[ دوريات عسكرية بريطانية في عدن خلال الأربعينيات من القرن الماضي - ويكيبيديا ]
“في جنوب الجزيرة العربية ومصر والعراق وأمريكا والهند وإيطاليا كانت مهمتي البربوجندا. وأهمية كتابي هذا [الشرق هو الغرب] متواضعة جدا إذا ما قيست بأهمية مذكرات الجنرالات وما طرأ من تطور في هذا الفن. فالعالم اليوم يعتمد كثيرا على فن الإقناع وليس على الحرب”. فريا ستارك
يُقال إن (الجاسوسية)، التي يفضّل منتسبوها تسميتها بالاستخبارات، ثاني أقدم مهنة مارسها الإنسان داخل المجتمعات البشرية المنظمة منذ فجر التاريخ، وقد دفعه إلى ممارستها شعوره بضرورة الحصول على معرفة المخفي والمجهول في المحيط الذي يعيش فيه، وكشف أسراره التي قد تشكل خطراً على كيانه وحياته.
كما أن الجاسوسية أصبحت منذ القدم أحد ركائز الحكم. وأكد على أهميتها الفيلسوف الصيني سون- تزو SUN-TZU الذي ألّف، في القرن السادس قبل الميلاد، كتابا بعنوان (رسالة في فن الحرب)، وصف فيه الوسائل والمعارف الاستراتيجية التي تمكـّن الملوك والحكام من المحافظة على كراسيهم وتيجانهم، ومن بين تلك الوسائل ركز على الجواسيس؛ إذ قال: “ليس هناك فن أسمى من التجسس، أي فن القضاء على مقاومة الخصم من دون اللجوء إلى العنف المسلح. اتّبعْ هذه النصائح تسيطر على العدو: ثبِّطْ الشجاعة في بلد الخصم وعطلها، وعَقِّدْ رُسُل القوى الرئيسة بتصاميم إجرامية، واحفر تحت موقع المنافس، ولطّخْ سمعته في جميع المناطق، وعرّضْ حكامه إلى السخرية أمام رعاياهم”.
اقرأ أيضا: عدن وكرا للجواسيس.. مقال يستعرض الدور الاستخباراتي البريطاني
وقد تنوعت طرق جمع المعلومات والتجسس ووسائله، بدءاً من الاعتماد على الحواس المجردة، والحيل البدائية، والتخمينات، وانتهاء بتوظيف أحدث وسائل الاتصال الحديثة. وعلى مر العصور ظهر الآلاف من الجواسيس، لكن قليل منهم من استطاع أن يخلدوا أسماءهم في ذاكرة التاريخ، بفضل الأدوار المتميزة التي قاموا بها في مجال تخصصهم: التجسس مثل لورانس العرب وكيم فيلبي. وبما أن تاريخ التجسس قد كتبه رجال يرون في التجسس مهنة ذكورية في المقام الأول، فقد تمّ في الغالب تجاهل الدور الكبير الذي قام به عدد كبير من النساء في عالم التجسس، لا سيما منذ مطلع القرن العشرين.
وقبل ستة أشهر، في أكتوبر 2019، أصدرت الكاتبة الصحفية الفرنسية ريمي كوفر كتابا بعنوان: (نساء الظل، التاريخ المغمور للجاسوسات Les femmes de l’ombre – L’histoire occultée des espionnes)، سردت فيه الإسهامات المثيرة التي قدمتها بعض النساء، “الجنديات المجهولات”، في عالم الجاسوسية، وعلى وجه الخصوص خلال الحربين العالميتين. وأكدت أن نسبة النساء في أجهزة الاستخبارات السرية تصل اليوم إلى 10%. وتناولت، مثلا، حياة الجاسوسة الراقصة الهولندية ماتا هاري التي عملت خلال الحرب العالمية الأولى في ثلاث أجهزة استخبارات معا -الألمانية والفرنسية والروسية – وكانت جميعها تعلم أنها عميلة مزدوجة، وقامت باستخدامها لنقل معلومات خاطئة لتضليل العدو.
