[ يمنيون يمشون في أحد الشوارع للتسوق بعد الإفطار في منطقة كريتر في مدينة عدن (الفرنسية) ]
تتميز مدينة عدن جنوبي اليمن خلال شهر رمضان بهدوء نهارها وصخب ليلها، وهي عادة درجت عليها المدينة منذ سنوات، حيث تجد المدينة طوال ساعات النهار الأولى أشبه بمدينة أشباح في حين تنتعش ليلا، ولا يبالي ناسها في تزاحمهم هذه الأيام باتخاذ أي إجراءات احترازية من فيروس كورونا.
خروج الناس من مساجد المدينة بانقضاء صلاة الفجر يعتبر إيذانا بدخول المدينة مرحلة السبات، حيث تغلق كافة المحلات والأماكن العامة وتخلو شوارعها من أي حركة للحياة، عدا ما يمكن أن تشاهده من حمير أو كلاب وقطط ضالة تتصيد رزقها من بقايا موائد رمضان.
تفاخر رغم شدة الظروف
تلك الموائد التي يتفاخر سكان المدينة في إعدادها رغم صعوبة ظروفهم الاقتصادية التي يمرون بها منذ سنوات بسبب تخييم شبح الحرب على البلاد وما أفرزته من تداعيات على حياة الناس وخلقت أسوأ كارثة إنسانية، بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة التي تحذر من وقوع حالة مجاعة غير معهودة في العالم منذ 40 عاما.
لا مبالاة من كورونا
لا يقتصر الحال خلال أيام شهر رمضان على توقف نشاط الأسواق وإغلاق المحلات خلال ساعات النهار الأولى، ولكن الوضع يلقي بظلاله على باقي أمور المدينة الأخرى؛ حيث تشهد أوضاعها "شللا" تتعطل معه كثير من مصالح الناس من خلال توقف العمل في كثير من المكاتب والشركات في النهار والاستعاضة عنه بالعمل في المساء.
وهذا ما فرضته جائحة كورونا على الوزارات والمصالح الحكومية بتقليص عدد موظفيها المداومين. يضاف له حالة التكاسل وعدم الالتزام بدوام العمل التي تلازم الموظفين خلال الشهر الفضيل.
ويترافق سكون المدينة وتكاسلها إلى ما بعد الظهر، حيث تبدأ تدب حركة الحياة فيها بافتراش باعة المأكولات الرمضانية الأرصفة والشوارع والطرقات التي تسد أمام حركة السيارات، في تحد بشري لا يخشى مخاطر الاختلاط والتزاحم في ظل جائحة كورونا مع وضع مزر للنظام الصحي في البلد.
ولا يتبع الناس أية إجراءات احترازية ويقولون "كله من عند الله ولن يمنع عنا التباعد أي مكتوب"، كم أن كثيرين منهم ينكرون وجود المرض أساسا. ويزيد من معاناتهم تردي الخدمات والانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه وانهيار شبه متكامل للبنى التحتية.
وتقول الناشطة المدنية ولاء المعري إن "هذا العام أخف وطأة من سابقه من حيث عدم حظر التجول". وتضيف أن الناس لا يخافون هذا التزاحم مع أنه يفترض بهم أخذ الاحتياطات اللازمة مع انتشار موجة كورونا الثانية في البلد.
التكافل وتبادل أطباق رمضان
خلال ساعات العصر يتنافس باعة المأكولات والمشروبات الرمضانية على تقديم بضاعتهم، وتجدهم ينادون بأعلى أصواتهم لجلب الزبائن. ومن أول يوم برمضان تجد كل بائع أو مجموعة متحدة على اختيار موقع لنصب كشك متنقل أو طاولة مع شولة (طباخة) ولوازم وأواني الطبخ لتجهيز المأكولات الخفيفة الخاصة برمضان كالشوربة باللحم أو السمبوسة والباحية (طعمية/فلافل) والعتر واللحوح وغيرها.
وتحرص الأسر العدنية على تنوع موائدها الرمضانية وتضمينها مأكولات ومشروبات خاصة برمضان، كما يؤكد عبد الحكيم محمد، ويضيف أن من عادات أهالي عدن في رمضان تبادل أطباق المأكولات الرمضانية والتكافل الاجتماعي وتوزيع الأطعمة على الفقراء.
حركة نشطة في ليل المدينة
أما ليل المدينة الذي يمتد ما بين صلاة العشاء إلى مشارف الفجر؛ فإنه يتميز بالانتعاش والحركة وتزاحم الناس في أسواق المدن والشوارع الرئيسية، والتي عادة ما تتحول إلى معارض لبيع الملابس والأقمشة والأحذية والأواني وغيرها.
وتعمل السلطات المختصة على سد مداخل ومخارج الشوارع بالمربعات الخرسانية، لإتاحة الفرصة أمام المتسوقين للتحرك بحرية ومنع مرور السيارات طوال الشهر من دخول تلك الشوارع. وعادة تنشط حركة البيع والشراء ويجد كثير من الشباب والشابات فرص عمل خلال رمضان.
وفي العشر الأواخر من رمضان تزداد حركة الحياة في مناطق عدن، حيث يتسارع الأهالي إلى الأسواق لشراء ملابس العيد لأطفالهم واحتياجات العيد من الحلويات والكعك والمشروبات والهدايا التي تقدمها الأسر عادة للأطفال الزائرين من الجيران والأقرباء.
ارتفاع الأسعار وانعدام الرقابة
يشكو الأهالي من ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان بسبب استغلال التجار حاجة الناس الضرورية للشراء وعدم قدرتهم على التنصل أمام رغبات أطفالهم أو احتياجات العيد، وعدم وجود رقابة لضبط إيقاع الأسعار المتصاعد الذي يفرض حدود مستوياته التجار، كما يقول الصحفي سامي العدني.
ويتذرع التجار برفع الأسعار من منطلق الانهيار المتواصل لسعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وأن أغلب احتياجات اليمنيين من الأغذية والملابس والاحتياجات الأخرى تستورد من الخارج بالعملة الصعبة.
ويقول حمدي عبد الباري الكسار "نعاني كتجار تجزئة من اشتراطات المستوردين وتجار الجملة الذين يرفعون الأسعار بين حين وآخر، ويلزموننا الدفع بالدولار أو الريال السعودي الذي نضطر لشرائه من السوق السوداء بأسعار باهظة تجاوزت 900 ريال يمني مقابل الدولار الواحد".
فسحة الأمل.. في الواقع المرير
رغم الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي ألقت بظلها على حياة الناس منذ 6 سنوات بسبب الحرب القائمة في البلاد، فإن الأهالي يصرون على أن يعيشوا لحظات حياتهم التي يرون في كل لحظة منها فسحة أمل تعينهم على هذه الأوضاع المليئة بالألم والمعاناة.