بمتابعة العمليات التي ينفذها تنظيم "القاعدة" في اليمن يلاحَظ أن ثمة ما ينفي ارتباطها بالتنظيمات "الإرهابية"، بحسب المراقبين، الذين يرونها أوراقاً سياسية، يراد منها جلب مصالح، أو الإساءة إلى أطراف أخرى ليس غير.
وبالنظر إلى آخر عملية تمت، فجر السبت 9 أبريل/ نيسان الجاري، وراح ضحيتها 20 جندياً، ومثلهم جرحى في محافظة أبين، حيث تنشط تلك التنظيمات، كما نُفذت عمليات إعدام أكثر من مرة، يرى المتابع عدم ارتباط تلك العملية بتنظيم "القاعدة"، خصوصاً بعدما نفى التنظيم صلته بالعملية، ووجه الاتهام إلى شيخ قبلي يدعى "علي عقيل"، حسب البيان.
المراقبون يرون بروز "عدو" آخر للحكومة الشرعية المدعومة بعمليات التحالف، مستدلين بتوسع العمليات ضد "القاعدة" في معظم محافظات الجنوب، حيث انتشرت تنظيمات تسمي نفسها بـ"القاعدة" و"داعش" في تلك المحافظات، بالتزامن مع انقلاب الحوثيين، وحليفهم المخلوع صالح على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
بيد أن البعض يرى في الهدوء النسبي في معظم جبهات المواجهات، وانحسار الغارات الجوية التي يقوم بها التحالف العربي سبباً في "التفرغ" لمواجهة تلك التنظيمات التي توصف بـ"الإرهابية"، حيث يرون أنها باتت تشكل تهديداً للحكومة الشرعية الموجودة أكثر في الجنوب، حتى وإن كانت تلك التنظيمات تتقمص أدواراً، وتنوب عن أطراف أخرى.
- ملف سياسي أكثر منه أمنياً
نبيل البكيري، المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، يعتقد أنه فيما يتعلق بممارسة الإرهاب في اليمن، فإن أكثر من 80% من هذا الملف هو ملف سياسي وليس ملفاً أمنياً بامتياز؛ نظراً للكثير من الإشكاليات وتعقيدات المشهد.
ويستطرد البكيري: "لكن هذا لا يخفي الحديث عن وجود حقيقي للقاعدة أو ما يسمى بتنظيم الدولة، لكن في الأخير لا وجود لهذه الجماعات بالشكل الكبير الذي يصوره الإعلام، هو وجود في إطار الخلل الموجود".
وأضاف: "باعتقادي أنه في حال استطعنا التحكم في هذا الخلل وإصلاح هذه الفوضى الأمنية فيمكن السيطرة، وإبعاد هذه الجماعات عن عدن وعن غيرها".
واستطرد قائلاً: "لكن في هذا الباب أيضاً لا ننسى أن جزءاً كبيراً من هذا التراشق الموجود بين أطراف الصراع، يسعى كلٌّ في توظيف هذا الملف باتجاهه، وتقديم نفسه بأنه هو من يحارب الإرهاب".
ويشير السياسي والباحث نبيل البكيري، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "الحكومة فشلت فشلاً كبيراً، وأدى ذلك إلى وجود فراغ، ومن ثم توظيف هذه الفصائل من قبل أطراف إقليمية ودولية لإيجاد موطئ قدم لها، ولإثبات فشل الحكومة الشرعية في البلاد، ولا نلقي اللوم هنا على أي فصائل، بل اللوم على الحكومة الشرعية، ماذا عملت في المناطق المحررة؟ ولماذا لا تسرع في إعادة الأمن والاستقرار في هذه المناطق؟".
- تهديد للحكومة الشرعية
في 24 مارس/آذار الماضي، صرح العميد ركن أحمد عسيري، المتحدث باسم قوات التحالف، أن استهداف تنظيم "القاعدة" في اليمن من قبل قوات التحالف العربي يعد أمراً وارداً، وتستهدف كل من يهدد الحكومة الشرعية وأمن المواطن اليمني، بالتنسيق مع الحكومة الشرعية، مشيراً إلى أن العناصر التي تدّعي انتماءها إلى تنظيم "القاعدة" تتبع المخلوع علي صالح والمليشيات الحوثية، حيث يدفعون بهم لزعزعة الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، وهذا التصريح يتوافق مع كثير من الآراء والقناعات بأن ما تسمى بالتنظيمات الإرهابية تخضع لحسابات سياسية.