وتطرقت كذلك لحياة الأرستقراطية البريطانية جيرترود بيل الملقبة بملكة الصحراء، التي تتحدث العربية بطلاقة وسافرت بمفردها إلى بلاد الشام والجزيرة العربية، وقام جهاز الاستخبارات البريطاني (المكتب العربي) بتأطيرها خلال الحرب العالمية الأولى، ونقلها إلى القاهرة ثم بغداد، وكلفها بالعمل ضد تركيا مع لورانس العرب، وقد نجحت جيرترود بيل إلى دفع الهاشميين إلى التمرد ضد العثمانيين. وعندما عيّن البريطانيون فيصل بن حسين ملكًا للدولة العراقية الجديدة، كُلفت جيرترود بيل بـ(الوصاية) عليه. وحينما توفيت سنة 1926 في بغداد أقيمت لها جنازة رسمية وغطي نعشها بالأعلام البريطانية والعراقية. وبالمقابل لم تذكر ريمي كوفر في كتابها اسم فريا ستارك التي كرسنا لها هذه المقالة الثالثة من سلسلة (عدن وكرا للجواسيس).
من الاستكشافات إلى الاستخبارات:
من خلال استعراضنا لمسار حياة فريا ستارك والمجالات التي حظيت باهتمامها خلال رحلتيها الأولى والثانية إلى حضرموت وعدن (في عامي 1934-1935، وعامي 1937-1938)، وتلك المهام التي أنجزتها في رحلتها الثالثة (في عامي 1939-1940)، يتبيَّن لنا أنَّ هناك تغيراً كبيراً قد طرأ على طبيعة اهتمامات الرحالة البريطانية فريا ستارك. ففي الرحلتين الأولى والثانية كان هدفها الاستكشاف ومواصلة ما قامت به في إيران، خلال الأعوام الثلاثة السابقة، التي قضتها في البحث عن خرائب (لامياسر)، وبعض (قلاع الحشاشين) الأخرى في إقليم لوريستان. ومن المعلوم أن فريا ستارك قد جاءت إلى عدن وحضرموت في عام 1934 لكي تستكشف مدينة شبوة القديمة، عاصمة مملكة حضرموت، وتكون أوَّل أوروبي يصل إليها. وفي عام 1937 جاءت للتنقيب عن الآثار، وتحديد مسار (طريق البخور)، التي كانت تسلكه القوافل في العصور القديمة لنقل البضائع من مينا قنا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.
وفي الواقع، تُعد إنجازات فريا ستارك في مستوى الاستكشافات متواضعة إذا ما قارناها بإنجازات بعض زملائها في الترحال والتجسس، مثل هاري سانت جون فيلبي (المشهور بالحاج عبد الله فيلبي)، أو برترام توماس. وفي اعتقادنا تكمن القيمة العلمية لرحلتي فريا ستارك الأولى والثانية إلى حضرموت في الكم الكبير من المعلومات الانثروبولوجية، التي ضمنتها الكتب الأربعة التي سردت فيها هاتين الرحلتين، والتي تعد اليوم من أهم المصادر لدراسة العادات الاجتماعية، وواقع الحياة اليومية في حضرموت واليمن بشكل عام في الثلاثينيات من القرن الماضي.
إما الرحلة الثالثة التي قامت بها فريا ستارك إلى عدن وصنعاء (في عامي 1939-1940) فقد تمّت في إطار مهمة استخباراتية كلفتها بها حكومة بلادها. فمن المؤكد أنَّ الإحراجات التي سببتها فريا ستارك للسلطات البريطانية خلال رحلتيها الاستكشافيتين في حضرموت، لم تثنِ المؤسسات الأمنية البريطانية عن توظيف تلك الرحالة المغامرة، الخبيرة في شئون العرب، بهدف اختراق المجتمعات المحلية عدد من الأقطار العربية؛ لهذا سارعت في استدعائها من إيطاليا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، في سبتمبر 1939، وأطرتها للعمل في مجال الاستخبارات.
