[ أدت ألوية العمالقة دوراً مركزياً في المعارك ضد الحوثيين في شبوة (صالح العبيدي/فرانس برس) ]
نجحت محافظة شبوة في تأمين كامل رقعتها الجغرافية من وجود الحوثيين، بعد عملية عسكرية كبرى، تقدمتها "ألوية العمالقة" مطلع العام الحالي. لكن المنطقة الغنية بالنفط والغاز جنوب شرقي اليمن، تحولت إلى مسرح لصراع سياسي، وهذه المرة بين أذرع الإمارات، "المجلس الانتقالي الجنوبي" وقوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي قتل على أيدي الحوثيين بعد انهيار التحالف معهم.
وبعد عامين من دحره من شبوة، تضاعفت آمال "المجلس الانتقالي" بالعودة إلى المشهد مجدداً، عقب إطاحة المحافظ المحسوب على حزب "التجمع اليمني للإصلاح" محمد صالح بن عديو، وتولي عوض العولقي منصب محافظ شبوة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خصوصاً أن الأخير عُيّن بعد ضغوط من أبوظبي التي تدعم الانفصاليين في اليمن.
وكان الاعتقاد السائد لدى "المجلس الانتقالي" أنه سيمارس الدور ذاته الذي يقوم به في عدن، من خلال منازعة سلطات الدولة، لتحقيق مكاسب سياسية بالترويج للمشروع الانفصالي، أو عسكرية بالهيمنة على المحافظة عبر قوات "النخبة الشبوانية"، وإزاحة الجيش الموالي للحكومة الشرعية، الذي خاض معه معركة طاحنة في أغسطس/آب 2019، تكللت بانتصار الأخير.
تلاشي آمال "الانتقالي" بالسيطرة على شبوة
خابت توقعات "المجلس الانتقالي" وتبخرت آماله بشكل كلي. فبدلاً من السيطرة العسكرية على المحافظة، وحلّ الجيش الوطني ومحاكمة قادته كما كان يطمح، ظل الجناح العسكري للانفصاليين مهمّشاً.
كما أن المكسب السياسي، المتمثل بإزاحة حزب "الإصلاح" من الواجهة، تلاشى أيضاً. وظهر أن هناك منافساً جديداً يبحث عن موطئ قدم في شبوة، هو المكتب السياسي لقوات "المقاومة الوطنية"، التابع لطارق صالح.
ثارت حفيظة "الانتقالي" عقب إشهار المكتب السياسي لقوات طارق صالح بشبوة، في 27 فبراير/شباط الماضي. وأصبح التحالف الصوري، الذي جمع الفصائل المسلحة منذ مقتل علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017، مهدداً بالتلاشي، إثر هجوم واسع لقيادات جنوبية ضد خطوة "المقاومة الوطنية"، فضلاً عن مواقف رسمية أعلنت بشكل قاطع رفض أي كيانات سياسية على أراضٍ جنوبية.
ورأى القيادي الانفصالي سالم ثابت العولقي، قبل أيام، أن "أي كيان شمالي يوجه بوصلته جنوباً يمثل عدواناً مبيناً على شعب الجنوب، سواء كان من يرفع اللافتة هم أنصار الله (الحوثيين) أو الإخوان المسلمون، أو المكتب السياسي، أو المقاومة الوطنية، أو غيرها من المسميات".
وذكر العولقي، العضو في هيئة رئاسة "المجلس الانتقالي"، أن "من يقول إن عدوه الحوثي ومعركته تحرير صنعاء، فالطريق ليس من شبوة أو عدن، أو غيرها من مدن جنوب اليمن".
وأضاف "من يعتقد واهماً خلاف ذلك، فلن يحصد سوى الخيبة والندامة"، في إشارة ضمنية لطارق صالح الذي دائماً ما يتحدث أن معركته الرئيسية هي تحرير العاصمة اليمنية.
وحظي الخطاب التصعيدي للعولقي بتأييد من الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الذي ينظر له على أنه قريب من دوائر القرار في أبوظبي، إذ أشار، في تغريدة أخيراً، إلى أن ما قاله القيادي الانفصالي "من أصدق ما قيل في الشأن اليمني".
