبوسة، نوعية العجينة المثلثة المحشوة باللحم المفروم، إلى 80 ريالاً للقطعة الواحدة في المحال الشهيرة التي تبيعها، وذلك من 40 ريالاً خلال نفس الفترة من العام الماضي، فيما تبيعها العربات الجائلة للمارة بسعر يتراوح بين 50 و100 ريال للقطعة الواحدة.
ويرجع البائع عرفات (35 عاماً) في المحل الشهير "الكوبيش" الخاص بالسمبوسة والحلويات في منطقة التحرير وسط العاصمة صنعاء، سبب ارتفاع سعر السمبوسة إلى ارتفاع كلفة مكوناتها، مثل زيت الطهو، مع وصول سعر العلبة الواحدة عبوة 20 لتراً إلى أكثر من 50 ألف ريال، إضافة إلى أسعار الدقيق وغاز الطهو وغيرها من المكونات بنسبة تزيد على 100 في المائة، مقارنةً بأسعار شهر رمضان من العام الماضي.
ويوضح المحلل الاقتصادي مختار الحمادي لـ"العربي الجديد"، أن هناك زيادة سكانية في اليمن، يقابلها ارتفاع في الاحتياجات الاستهلاكية من الغذاء، إضافة إلى التدهور الكبير في العملة المحلية وارتفاع التضخم ثلاثة أضعاف، بعد أكثر من سبع سنوات من عمر الحرب في اليمن، وهي عوامل تسببت في انهيار ميزانية الأسرة بشكل خاص وارتفاع نسب الإنفاق والاستهلاك بما لا يقل عن 120 في المائة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب عام 2015.
المواطن شاهر المطري يصف بحسرة لـ"العربي الجديد"، ما يجري في الأسواق، بالقول: "لقد حرمونا (يقصد الأطراف المتصارعة) من أبسط عاداتنا وخصوصيتنا في هذا الشهر. لذا كما ترى نخرج للتجول في الأسواق والاكتفاء بالنظر بدل الشراء الذي يحتاج إلى موازنة يومية يعجز الكثير عن توفيرها".
بالنسبة للمواطن منصور عبد السلام، وهو موظف في إحدى الدوائر العامة في صنعاء، والذي يعيل أسرة مكونة من 8 أفراد، فإن الأمر يحتاج، وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى موازنة يومية لا تقل عن 5 آلاف ريال في حال قرر شراء السمبوسة كما اعتاد، فيما لم تكن تكلّفه أكثر من 1500 ريال قبل حوالي عامين لشراء كمية منها تصل إلى 40 قطعة.
وتتصدر السمبوسة موائد الإفطار لدى معظم الأسر اليمنية إلى جانب التمور والشفوت والشوربة، إذ دأبت بعض الأسر على إعدادها في المنازل من خلال شراء شرائح العجينة، والتي ارتفعت هي الأخرى أسعارها إلى نحو 1000 ريال، والاكتفاء بحشو العجينة بالبطاط أو الخضار.
ويعيش الفقراء ومحدودو الدخل في اليمن أوضاعاً صعبة في مثل هذه المواسم والمناسبات السنوية. وانكمش النشاط الاقتصادي في اليمن بأكثر من 50 في المائة، وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بحوالي الثلثين مقوما بالدولار، كما طوى الفقر 80 في المائة من السكان وتاَكلت معه نسبياً الطبقة المتوسطة، خصوصاً شريحة الموظفين المعتمدة على راتبها الحكومي كمصدر رئيس للإنفاق، وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات حرجة.
وامتدت تلك التداعيات إلى المجال الاجتماعي والإنساني، لترتفع نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 70 في المائة من دون توفر المساعدات الغذائية الإنسانية، وتنخفض هذه النسبة إلى 53 في المائة مع توفر المساعدات، في حين تزايدت معدلات سوء التغذية، وتدهورت معيشة 24 مليون نسمة.