من الصمت إلى العلن، تواصل سلطنة عُمان تحركاتها واستضافتها للمباحثات واللقاءات الدولية، في سبيل العمل على حل الأزمة اليمنية المستمرة منذ 6 سنوات.
وتسعى عُمان، التي عملت منذ اندلاع الحرب اليمنية، على لعب دور الوسيط بين الإقليم والعالم من جهة والجماعة الحوثية من جهة أخرى، لإبراز دورها في حل الأزمة اليمنية وإخراجه إلى العلن بعد أن ظلت تفضّل لعب هذا الدور بصمتٍ ودون تصريحات رسمية.
وخلال الأشهر الماضية، كثفت مسقط جهودها المتمثلة في تنسيق لقاءات على مستوى منخفض بين التحالف العربي والحوثيين، إضافة إلى تنظيم سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين دوليين وغربيين والوفد الحوثي.
مسقط.. زيارات لا تتوقف
تحولت مسقط، خلال الفترة الأخيرة، إلى مقر لزيارات مكثفة يجريها مسؤولون دوليون وسعوديون، فيما يبدو أن تكثيف تلك الزيارات يهدف إلى إيجاد حلول لإنهاء الأزمة اليمنية، التي لم تنجح أي مفاوضات سابقة في إنهائها.
وتزامناً مع زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود لعُمان، في 2 مايو 2021، تواصلت الجهود السياسية لإيجاد حل لأزمة اليمن، حيث وصل في اليوم ذاته إلى مسقط المبعوثان إلى اليمن؛ الأمريكي تيموثي ليندركينغ والأممي مارتن غريفيث، قادمَين من الرياض.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت، في بيان، أن المباحثات ستركز على ضمان وصول السلع والمساعدات الإنسانية إلى أنحاء اليمن بانتظام ودون عوائق، إلى جانب دعم وقف دائم لإطلاق النار وانتقال الأطراف لعملية سياسية.
من جهة أخرى، قال السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، في تغريدة على موقع "تويتر"، إنه عقد لقاء مثمراً برفقة ليندركينغ مع وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، في مسقط، مضيفاً: إن "الوقت حان لإحلال السلام في اليمن، وإن سلطنة عُمان يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً".
وقبل ذلك، شمل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، سلطنة عمان بجولته في المنطقة والتي زار خلالها كلاً من قطر والعراق والكويت، في ظل رواج أنباء عن جهود تُبذل في المنطقة لتضييق هوة الخلافات بين الغريمتين الكبريين إيران والسعودية وإطلاق حوار بينهما، حيث التقى أيضاً وفدَ الحوثيين الموجود بمسقط.
وساطة عُمان للعلن
خلال السنوات الماضية كانت عُمان تعمل بشكل غير معلن، لوساطة لحل أزمة اليمن، لكن في 30 مارس 2021، كشفت السلطنة أنها تعمل بالاشتراك مع السعودية على “التوصل إلى تسوية شاملة” للأزمة اليمنية.
وجاء هذا الإعلان في موقف نادر للسلطنة التي دأبت على ملازمة الصمت فيما يتعلق بما يجري على أراضيها من لقاءات ومشاورات، سواء ما تعلق منها بالموضوع اليمني أو ما اتصل بالملف الإيراني أو ما ارتبط بغيرهما من الملفات الإقليمية.
وأضاف بيان للسلطنة: "إن السلطنة تأمل أن تحقق هذه الاتصالات النتيجة المرجوّة في القريب العاجل وبما يعيد لليمن الشقيق أمنه واستقراره ويحفظ أمن ومصالح دول المنطقة".
امتثالا للأوامر السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظه الله ورعاه / فإن السلطنة مستمرة في العمل عن كثب مع المملكة العربية السعودية الشقيقة والمبعوثين الأممي والأمريكي الخاصين باليمن والأطراف اليمنية المعنية pic.twitter.com/tGeTPewECm
ويعتبر مراقبون أن الموقف العماني من الأزمة اليمنية، والذي تشكل في أواخر عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، يعد تحولاً بارزاً في نهج السياسة العمانية التي ظلت تفضل النأي بنفسها عن التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، فيما مارست دوراً ملموساً مغايراً في التعاطي مع الحوثيين، الذين باتت العاصمة العمانية مسقط، مركز تحركاتهم الدبلوماسية.
دور الوسيط
يشير الصحفي والكاتب اليمني فهد سلطان إلى الدور الذي لعبته السلطنة من خلال "حفاظها على شعرة تواصل بين التحالف ومليشيا الحوثي".
ويتحدث في هذا السياق عن أن عُمان "ليست بذات توافُق مع الشرعية كما هو الحال مع مليشيا الحوثي"، مضيفاً لـ"الخليج أونلاين": "فشل التحالف في تحقيق أهدافه المعلنة مكَّن عمان التي بقيت على الحياد لحظة انطلاق العاصفة، من لعب دور تنامى بشكل كبير، خاصة في الفترة الأخيرة".
ولفت إلى أن السلطنة "تحتفظ بشعرة معاوية أو بعلاقة جيدة مع الحوثيين، ومن ثم يعود إليها الأمريكيون والأمم المتحدة والسعودية أخيراً ليطلبوا منها لعب دور وسيط مع الحوثيين، خاصة أنهم رافضون ومتصلبون في كل جولات الحوار السابقة".
وفيما يتعلق بالأزمة الحالية ومحاولة اختراقها، يقول سلطان: "يبدو أن اختراق الأزمة لا يزال بعيداً، لأن إيران تريد استنزافاً أطول للسعودية، وهذا الاستنزاف سيمنحها تنازلاً أكثر"
وتابع: "المفاوضات تجعل الحوثيين يتصلبون أكثر، ما يسمح لهم بانتزاع كثير من مطالبهم، وينعكس ذلك على الأرض على النقيض من الشرعية".
تحركات عُمانية سابقة
بعد أسبوع من بداية حرب اليمن تسلم العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، رسالة خاصة من سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد، الذي جنَّب بلاده المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية، نصحه فيها بوقف الحرب ضد اليمن، وفقاً لوسائل إعلام يمنية.
وفي فبراير 2018، دعا السلطان الراحل، إلى تضافر جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن.
وسبق أن أكد السلطان الراحل لوزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس، استعداده للتدخل لفض النزاع في اليمن بطريقة سلمية حقناً للدماء، بحسب ما نقلته صحيفة "ذا ناشينال" الإماراتية الناطقة بالإنجليزية، في مارس 2018.
وفي الشهر ذاته استضافت مسقط لقاء جمع ممثلين عن الحوثيين ومسؤولين أمريكيين، وهو ثاني لقاء جمع الطرفين بعد اللقاء الأول الذي عُقد أيضاً بالسلطنة، في مايو 2015.
وأدت السلطنة، منتصف أكتوبر 2020، دوراً في الإفراج عن مواطنين أمريكيين اثنين كانا محتجزين لدى الحوثيين، وإعادة جثمان مواطن أمريكي يسمى بلال فطين إلى الولايات المتحدة بعد وفاته في الأسر، مقابل إعادة نحو 200 جريح من الحوثيين كانوا عالقين في عُمان.