وسعت الأطراف المتصارعة في اليمن، مواردها المالية الخاصة من خلال قطاعات وقنوات لجني الأموال عن طريق الجبايات والرسوم الجمركية التي يتم تحصيلها من خلال عشرات المنافذ البرية. ويشكو القطاع التجاري من صعوبات بالغة في النقل الداخلي مع تضاعف أجور الشحن بنسبة 700% في ظل ارتفاع تكاليف الحاوية في النقل الداخلي إلى أكثر من مليوني ريال، هذا بالإضافة إلى الجبايات والرسوم الأخرى.
يأتي ذلك، في وقت يأمل اليمنيون إنهاء عمليات الجبايات ومساندة القطاع التجاري في ظل مخاض عسير للأزمة مع أول اختراق في جدار الصراعات السميك عبر تشكيل مجلس القيادة الرئاسي. وطالبت غرفة أمانة العاصمة صنعاء المركزية التجارية والصناعية بفتح الطرق الرئيسية لتخفيف الضغوط المفروضة على نقل البضائع في الطرق الداخلية.
يقول عضو الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، عادل القاضي، لـ"العربي الجديد" إنّ المنافذ البرية الكثيفة المنتشرة على طول الطرقات في اليمن ومضاعفة الرسوم الجمركية والضرائب غير القانونية أثرت بشكل بالغ على أسعار السلع في جميع المناطق اليمنية.
بينما تستولي قوى نافذة غدت شريكة في الإدارة اليمنية الشرعية على إيرادات محلية في عدن، يعمد الحوثيون إلى تحصيل الإتاوات الجمركية في ميناءي الحديدة والصليف، وإيرادات جمركية إضافية في منافذ برية عديدة مثل عفار في محافظة البيضاء وسط اليمن، وجبل رأس في الحديدة غربي اليمن، ومنفذ الراهدة بين تعز وعدن ومنفذ رئيسي في الجوف شرقي البلاد، حسب مراقبين.
ويأتي ذلك، إضافة إلى السيطرة على الطرق الرئيسية التي تمر عبرها جميع الواردات تقريباً بعد وصولها إلى اليمن من المعابر البرية مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، ومن ميناءي المكلا وعدن البحريين.
ويستولي مسؤولون محليون على الإيرادات التي تحصلها محافظات مأرب والمهرة وحضرموت، بالإضافة إلى الأموال المحصلة من بيع الغاز الطبيعي في مأرب وتحصيل الرسوم الجمركية في موانئ المهرة ومعابرها، في غياب أي رقابة فعلية للبنك المركزي اليمني في عدن.
من جهته، أشار فريق الخبراء الخاص باليمن في الأمم المتحدة في تقاريره الصادرة في آخر عامين، إلى معلومات حصل عليها الفريق من مسؤولين يمنيين يزعمون الإثراء غير المشروع للقيادات المحلية عن طريق اختلاس الأموال المحصلة من هذه القطاعات والمنافذ الإيرادية العامة الخارجة عن سيطرة ونفوذ الحكومة اليمنية والمؤسسات العامة الرسمية.
بدوره، يقول الخبير في القانون التجاري اليمني، علي الشوكاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك تضخماً كبيراً للمنظومة الجبائية في اليمن والتي يجري تحصيلها بطرق غير مشروعة في تعدٍّ واضح على الأنظمة والقوانين اليمنية التي عطلتها أطراف الحرب وطوعتها لتحقيق مصالحها الذاتية في التكسب غير المشروع وتكوين اقتصادات خاصة بها وموارد ذاتية كان لها تأثير في توسيع رقعة التشكيلات والتكوينات المنتشرة في جميع المناطق اليمنية وإطالة أمد الحرب.
وتقدر بيانات تجارية أنّ إجمالي المدفوعات النقدية الإضافية التي يدفعها المستوردون الذين تأتي بضائعهم عبر ميناء عدن ويتم نقلها إلى مخازنهم في صنعاء بنحو 180 مليار ريال يمني (الدولار = نحو 1000 ريال) في العام الواحد منذ ما يقارب 4 سنوات.
كما يقدر عدد الحاويات في الشهر الواحد للبضائع التي تم تحويلها نقداً من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن بحوالي 15 ألف حاوية شهرياً.
في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي المبعوث الأممي إلى اليمن السويدي هانس غروندبرغ، أكد أنّ هناك خطوات مهمة تمت في تنفيذ "الهدنة الإنسانية" رغم الصعوبات والعوائق العديدة التي تواجهها، فقد سمحت الحكومة اليمنية بدخول عدد من سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، فيما الاستعدادات جارية لإقلاع الرحلة الجوية الأولى من مطار صنعاء.
لكن بخصوص المحور الأبرز في هذا الاتفاق والذي يعتبر تحدياً رئيسياً لجميع الاطراف والتي تتريث بخصوص البت فيه، والمتمثل بفتح الطرق والمعابر البرية، أشار المبعوث الأممي إلى أنّه يعمل على التحضير لاجتماع يجمع بين الأطراف للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات اليمنية.
الخبير في مجال إدارة الأعمال مهيوب جبران، يلفت في هذا الإطار إلى ما تمثله هذه المنافذ والمعابر من أهمية لأطراف الحرب ما يجعلها ترفض البت فيها.
يأتي ذلك فيما تزداد مشاق التنقل، مع ما فيه من طرق وعرة مستحدثة، وحصار بعض المدن كما هو حاصل لمدينة تعز، ومعاناة كتلة سكانية كبيرة، من تبعات هذه الحصار. كلّ ذلك وفق حديث جبران لـ"العربي الجديد"، ساهم في مضاعفة حدة الأزمة الإنسانية في اليمن وتشتيت موارد مالية ضخمة على طول طرقات البلاد.
من جانيه يعدد رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أسباب ارتفاع التكلفة النهائية للمستهلك في الكثير من السلع في اليمن بواقع 100%، والتي تتضمن، تأخير دخول البواخر نتيجة الإجراءات في منح التراخيص من قبل دول التحالف، وارتفاع أجور النقل الداخلي للبضائع بشكل غير طبيعي خصوصاً من المحافظات الجنوبية والشرقية والتي تجاوزت 8 أضعاف ما كانت عليه نتيجة قطع الطرقات، وكذلك احتكار مكاتب النقل بمحافظة الحديدة، إضافة إلى الجبايات غير المقننة في النقاط المتعددة عبر خطوط الإمداد الداخلي.