استخبارات في عدن وصنعاء:
لكي تكسب بريطانيا الحرب، أي حرب، لا يمكنها الاعتماد على نفسها فقط، بل عليها، كما يقول راغب بيه، وزير خارجية الإمام يحيى بن حميد الدين، أن يكون لديها، بالإضافة إلى الجيوش القوية، أصدقاء في كل نواحي المعمورة. لهذا، في النصف الثاني من عام 1939، عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان أمام البريطانيين مهمة كسب الأصدقاء العرب وإقناعهم بدعم الحلفاء، أو على الأقل إبقائهم محايدين. وكانت التجسس والبروباجندا (الدعاية التحريضية) هما مفتاحي تنفيذ تلك المهمة.
ففي فلسطين والعراق، وجنوب الجزيرة ومصر والسودان وشرق إفريقيا كان على بريطانيا أن تخوض حربا في أراض يسعى سكانها، في الغالب مسلمون، إلى نيل الحكم الذاتي، وقد باتوا يدركون حقيقة الوسائل والمكائد التي يستخدمها الغرب لاستغلالهم، وليصبح هو الكاسب الوحيد من المعاهدات المشبوهة التي يعقدها معهم.
وقد أنيطت مهمة البروباجندا تلك بوزارة الإعلام، جنبا إلى جنب مع عدد من أجهزة الاستخبارات. وبالإضافة إلى إقناع العرب في دعم الحلفاء أو إبقائهم محايدين، كانت المهمة تكمن في معرفة نوايا دول المحور، وتقييم قواتها المرابطة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
ولا شك في أن عدم إعلان إيطاليا موقفها بشكل واضح في بداية الحرب قد عقّد تنفيذ تلك المهمة. فعلى الرغم من أن المراقبين كانوا يرون أن نوايا إيطاليا العدوانية تجاه الحلفاء واضحة، فقد كانت وزارة الداخلية البريطانية تحرص على عدم اتخاذ أي تدابير في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا يمكن أن تثير موسوليني. وفي انتظار إفصاح إيطاليا عن موقفها بشكل رسمي كان على بريطانيا القيام بعددٍ من الإجراءات العسكرية والاستخباراتية في أوروبا وآسيا وإفريقيا. وفي الشرق الأوسط كان من الضروري وضع آلية متطورة لجمع المعلومات المختلفة.
وفي القاهرة تم البدء في التنفيذ، واستدعيَ رجال، ونساء يتقنن كيفية الاستماع والايحاء والهمس، وذلك من أجزاء مختلفة من الإمبراطورية البريطانية. وكان من اللازم إبعاد ما يقارب الألف من الألمان النازيين الذين كانوا يعيشون في مصر. وقد أبدا علي ماهر، رئيس الوزراء المصري، استعداده للتعاون، وتمّ حجز عدد كبير منهم في مدرستين تخضعان لحراسة مشددة. ومع ذلك لم تستطع السلطات الاستعمارية البريطانية أن تتخذ أي إجراء علني تجاه رجال الأعمال والدبلوماسيين والضباط الإيطاليين قبل خروج حكومتهم من وراء ستار الحياد.
وكان ارشيبالد ويفل، القائد العام للقوات البريطانية في الشرق الأوسط، يؤمن تماما بفعالية العمليات السرية، وسارع في تكوين وحدات عمل سرية: منها ما يهدف إلى مواجهة التأثيرات الفاشية وجمع المعلومات الاستخبارية، ومكافحة التجسس والتخريب، والترويج لقوات الحلفاء في الصحافة ومختلف وسائل الإعلام والدعاية.
وكانت فريا ستارك من بين الذين بادروا إلى تلبية نداء الواجب؛ فقد تم استدعائها من إيطاليا إلى لندن قبيل اندلاع الحرب، وسردت ذلك في أول فصول كتابها (الشرق هو الغرب)، قائلة: “في نهاية شهر أغسطس، غادرت منزلي بالقرب من البندقية، وجئت إلى لندن لأداء أية خدمة يمكنني تقديمها. وبسبب إلمامي باللغة العربية اختارتني وزارة الإعلام للعمل بصفة خبيرة [في شئون الشرق]. وبدأت العمل ضمن الدائرة الخارجية، في مقرات مؤقتة، اعتبارا من الرابع من شهر سبتمبر 1939، أي من ثاني أيام الحرب”.
