يشكو اليمنيون من تزايد أزماتهم المعيشية بسبب تضاؤل تحويلات أقاربهم في دول الاغتراب، أو تباعد فترات هذه التحويلات التي كانت تصل بشكل دوري، لتمتد أخيراً إلى خمسة أشهر أو أكثر، وسط انخفاض المبالغ المحولة إلى النصف وفي الكثير من الحالات إلى أكثر من ذلك.
إذ تشهد تحويلات المغتربين اليمنيين انخفاضاً مريعاً منذ مطلع العام الحالي على أثر تفشي فيروس كورونا، وذلك نتيجة للركود الاقتصادي الذي أصيبت به الكثير من دول الاغتراب، وخاصة المملكة العربية السعودية التي تحتضن العدد الأكبر من المغتربين اليمنيين. وهؤلاء يرزحون تحت طائلة معاناة قاسية بسبب ما تنفذه المملكة من إجراءات لتوطين المهن والأعمال، ومن سلسلة من الإجراءات الضريبية التي بدأت تفرضها منذ نحو عامين.
كل ذلك أدى إلى انخفاض تحويلات المغتربين، وبالتالي حرمان اليمن من أهم موارد العملات الصعبة، إضافة إلى زيادة معاناة العديد من الأسر التي تعيش على التحويلات من الخارج، بالتزامن مع أوضاع معيشية متردية فاقمتها الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
ضغوطات معيشية
المواطن رائد العسلي (57 عاما) والذي يعيل أسرة مكونة من ثمانية أبناء، كان يعتمد على تحويلات ابنه الكبير الذي يعمل في إحدى الدول المجاورة لليمن، حيث كان يقوم بدور رئيس في مساعدة أسرته في التعليم والصحة ودفع إيجار المسكن، بعدما فقد الأب الموظف في إحدى الدوائر الحكومية في صنعاء راتبه منذ نهاية العام 2016.
يقول العسلي لـ"العربي الجديد"، إنه بدأ أخيراً البحث عن عمل لتوفير بعض المتطلبات والاحتياجات المعيشية الأساسية، بعد انخفاض تحويلات ابنه التي كانت تغطي ما يقارب 80 في المائة من احتياجاتهم المعيشية، حيث يواجه الابن تراجع دخله بسبب إجراءات الإقفال بسبب فيروس كورونا.
ومن المرجح أن يعاني اليمن من انخفاض كبير في حصيلة تحويلات المغتربين هذا العام، إذ يقلص التباطؤ الاقتصادي في الدول الخليجية والعالمية من فرص العمل أمام العمال اليمنيين هناك، مما يؤثر على الأسر التي تعتمد على التحويلات الخارجية.
وفي حالة انخفاض التحويلات بأكثر من المكاسب في الميزان التجاري فقد يضعف المركز الخارجي لليمن، مما يزيد من الضغوط على سعر الصرف مع التأثير على أسعار السلع المستوردة. وقالت منظمة "أوكسفام" الدولية، في يوليو/ تموز، إن تحويلات اليمنيين في الخارج تراجعت بنسبة 80 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي.
وأوضحت أن قيمة التحويلات المالية في اليمن انخفضت 253 مليون دولار، بسبب التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا الذي أدى إلى خسائر كبيرة في الوظائف. وتمثل نسبة تحويلات المغتربين إلى الناتج المحلي الإجمالي واحداً من أهم المؤشرات للاستدلال على مساهمة التحويلات في الاقتصاد الوطني، فالتحويلات تمكن المغترب من تغطية النفقات الاستهلاكية لأسرته وتنفيذ مشروعات اقتصادية صغيرة ومتوسطة في اليمن.
تأثر الاقتصاد الكلي
لا يتوقف أثر التحويلات عند الشخص أو الأسرة المتلقية لها مباشرة حسب الباحث الاقتصادي نصر الوافي، بل تمتد آثارها إلى بقية الاقتصاد والمجتمع من خلال تأثيرها المضاعف. حيث تساهم التحويلات في زيادة الطلب الكلي، وبالتالي تنشيط الاقتصاد لإنتاج المزيد من السلع والخدمات وتوليد فرص العمل والدخل، ومن ثم تخفيف حدة الفقر بشكل مباشر وغير مباشر.