ويعكس خطاب "المجلس الانتقالي" حالة القلق التي تنتابه من تحركات لإعادة إحياء حزب "المؤتمر الشعبي العام" داخل محافظات جنوبية، وتحديداً شبوة، التي باتت في عهدة محافظ من الانتماء السياسي ذاته لحزب صالح.
تصعيد "الانتقالي" على الأرض
لم يكتفِ "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالتصعيد الإعلامي تجاه التحركات التي تدفع "المؤتمر" لتصدر المشهد السياسي، عبر المجلس السياسي لـ"المقاومة الوطنية" في محافظة شبوة، إذ اقتحمت قوات انفصالية مقر حزب "المؤتمر الشعبي العام" في عدن وسيطرت عليه مساء الأربعاء الماضي.
وقال مصدر سياسي، لـ"العربي الجديد"، إن اقتحام مقر "المؤتمر" في عدن رسالة من "المجلس الانتقالي" لطارق صالح وداعميه، مفادها بأن "الانتقالي" يملك السلطة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية ولن يقبل بأي منافس.
كما دفع "المجلس الانتقالي"، يوم الجمعة الماضي، بالمئات من أنصاره إلى مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، من أجل التظاهر ضد افتتاح فرع المكتب السياسي لقوات طارق صالح أو أي مكونات سياسية يمنية.
ورفع المتظاهرون لافتات تدعو المكوّنات الشمالية للتوجّه إلى مناطق الحوثيين في محافظات شمال البلاد، وذلك بعد أيام من تدشين المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية" في 11 مارس/ آذار الحالي أول مكتب له في محافظة مأرب النفطية، وسط توقعات بافتتاح مكتب آخر في مدينة تعز.
وبالتزامن مع ردة فعل "المجلس الانتقالي"، صدر بيان لما يعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، بعد إعلان المجلس السياسي لـ"المقاومة الوطنية" فرع شبوة. وحذرت من التعامل، سياسياً أو اجتماعياً، مع المجلس السياسي أو أعضائه، بعدما تم تصنيفهم، كما جاء في البيان، "بالعمالة والخيانة لدماء الشهداء والوطن".
وعلاوة على اللهجة التحريضية حيال أعضاء وأنشطة المجلس السياسي، فقد عممت "المقاومة الجنوبية" صور أعضاء المجلس وتصنيفهم خونة مطلوبين للعدالة.
خوف من الملعب السياسي
ووفقاً للكاتب والناشط السياسي، شفيع العبد، فإن "الانتقالي يخشى الملعب السياسي، لأنه لا يعتمد على أدوات السياسة بقدر اعتماده على القوة والمال. وتلك عناصر تكوّن منها منذ نشأته من قبل الإمارات صاحبة ومالكة تلك العناصر".
ورأى العبد، الذي يتحدر من شبوة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن إشكالية "المجلس الانتقالي" التي يعيشها هي "مخادعة النفس، والاعتقاد بأنه الممثل الوحيد للجنوب وقضيته العادلة"، وبالتالي يصاب بحالة من الرعب نلحظها في خطابه وسلوكياته، بمجرد ظهور أي فعل سياسي خارج إطاره.
وأوضح العبد أن "محافظة شبوة جزء من الحالة اليمنية عامة، والجنوب خاصة، تسهم في التأثير في الحياة العامة وتتأثر بها، وبطبعها ترفض أي محاولات للوصاية عليها أو اختزالها في لون سياسي معين".
وأضاف: "لهذا رأينا فعاليات للهيئة الشعبية والائتلاف الجنوبي، وحالياً المجلس السياسي للمقاومة الوطنية، وغداً قطعاً سنرى الأحزاب تعود لممارسة نشاطاتها، باعتبار ذلك هو الحالة الطبيعية، وما سواها شاذ وطارئ".
واستبعد العبد تطور الصراع بين "الانتقالي" والمجلس السياسي لـ"المقاومة الوطنية" في شبوة "إلا في حدود المساحة التي يسمح بها الكفيل"، باعتبار أن الكيانين قد خرجا من مصدر واحد، في إشارة إلى أبوظبي التي تدعم الانفصاليين وطارق صالح في الوقت ذاته.