وبعد بضعة أسابيع، استلمت فريا ستارك برقية من (ستيوارت بيراون Perowne Stewart)، مدير مكتب الإعلام في مستعمرة عدن، يسألها فيها عمَّ إذا كانت ترغب في أن تصبح مساعدة ضابط الإعلام في عدن. وفي الحال تركت فريا لندن، وتوجهت إلى عدن عبر القاهرة.
في القاهرة، كان ارشيبالد ويفل، قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط، والعقيد والتر كاوثورن مدير مركز الاستخبارات في الشرق الأوسط، والعقيد التيد كلايتون مدير الاستخبارات العسكرية، وريجنالد ديفيز، رئيس المكتب المحلي لوزارة الإعلام، يتذكرون تماما ما قامت به جيرترود بيل للتأثير في العرب خلال الحرب العالمية الأولى، لهذا حالما وصلت فريا ستارك استقبلوها بحفاوة وقدموا لها الدعوات، وأغروها بالبقاء في القاهرة للعمل معهم. وحينما أقنعتهم أنه ينبغي عليها التوجه إلى عدن كما كان مقررا، وكما وعدت سيتوارت بيراون، مدير مكتب الإعلام، كلفوها بالقيام بمهمة خاصة في العاصمة اليمنية صنعاء، واتفقوا معها حول كل الأمور المرتبطة بالخطة والتمويل، والتقرير الذي سيتم رفعه إلى جميع الجهات المعنية. وفي مطلع شهر نوفمبر من عام 1939 كانت فريا ستارك على ظهر إحدى السفن العسكرية البريطانية المتجهة إلى عدن.
مهمة في عدن:
كما سبق إن ذكرنا زارت فريا عدن مرتين قبل عام 1939، وذلك في إطار قيامها بالرحلتين الاستكشافيتين إلى حضرموت. وكانت عدن، في هاتين الرحلتين مجرد محطة سفر. وقد ذكرنا في كتابنا (حضرموت في كتابات فريا ستارك، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، 2004) أن غياب السلطات الرسمية الحديثة أمر يناسب إلى حدٍ ما فريا ستارك التي تفضّل التعامل مباشرة مع الحكام ورؤساء العشائر المحليين على الخضوع للقوانين البريطانية الصارمة. وقبل رحلتها الأولى إلى حضرموت كتبت لصديقتها فينيسيا رسالة تقول فيها “أتمنى أن تبقى السلطات البريطانية لطيفة وهادئة وألا تتدخل في شئوني”. وخلال رحلتها الثانية لم تتردد في التذمر من الإجراءات الأمنية التي يفرضها عليها المستشار البريطاني انجرامس. لهذا، حينما وصلت عدن لأول مرة في 19 ديسمبر من عام 1934، فضّلت أن تنزل ضيفة على التاجر الفرنسي أنتونين بس.
أما في عام 1939 فقد جاءت فريا ستارك إلى عدن في إطار مهمة رسمية كلفتها بها حكومة بلادها. وحالما وصلت إلى عدن، تمّ تعيينها مساعدة لستيوارت بيراون، مدير مكتب الإعلام. ولتسكينها تمّ تخصيص غرفتين من مبنى المكتب، الذي يطل على منظر بانورامي للميناء في منطقة التواهي، قدّمه التاجر الفارسي فرامروز، دعما حربيا للحكومة البريطانية، التي مكنته – بفضل حمايتها- من جمع ثروته في هذه السواحل المكتظة بالقراصنة. وقد وصفت فريا ستارك غرفتيها قائلة إنهما “مملوءتان بأثاث هندي وفيكتوري، وعـُلـِّقت على جدرانهما صور للأسر الملكية التي مرَّت بعدن، خلال المئة سنة الماضية. وهناك أيضا طائر كناري، منسي، بدأ يغني مبيّنا أنه الكائن الحي الوحيد بين قطع الأثاث الهامدة”.
