[ ترفض الإمارات إبلاغ السلطات الشرعية عن خطواتها (فرانس برس) ]
تمضي الإمارات في مساعيها لبسط نفوذها وسيطرتها على جزيرة سقطرى اليمنية، الواقعة في قلب المحيط الهندي، والتي تعتبر أحد أهم أسباب الصراع بين الإمارات والحكومة اليمنية.
وتركزت الخطوة الجديدة في إصدار بطاقة تعريف شخصية خاصة لسكان الجزيرة، تمهيداً على ما يبدو لاعتمادها بدلاً عن الهوية اليمنية داخل سقطرى، ما ولد استياء واسعاً في سقطرى وردود فعل بدأت تظهر منذ نحو 10 أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ظل المخاوف من مخطط أبوظبي لمحاولة طمس تبعية أرخبيل سقطرى للجمهورية اليمنية.
وأوضحت مصادر متعددة في جزيرة سقطرى، لـ"العربي الجديد"، أن الإمارات أصدرت بطاقات تعريف شخصية لعدد كبير من أهالي سكان الأرخبيل اليمني خلال الأيام الماضية، وباتت تتعامل مع سكان الجزيرة وفقاً لهذه الهوية ولا تقبل بغيرها عندما يتطلب الأمر من الشخص إثبات هويته. وأشارت المصادر نفسها إلى أن هذه البطاقة أصبحت تمثل هوية يمكن الاعتماد عليها في زيارة الإمارات، ويحصل حاملها على امتيازات.
ووفق المصادر السقطرية، وبينها مسؤول في السلطة المحلية، فإن البطاقات هذه تصرفها "مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية" الإماراتية، لكنها لم تضع أي إشارة أو دليل يشير إلى المؤسسة، وحتى أنها حصرت، في البداية، توزيعها على المقربين والموالين للإمارات، وتضعها تحت لافتة "الإنسانية". وأشارت إلى أنها تتهرب حالياً من الاعتراف بأنها تقف وراء إصدارها، وتوزيعها، على الرغم من أنها وزعت على مسؤولين وشخصيات لا يحتاجون أي مساعدات، إذ إن لديهم تجارة وأموالا كثيرة.
وكُتِبت البطاقة باللغتين العربية، على اليمين والإنكليزية على اليسار. وتجمع الألوان المستخدمة فيها بين الأبيض والأحمر الخفيف. وفي أعلى البطاقة من اليمين مكتوب أرخبيل سقطرى، وتحته مباشرة مسجل أنها بطاقة صحية وشؤون اجتماعية. وتكرر الأمر على جهة اليسار، إنما باللغة الإنكليزية، فيما كان يفترض أن يسجل مكان كل ذلك الجمهورية اليمنية، الخدمة المدنية، والسجل المدني، محافظة أرخبيل سقطرى على غرار بطاقات الهوية اليمنية المعتمدة رسمياً. ووضع على البطاقة، في أعلى الوسط شعار يظهر فيه شجرة "دم الأخوين" مزروعة فوق جزيرة في البحر، وتحيط بالشعار دائرة كتب عليها باللغتين الإنكليزية والعربية أرخبيل سقطرى، فيما كان يفترض أن يكون الشعار الموجود فيها هو التابع للجمهورية اليمنية المعروف بالطير اليماني. أما صورة الشخص، فقد طبعت على يمين البطاقة تحت أرخبيل سقطرى باللغة الإنكليزية، فيما كتب رقم البطاقة، والذي يبدو لافتاً للجميع، على يسار البطاقة، وهو مكون من 15 رقماً بالإنكليزي وتتطابق تركيبته مع بطاقات الهوية التي تصدرها الإمارات لمواطنيها وللمقيمين على أراضيها.
وبعيداً عن طريقة كتابة الأرقام اليمنية في البطاقات الشخصية، فإنه يوجد عليها تاريخ انتهاء صلاحية، في 30 أغسطس/آب 2023. وكتب في الأسفل، في شقيها الأيمن والأيسر، اسم الشخص باللغتين، وتحتهما مباشرة جنسيته على أنه من سقطرى، ثم اليمن، باللغتين أيضاً، وكأن هذه البطاقة أعطتها الإمارات لزوارها أو المقيمين على أراضيها.