وفقاً لمصادر مطلعة في شبوة فإن عدم إشراك قوات طارق صالح في معركة استعادة مديريات بيحان الثلاث، أحد أهم الأسباب التي جعلت نجل شقيق الرئيس السابق يعلن عن مجلسه السياسي في شبوة.
وأشارت إلى أن طارق صالح يرى أن له ديناً عليها، وأن المحافظة جزء من مشروعه، ولهذا تبخرت فكرة تأسيس لواء كان من المقرر أن تُسند إليه معركة التحرير، بقيادة عوض عارف الزوكا، نجل الأمين العام لـ"المؤتمر"، الذي قُتل برفقة الرئيس السابق على أيدي الحوثيين في ديسمبر 2017.
وخلافاً لتكهنات بوجود تهميش إماراتي لطارق صالح، أكدت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الانتقالي" بات يتوجس من نشاط طارق صالح السياسي أكثر من أي فصيل يمني آخر.
ويرى الانفصاليون، أن مكتب المجلس السياسي في شبوة، سيكون بمثابة البديل لـ"المجلس الانتقالي" فيها، وبذلك سيكون طارق صالح الممثل الأقوى للإمارات في المحافظة الاستراتيجية الغنية بالثروات.
ورغم قناعة "الانتقالي الجنوبي" بأنه لا حاضنة شعبية لطارق صالح في شبوة خاصة، وكامل جنوب البلاد، بسبب حداثة تاريخه السياسي، وكذلك ماضيه، إذ كان حليفاً للحوثيين مطلع عام 2015، عندما اجتيحت شبوة، فإن نجل شقيق الرئيس السابق يستند إلى قيادات سياسية مخضرمة لتعزيز حضوره داخل المحافظة.
وقد اتضح ذلك مع إشهار المجلس السياسي لـ"المقاومة الوطنية"، بتصدر اسمي نائبين عن حزب "المؤتمر"، هما الشيخ عبد الله العجر وناصر باجيل، له، إضافة للعديد من الشخصيات والقيادات التي تملك وزناً سياسياً داخل المحافظة.
وحسب مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، فإن أكثر ما يثير مخاوف "الانتقالي" هو تراجع شعبيته داخل شبوة، التي غاب عنها خلال العامين الماضيين. ويخشى الانفصاليون بعد رحيل السلطات المحسوبة على حزب "الإصلاح"، أن يستغل طارق صالح هذا الأمر ليملأ الفراغ الذي عجز "المجلس الانتقالي" عن سده منذ سنوات.
دور العولقي لمنع انزلاق شبوة للفوضى
وسيكون العبء ثقيلاً على محافظ شبوة عوض العولقي خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وعدم السماح بإدخال شبوة في مستنقع الفوضى مجدداً، كما يخطط "المجلس الانتقالي".
ويتكئ العولقي على إرث تاريخي سياسي واجتماعي كبير. وخلافاً للمرونة التي ظهر بها منذ تعيينه، وعدم الاصطدام بأي فصيل أو تيار سياسي، يحظى الرجل بثقة واسعة من قبائل شبوة، بمن فيهم الموالون إلى "المجلس الانتقالي".
وتوقعت مصادر قبلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون لأي خطوات تصعيدية لـ"الانتقالي" عواقب وخيمة عليه، وأن تؤدي إلى موجة انشقاقات، من المتوقع أن يدشنها رئيس فرع "الجنوبي" في شبوة علي أحمد الجبواني، إلى جانب فصيل مسلح ينوي العودة إلى مسمى "المقاومة الجنوبية"، وهي القوة التي تشكلت إبان اجتياح الحوثيين للمحافظة، ولم يكن لـ"الانتقالي" دور في تأسيسها.
وقالت المصادر: "تربط الجبواني والمحافظ العديد من الروابط الاجتماعية التي لا يمكن أن تؤثر السياسة فيها. فالعولقي لا يقاتل أخاه العولقي تحت أي مبرر، كما جرى العرف تاريخياً لدى قبائل شبوة".