من أبرز المهام التي كانت فريا ستارك تضطلع بها في عدن: الإشراف على توزيع النشرة التي يعدها المكتب، ومراقبة الأفلام الواردة، وإعادة صياغة الأخبار وترجمتها إلى العربية، وبثـّها بالراديو ومكبرات الصوت في مختلف ساحات عدن.
إضافة إلى المدير والسكرتيرة البريطانية والفرّاش، كان الشاب علي محمد علي لقمان يعمل مع فريا ستارك في مكتب النشر في عدن، وكان حينها في الثالثة والعشرين من العمر، ومليئا بالحماس والنشاط، وأنيق المظهر، ويلبس دائما ثوبا أبيضا وربطة عنق حريرية. وكان يساعدها في الترجمة وتحرير النشرة، ويناقشها في دلالات بعض الكلمات الإنجليزية ومدى ملاءمة الإيقاعات العربية للنصوص التي تُوظَّف للردّ على البروباجندا الإيطالية، وتُقدم على أنها الأخبار الصحيحة (الوحيدة) عن الحرب، وذلك لسكان عدن الذين يسمعونها في المساء، حينما يحتشدون، تحت ضوء النجوم في ميدان كريتر، (مرتلةً) بالصوتِ الجميلِ لقارئ مسجدهم، ومكبر للصوت.
ومن المعلوم أن ستيوارت بيراون، الذي أسس مكتب الإعلام البريطاني في عدن، عند اندلاع الحرب العالمية الثانية في مطلع سبتمبر 1939، كان دبلوماسيا، وفي الوقت نفسه صحفيا ومذيعا محترفا. ومنذ تأسيس مكتب الإعلام سعى إلى افتتاح إذاعة في عدن. وقد افتتحت الإذاعة فعلا بتاريخ 15 سبتمبر 1940، وقد عملت تلك الإذاعة، التي عرفت باسم (صوت الجزيرة)، وأغلقت عقب انتهاء الحرب في عام 1945- على نشر أخبار الحرب والتعليقات السياسية وقراءة بعض المقالات الصحفية، ومن الشخصيات التي ساهمت فيها الأستاذ محمد علي لقمان، وابنه علي، والأستاذ عبدالرحيم لقمان ويوسف حسن السعيدي، وكانت تبدأ في الساعة السابعة والنصف مساء من كل يوم، في برامجها التي تتابع أحداث الحرب، وأهمية عدن بوصفها موقعا عسكريا.
وكان من الصعب على فريا ستارك أن تتجاهل، في بداية الحرب العالمية الثانية، تصريحات البريطانيين حول جبن الإيطاليين الذين أحبتهم واختارت أن تعيش بينهم، لكنها لم تشك في أن موسوليني سيجرهم إلى الحرب. وتوقعت كذلك أن تقوم إيطاليا بقصف مستعمرة عدن، وهذا ما حدث فعلا حينما أعلنت إيطاليا الحرب على بريطانيا العظمى وفرنسا في العاشر من يونيو من عام 1940. أما مدير مكتب الإعلام، ستيوارت بيراون، الذي بعكس مساعدته، لم يكن يتوقع دخول إيطاليا الحرب، فقد أصبح فجأة قلقا ومعكر المزاج، ولم يكف عن توبيخ فريا ستارك بشدة، لأنها كانت تتمشى فوق ظهر الخيل وسط الغارات الجوية، مؤكدةً أنها لا تخشى سماع انفجارات القنابل والمدافع، وتتمنى لو أنها استطاعت العمل ممرضة ميدانية كما فعلت خلال الحرب العالمية الأولى.
كما تطوعت فريا ستارك، بحكم إتقانها التام للغة الإيطالية، للعمل في التحقيق مع البحارة الإيطاليين الذين تمّ القبض عليهم وحبسهم في عدن؛ وبينهم قبطان إحدى الغواصات الإيطالية التي تم تدميرها بالقرب من الميناء. وبفضل تحقيقها معه استطاعت أن تستخلص منه معلومات سرية حول سفينتين آخرتين كانتا تقتربان من الميناء، وقد تمّ إغراقهما أيضا. وتقديرا لإسهامهما في تلك التحقيقات منحتها وزارة الدفاع البريطانية بواسطة وزارة الخارجية في لندن شهادة تقديرية.