وأكد المسؤول في السلطة المحلية، لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسات الإماراتية التي تدعي الإنسانية أصبحت عسكرية وأمنية ومخابراتية، وهي تنتهك السيادة الوطنية تحت حجج الأعمال الإنسانية. وأشار إلى أن الجميع يعلم أن عمال "مؤسسة خليفة" والهلال الأحمر الإماراتي كلهم ضباط جيش وأمن إماراتيون يديرون سقطرى، ويتجسسون على سكانها، وعلى أي شخص يأتي إلى الجزيرة من غير الموالين لهم، وأنهم يقفون خلف البطاقة التي أصدروها، ثم دفعوا بمن حصل عليها لنشرها، كما فعل مدير الموانئ في سقطرى الموالي للإمارات و"المجلس الانتقالي الجنوبي" محمد سالم أحمد. ووضع هذا الأمر في إطار محاولتهم الأولية لجس نبض الناس في سقطرى خصوصاً، واليمن بشكل عام، حتى يتم تعميمها فيما بعد إلزامياً على كل سكان الجزيرة لتكون رسمية ومرتبطة بالإمارات بشكل مباشر، إذا مرت هذه الخطوة مرور الكرام.
وأشار إلى أن أي طرف يمني لا يملك قوائم بأسماء من يدخل سقطرى من الأجانب، كما أنه لا يتم تسليم أي نسخة منها للحكومة الشرعية، موضحاً أن الإماراتيين هم الذين يصدرون تصاريح الدخول والخروج لكل الأجانب الزائرين لجزيرة سقطرى، سواء من السياح أو التجار أو خبراء وعسكريين وغيرهم. وأوضح أن شركة أميركية لإنتاج الأفلام أخذت الإذن، عندما أرادت تصوير فيلم في سقطرى، من الإمارات، من دون أن تحصل على إذن أو تصريح من وزارة الإعلام والثقافة والسلطات الأمنية اليمنية، لأن هذه الإجراءات أصبحت من صلاحيات أبوظبي ومؤسسة "خليفة للأعمال الإنسانية" والهلال الأحمر الإماراتي.
يشار إلى أنه لم يتم في البطاقة ذكر مكان إصدارها أو الجهة التي قامت بهذا الأمر، إذا كانت الحكومة اليمنية الشرعية أو الإمارات أو حتى "مؤسسة خليفة"، فضلاً عن جزيرة سقطرى، مع أن المؤسسات الإنسانية عندما تصدر بطاقة تضع شعارها واسمها مع اسم المستفيد. لكن هذه الطريقة الإماراتية، والتي نفذتها "مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية" تؤكد، وفق كل من تواصلت معهم "العربي الجديد"، أنها انتهاك لسيادة اليمن، وأيضاً تصعيد إماراتي في سقطرى ضد هوية أهل الجزيرة وأرضها.
وقال الناشط الاجتماعي جلال محسن السقطري، لـ"العربي الجديد"، إن "الناس تتخوف من قيام الإمارات بخطوة لا يحبها غالبية سكان الجزيرة، خصوصاً أنها تتجه نحو إجبارهم على عدم التعامل مع الهوية اليمنية، في محاولة لإكمال سيطرتها على الجزيرة، وهو أمر يهدد كل السقطريين، الذين ناضلوا طوال الفترة الماضية لإخراجها من الجزيرة". وحذر من أن الإمارات "قد تضغط عليهم للقبول بإجراءاتها ونفوذها، أو دفعهم لمغادرة سقطرى، بعد أن أصبحت تتجسس على كل سكان الجزيرة، وكل القادمين إليها من اليمنيين". وأكد أن "حياة سكان سقطرى أصبحت مجرد كوابيس، إذ يستفيقون كل يوم على خطوات وإجراءات إماراتية خبيثة تستهدفهم، وتفرض عليهم أنظمتها، وتغرقهم بالأجانب والمعسكرات، وحتى أنها تقوم باستبدال العمال من أهل الجزيرة، في المرافق والمؤسسات السياحية والمستشفيات الخاصة، بأجانب".
