خالف الحوثيون كل المواثيق والأعراف الإنسانية والدولية، وعلى الأخص اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وضربوا بها عرض الحائط، وعمدوا إلى تجنيد الأطفال كمقاتلين في صفوف مسلحيهم، دون أي اكتراث لأي اعتبارات تعارف عليها الجميع.
وكانت المقاومة الجنوبية اليمنية قد أسرت عددا من الأطفال (دون 18 عاما) والذين كانوا يقاتلون في صفوف الحوثيون وأطلقت سراحهم، خصوصا أن بعضهم تراوح عمره بين 7 و12 عاما.
ونجحت "الوطن" في الوصول إلى عدد من هؤلاء الذين كشفوا لها أساليب التغرير بهم، وكيفية تجنيدهم، حيث تفنن الحوثيون في أساليب الزج بهم بجبهات القتال بطرق عدة، منها الإكراه بالقوة، والتغرير بالمال، مستغلين ظروفهم الاقتصادية، والاختطاف من فناء المنازل والمدارس، ثم يستخدمونهم دروعا بشرية أو مقاتلين.
وكشف بعض الأطفال المطلق سراحهم كيفية نقلهم من محافظة إلى أخرى، ومن مواقع قتالية وجبهات إلى أخرى، دون علمهم بما يدور، حيث كانوا ينقلون معصوبي الأعين.
بدورها، تشدد الراصدة الميدانية، عضو اللجنة الوطنية الحكومية لحقوق الإنسان ذكرى الواحدي، على أن أكثر ما يمارسه الحوثيون من انتهاكات هو الاعتقالات والإخفاء القسري، والابتزاز المادي، لكن الكارثة الأكبر في انتهاكاتهم تبقى تجنيد الأطفال، مشيرة إلى أن هناك أرقاما كبيرة ومخيفة، خاصة في مناطق صنعاء القديمة وعمران وحجة والتي تثبت بشاعة أفعال الحوثيين ودناءتها.
إرهاب الطفولة
تؤكد ذكرى الواحدي أن الحوثيين يختارون الأطفال لسهولة التأثير فيهم، وسهولة فرض أي توجهات عليهم، عبر التلاعب بمشاعرهم، والسيطرة على تفكيرهم وحشو عقولهم بالأفكار.
ويعمد الحوثيون إلى زيارة المدارس والمراكز والمساجد، وأماكن تجمع الأطفال، ويحاولون التأثير عليهم بمفردات مثل "التصدي للعدوان" على اليمن، ومقاتلة "الدواعش"، ويؤدلجونهم بأفكار قتالية حربية، كما يلجؤون أحيانا إلى عمليات الخطف لمن لم يوافق آراءهم، ويقومون أخيرا -وفي المقام الثالث- باستغلال ظروف الأطفال المعيشية، ويقدمون لهم ولذويهم عروضا مغرية.
وتركز الواحدي على أن الحوثيين انتهجوا أسلوبا قذرا في تكوين صفوفهم بعد أن شعروا بأنهم لا يجدون القبول من الناس، حيث عمدوا إلى اختطاف الأطفال لسهولة السيطرة عليهم والتنقل بهم من موقع إلى آخر، وتقول "كنت عند أسرة يمنية فقدت ابنها منذ قرابة الشهرين، وهي لا تعلم إن كان حيا أو ميتا، وقبل مغادرتي فوجئت والدته باتصال هاتفي منه يبلغها فيه أنه في جبهات القتال في تعز، وكان يبكي بحرقة وألم أبكيا والدته، وكان يقسم لها إنه لا يعلم ولا يعرف كيف وصل من صنعاء إلى تعز".
استلاب البراءة
يستخدم الحوثيون الأطفال في ثلاثة مجالات: الأول تكليف بعضهم بنقل المؤن من أغذية وأسلحة إلى مواقع استخدامها، وبعضهم يكلف بما يفوق طاقته، وإذا لم يقم بالمهمة المنوطة به يتم ضربه وتعنيفه وسجنه وتعذيبه. ووضع آخرين في النقاط الأمنية للتفتيش والرقابة تحت أجواء مناخية متقلبة لا يتحملها الطفل، وينال المخالف منهم نفس العقاب السابق. والغالبية الكبرى تذهب إلى جبهات القتال، إما دروعا أو مقاتلين، وأغلبهم ينتهي جثة هامدة.
وتوضح الواحدي أن بعض الأعراف القبلية لعبت دورا سلبيا في استلاب براءة الطفولة، حيث يتعامل البعض مع أطفالهم الذين تخطوا العاشرة على أنهم بلغوا مبلغ الرجال، وهذه كارثة تحرم الطفل طفولته، وقد استغل الحوثيون هذه النقطة فأجبروا أو أغروا الأطفال وذويهم بهجر التعليم والمدارس والالتحاق بالتجنيد، وهذا ما يتسبب حتما في تدمير مستقبلهم العلمي والعملي.. لقد حرم الحوثيون جيلا من اليمنيين حقوقهم التعليمية والتربوية.
تغييب الاتفاقيات
تقول الواحدي "تداول كثيرون قصة جرت في صنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها وتجنيدهم الأطفال، حيث وضعوا طفلا في نقطة أمنية وسط الشارع، لكنه عندما شاهد أقرانه يلهون ويلعبون بالشارع نسي مهمته ذهب ليلعب معهم، وهنا تظهر براءة الطفولة وحماقة الحوثي".
وتتساءل الواحدي بحرقة عن أسباب تغييب اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 عن التطبيق في اليمن، وتستغرب غض الطرف عما يحدث من انتهاكات للطفل اليمني، وتقول "ما زال دور المنظمات الدولية ضعيفا جدا، فقد ناشدنا تكرارا، ونناشد عبر "الوطن" اليوم، كثيرا من المنظمات الإنسانية والحقوقية بالاهتمام بموضوع تجنيد الأطفال واختطافهم وقتلهم، والتعامل معهم بلا إنسانية، هناك أكثر من 1.5 مليون نازح في اليمن أكثرهم من الأطفال الذين شردوا من مدارسهم وبيوتهم وزج بهم في المعسكرات، والمجتمع الدولي والمنظمات العاملة في اليمن تتعامل مع الأمر بسلبية، والانتهاكات تتزايد بشكل يومي وكبير، ولذا فإن الإحصاءات الدقيقة تكاد تكون صعبة جدا، على الرغم من أننا نبذل جهودا كبيرة لتوثيقها ورصدها".
الوطن السعودية