وعند بدء تعرض عدن للغارات الإيطالية، بادرت فريا ستارك إلى اقتراح تشكيل ثلاث فرق من الشباب العرب للعمل التطوعي: حراسة الشوارع والمنازل أثناء الغارات الجوية الإيطالية. وتقول إن السلطات البريطانية، التي لم تعترض على ذلك، لم تقدم أية مساعدة، وتضيف: “بل أن الجيش المرهق والسلطات المحلية اعتبرونا إحدى المخلوقات الوهمية، إن لم نكن آخرها. لكنّا شعرنا أن ما قمنا به كان إيجابيا، على الأقل للهواة الذين يسعون إلى المشاركة في الدفاع عن أنفسهم. وحينما خططنا للتدريب في مجموعات مسلحة، أخبرنا البريق الذي يشع من عيني علي لقمان إننا على صواب، ولمحتُ البريق نفسه في الصباح عندما أخذتْ إحدى السفينة عدداً من نسائنا، وتبيّن لعلي أنني لم أكن بين المغادرات. وفي تلك الفترة، كان علي لقمان يقوم بمهمة المراقبة، وحينما يسمع صوت الإنذار من الغارات الجوية يهرع مهرولا من طاولته، سعيدا أن تُسند إليه مهمة في الخارج. وفي الطريق كان يحب أن يرفع معنوية السيد فرامروز الذي، على الرغم من عناده، كان يرتجف في كرسي وضعه في سطح المبنى، مقتنعا أن السماء الزرقاء هي المظلة الآمنة من القذائف والشظايا”.
كما عبّرت فريا ستارك عن إعجابها بشخصية الشاب علي لقمان وحماسه وبلاغته ومواهبه الشعرية في الفصل الثالث من كتابها (الشرق هو الغرب)، قائلة: “تدريجياً عثرتُ على ما يقف وراء ثقة علي: إنه يؤمن بما كنا نحارب من أجله. فبالنسبة له، كانت كلمات النصوص الهجائية المشحونة بالمعاني الصادقة كلمات حيَّة. فحتى الآن لم يكن لدى الإنسان العربي الوقت ليفكر في الكلمات من الزاوية الدعائية أو الترويجية، وهو لا يزال يربطها بوجود الله، بطريقة غامضة”.
مهمة في صنعاء:
سبق أن ذكرنا أن روح المغامرة لدى فريا ستارك هو الذي دفعها إلى الذهاب إلى مناطق تنعدم فيها سلطة الدولة، ويغيب عنها الأمن، ويحوم حولها الخطر، وبالتالي تغدو محرمة على الرحالة الغربيين. ويبدو أنّ أجهزة المخابرات البريطانية قد سعت إلى الاستفادة من روح المغامرة لدى فريا ستارك حين قامت بتأطيرها خلال الحرب العالمية الثانية وكلفتها بالتوغل في المناطق الشمالية من اليمن لإقناع الإمام بالابتعاد عن الألمان وحلفائهم، ثمّ باختراق التنظيمات السياسية في مناطق مختلفة من الوطن العربي مثل “حركة أخوان التحرير في مصر”.
وفي اعتقادنا يُعد ذهاب امرأة غربية في تلك الأيام إلى أراضي الإمام مغامرة في غاية الشجاعة، ولا يقل نجاح فريا ستارك في دخول شمال اليمن أهميةً من نجاحها في الوصول إلى مدن وادي حضرموت وقراه على ظهر الحمير قبل خمس سنوات من تلك المغامرة. فمن المعلوم أن دخول الصحفيين والأجانب بشكل عام كان أمرا غير مقبول تماما في عاصمة الإمام يحيى بن حميد الدين.