وقال الموظف المدني أمين باسم السقطري، لـ"العربي الجديد"، إن البطاقة تحصل على ترويج من قبل المقربين من الإمارات، الذين يقولون إنها ستكون مثل البطاقة الشخصية، وهي بمثابة تصريح دخول إلى الإمارات. وأشار إلى أنه، على الرغم من الإغراءات، فإن الناس في سقطرى يدركون أن "مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية" والهلال الأحمر أصبحا بمثابة مقر أمني وعسكري، ويتحكمان بكل شيء في الجزيرة. وبرأيه فإنه نظراً لأن "الناس ترفض التواجد الإماراتي الذي أصبح بمثابة احتلال، يحاول الإماراتيون اليوم إغراء أهالي سقطرى، لإقناعهم بالسفر إلى الإمارات، والقبول بالتواجد الإماراتي وإدارة الجزيرة"، معتبراً أن "هذه البطاقة هي بمثابة مقدمة لإجراءات وخطوات جديدة، لسيطرة الإمارات على الجزيرة".
بدوره، قال الناشط سالم يوسف عبيد، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات أبلغت بعض الأشخاص، الذين حصلوا على البطاقة، أنها ستكون بديلة للبطاقة الشخصية اليمنية، وكل من يحصل عليها سيحصل على امتيازات في المؤسسات الإماراتية والمطارات والموانئ. وأكد أن "الحديث عن أنها فقط لأعمال إنسانية وصحية واجتماعية ضحك على الذقون، لأن قيادات عسكرية وأمنية موالية للانتقالي والإمارات لا يحصلون على مساعدات إنسانية، لكنهم حصلوا على بطاقات من مؤسسة خليفة". وتساءل "كيف لأشخاص يحصلون على أموال طائلة وبالعملة الأجنبية الحصول على بطاقة مساعدات إنسانية من مؤسسة خليفة، مثل مدير موانئ أرخبيل سقطرى محمد سالم أحمد، الذي بات يستخدم البطاقة الإماراتية بديلاً عن هويته اليمنية".
ويُجمع كثير من أبناء سقطرى، ممن تحدثوا مع "العربي الجديد"، على أن الإمارات هي من تعمدت نشر موضوع البطاقات الشخصية لمعرفة ردة فعل الناس، وبقدر ما هي محاولة لجس نبض الناس في سقطرى، وهو الأهم بالنسبة إلى الإماراتيين، بقدر ما هي جس نبض للشارع اليمني بشكل عام، حول الإجراءات التي تتخذها في طريق عزل جزيرة سقطرى عن بيئتها وهويتها وثقافتها اليمنية.
وفي محاولة لسلخها عن الأراضي اليمنية، كانت الإمارات قد اتخذت الكثير من الخطوات والإجراءات في جزيرة سقطرى، من بناء القواعد العسكرية والمعسكرات ومراكز التدريب الدولية للمرتزقة، فضلاً عن إنشاء شركة اتصالات، وشبكات تجسس على سكان الجزيرة. كما تم ربط كل الإجراءات الأمنية في سقطرى بدولة الإمارات، بما فيها دخول الأجانب وحصرها فيها، بالإضافة إلى إنشاء موانئ خاصة فيها، ومنع عودة المسؤولين اليمنيين وحتى زيارتها، وحتى تقليص تواجد حلفائها من اليمنيين في الجزيرة. كما أنها منعت رفع العلم اليمني على المؤسسات الحكومية وحتى في المنازل، وكل من يرفعه تتم ملاحقته من قبل بعض المليشيات المحسوبة على "المجلس الانتقالي"، فضلاً عن منع ترديد النشيد اليمني في المدارس. وفي حين أنها قدمت إغراءات كثيرة لسكان الجزيرة لمغادرتها مقابل حصولهم على جنسية الإمارات والعمل فيها، فإنها ضغطت على آخرين مؤيدين للشرعية لمغادرة الأرخبيل. وهي ترفض إبلاغ السلطات الشرعية عن خطواتها وإجراءاتها المتصلة بالسيادة اليمنية والأمن القومي، وتمنع تنفيذ أي توجيهات أو قرارات من الحكومة. ويجمع كثر على أن الإمارات، من خلالها تحركاتها هذه وما سبقها من خطوات وإجراءات، بالتزامن مع حملة إعلامية دولية، تقترب من فرصة فصل الجزيرة عن اليمن، وضمها إلى أراضيها، طالما لم تتحرك السلطات الشرعية اليمنية بالقوة لوقف الإمارات عن تنفيذ مخططها، الذي يرفضه سكان الجزيرة، رغم كل الإغراءات.