وحسب الحكومة اليمنية، فإن مليشيات الحوثي والمخلوع علي صالح سلمت مناطق ومحافظات بأكملها لـ"أنصار الشريعة"، بالإضافة إلى معسكرات ومراكز للشرطة بهدف اللعب بورقة الإرهاب والجماعات المتطرفة، من جراء الهزائم التي تتلقاها قواته ومليشيات الحوثي على الأرض في المدن والمحافظات اليمنية.
البكيري أشار إلى أن "أمام الحكومة الشرعية الكثير لتقوم به في هذا المجال، أوله ملء الفراغ الأمني والعسكري والسياسي من خلال إيجاد شركاء سياسيين حقيقيين، واستيعاب كل الفصائل التي ساهمت في التحرير وطرد الانقلابيين في إطار المؤسسة الأمنية واستيعاب كل الناس في إطار مؤسسات الدولة، والسعي لإيجاد كيانات حقيقية في إطار مؤسسات الدولة".
وتابع: "أما أن تبقى بعض الفصائل تعمل خارج إطار الدولة، فباعتقادي أن هذا يهدد الأمن والاستقرار بشكل مباشر في هذه المناطق، ويعرقل تحرير المناطق الأخرى التي لم يتم تحريرها بعد"، لافتاً إلى أن تنظيم القاعدة "يتغذى من وجود الفوضى الأمنية، والمفتاح الحقيقي لحل هذه المشكلة هو باستعادة الدولة، وبمجرد استعادة تلك المناطق ستنتهي تلك التنظيمات".
ومع تواتر الحديث عن عقد جولة جديدة من المفاوضات، يتوقع محللون أن يذهب الانقلابيون في اتجاه "تعيين ممثلين لهم" من أجل أن يلعبوا دور الانقلاب، إذا ما اختاروا هم أنفسهم الاندماج في إطار الحلول السياسية التي تضمن بقاءهم مستقبلاً.
- تسويق الإرهاب وتقمص الأدوار
الخبير العسكري خليل الماعطي، كان متماشياً في حديثه مع الرأي العام في اليمن بعدم وجود "تنظيمات إرهابية" في البلاد، وأن ذلك تصنعه وتحرّكه قوى سياسية حسب التوقيت المناسب لها.
وأشار الماعطي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "تلك التنظيمات تحقق أهداف قوى أخرى في زعزعة الأمن والاستقرار، بل والتكسب من وراء ترويج فكرة "الإرهاب" والاسترزاق من ورائها، وتهديد المنطقة بها، كما حدث في عهد المخلوع صالح، حين تخفّ تلك العمليات مع تدفّق الدعم الأمريكي المخصص لمكافحة الإرهاب، وتزيد وتيرة العمليات مع غياب الدعم".
وأضاف: " من المتوقع أن تلبس قوى سياسية -في هذا التوقيت– قناع التنظيمات الإرهابية؛ لتصفية حساباتها بالتزامن مع دخولها المعترك السياسي، المتمثل في مفاوضات الكويت بين الحكومة الشرعية والانقلابيين، الشهر الجاري".
الماعطي قال: "كما اختفت تشكيلات عسكرية كانت الأقرب لنظام صالح ونجله واختارت "زنة" الحوثي بدلاً من الزي العسكري، وقامت بتصفية حسابات مع خصوم سياسيين، وتأخر صالح في الاعتراف بتلك الممارسات، مكتفياً مؤخراً بإعلان تحالفه مع الحوثيين، فلا يستبعد أن يستمر الانقلابيون في تأدية التقمص وتمردهم ضد الدولة ولو بلباس الجماعات الإرهابية، إذ مع ازدياد الضغوط ضدهم سياسياً وعسكرياً، ترفض طبيعتهم القبول بالآخر، والمشاركة السياسية مع بقية المكونات في البلاد".