وإلى جانب اعتماد الأسر اليمنية على تحويلات المغتربين، تنامت نسبة مساهمة هذه التحويلات في الاقتصاد اليمني بصورة ملحوظة أثناء فترة الحرب قبل تفشي فيروس كورونا، إذ ارتفعت وفق بيانات رسمية من 9.9 في المائة عام 2014 إلى نحو 25 في المائة عام 2018.
هذا يعني وفق الباحث الاقتصادي الوافي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن تحويلات المغتربين باتت تساهم بحوالي ربع النشاط الاقتصادي في البلاد وأصبحت بمثابة الرمق الأخير الذي تبقى لدعم الاقتصاد اليمني وإنقاذ العملة، وتمويل المتطلبات الاستهلاكية لأسر المغتربين وبعض الأنشطة الاستثمارية كالبناء والتشييد، إذ كان الأمر يستدعي تطوير سياسة وطنية لتعظيم الاستفادة من هذا المورد، وتحفيز المغتربين على زيادة تحويلاتهم عبر الجهاز المصرفي.
كما أن قياس نسبة التحويلات إلى الواردات يسمح بالتعرف على مستوى مساهمتها في تمويل الواردات وتقليص الضغوط على قيمة العملة الوطنية، في حين بلغت نسبة التحويلات إلى الواردات السلعية حوالي 25.4 في المائة في المتوسط خلال الفترة 2012 - 2014، الأمر الذي جعلها بمثابة الجزء الرئيسي المكمل لدور صادرات النفط والغاز في تمويل الواردات، والسيطرة على سعر الصرف خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت الحرب. إذ إن حصة الحكومة من صادرات النفط والغاز كانت تتدفق إلى البنك المركزي الذي يستخدمها لتمويل واردات السلع الأساسية والوقود بسعر الصرف الرسمي، بينما تتدفق التحويلات إلى الصرافين والبنوك لتلبية حاجة مستوردي السلع الأخرى من النقد الأجنبي.
هبوط العملة المحلية
ويستخلص خبراء إلى جانب الدور الذي تلعبه تحويلات المغتربين على الاقتصاد الوطني واستقرار العملة، ما تكتسبه من أهمية على المستوى الاجتماعي في دعم وصول أسر المغتربين إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من انعدام الأمن الغذائي والتخفيف من الفقر، وأي صدمة للتحويلات ستفاقم أكثر الأزمة الإنسانية في اليمن.
ويؤكد الباحث الاقتصادي عبدالرزاق المقطري، أن الانهيار المتواصل مؤخراً للريال اليمني سببه الرئيس انخفاض تحويلات المغتربين، والذي انعكس على ارتفاع التضخم وأسعار السلع الغذائية، وبالتالي صعوبة توفيرها من قبل نسبة كبيرة من اليمنيين.
ويحذر الباحث الاقتصادي، في حديثه مع "العربي الجديد"، من التداعيات الكارثية التي ستخلفها عملية انهيار تحويلات المغتربين خلال الفترة القادمة على الوضع الإنساني والمعيشي لليمنيين الذين سيواجهون أياما صعبة، قد تكون الأسوأ منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل ما يزيد على خمس سنوات.
ومنذ عام 2015، تآكلت الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي تدريجياً، وتعثرت صادرات النفط والغاز، وتخلى البنك المركزي عن تمويل استيراد السلع الأساسية والوقود على مراحل، بينما حافظت تحويلات المغتربين على قيمتها المطلقة عند 3.3 مليارات دولار عام 2015، وارتفعت قليلاً إلى 3.7 مليارات دولار عام 2016، وقدرت بحوالي 3.4 مليارات دولار عام 2017.