في مطلع شهر فبراير من عام 1940، أخبرت فريا ستارك مديرها ستيوارت بيراون بطبيعة مهمتها في صنعاء، وأطلعته على مختلف التفاصيل باستثناء أنها قد تعهدت للسلطات العليا بالعودة إلى القاهرة بعد إنجاز المهمة. وبما أنها كانت في الواقع حريصة على تعزيز نجاح ستيوارت، فقد أكدت له أنها سترسل تقاريرها بواسطته، وفوضته بإعادة كتابتها إذا أراد، أو أن يوقعها باسمه كما لو أن كل شيء فعلته كان بأمره. وبالإضافة إلى ستيوارت بيراون أطلعت فريا محافظ عدن، السير برنارد رايلي، والعقيد موريس ليك، وكذلك الضابط هارولد انجرامس، الذي كان يعمل مستشارا في حضرموت، على تفاصيل مهمتها في صنعاء.
وقدَّمت فريا ستارك رحلتها إلى صنعاء للسلطات اليمنية على أنها زيارة ودِّية، وإن كان هدفها، في الواقع، تقييم الولاءات الشخصية للإمام، ومدى تأثير الإيطاليين في سياسته، ومعرفة ما إذا كانت صنعاء قد منحت تسهيلات عسكرية لإيطاليا. كما أن فريا ستارك وعدت السلطات البريطانية بأن تبذل كل ما في وسعها لمواجهة الحملات الدعائية (البروباجندا) التي تقوم بها دول المحور، وأكدت لمالكولم ماكدونالد في لندن أنها ستعمل على تحقيق مهمتها من خلال الوصول إلى حريم الإمام “بطريقة هادئة تعطي صبغة استقامة للأنباء التي ستنشرها”.
وكان الإمام يحيى بن حميد الدين، من ناحيته، يعرف الأهمية الاستراتيجية لأراضيه، ويعلم أن الإيطاليين يودّون أن يجعلوا منها قاعدة لشن ضربات جوية ضد المستعمرات البريطانية والفرنسية في عدن والصومال والحبشة، التي تقع على بعد أقل من ساعة طيران عبر البحر الأحمر. لكن، بما أنه يفتقر إلى الأسلحة المضادة للطائرات، فقد كان حريصا أن يظل رسميا على الحياد، حتى وإن أظهر شيئا من التعاطف تجاه الإيطاليين الذين يشكلون أكبر تجمع غربي في عاصمته. وقد ظلَّ الإمام يحيى يردد أنه قرر “البقاء في خانة المتفرجين”، حتى حينما دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب دول المحور.
وفي منتصف شهر فبراير عام 1940، غادرت فريا ستارك عدن في سيارة شحن (لوري)، متوجهةً إلى صنعاء عبر تعز، ثم الحديدة. واصطحبت معها سائقا صوماليا، وعيسى خادمها السوري، وناجي طباخها اليمني. وخبأت في حقيبة ملابسها أربعة أفلام وجهاز عرض سينمائي صغير. واستطاعت أن تتجنب التفتيش الدقيق في نقطة الجمارك بقليل من المزاح مع العسكر.
وقد بقيت فريا ستارك في صنعاء شهرين في جوار الإمام يحيى بن حميد الدين، الذي رتّب لها سكنا خاصا قريبا من قصره، وعددا من الحراس. وخلال هذين الشهرين ظلت تجوب شوارع صنعاء الترابية الضيقة، وتستمتع بمشاهدة مبانيها المغطاة بالزخارف “المذهلة”، وتراقب الرجال ذي العيون السوداء، والزنـّات البيضاء الطويلة، والجنبيات المنحنية، وهم يتبخترون بين الماعز والدجاج، وكذلك النساء اللاتي يسرن بصمت، وقد تغطين بقمصان سوداء، تكشف أحيانا عن يد أو قدم مزيّنة بالحنا.
لم تكن مهمة فريا ستارك في صنعاء سهلة، بل كانت شاقة؛ فمن ناحية، كان هناك بعض المسئولين المحافظين المساندين للإيطاليين والألمان. وقد كتبت في الفصل المكرس لصنعاء في كتابها (الشرق هو الغرب): “كان بعض القادة الشعبيين هنا مرتشين؛ فحالما شاهدني اثنان من الوزراء في طريقهما، بذلا كل ما في وسعهما لتتم إعادتي إلى المكان الذي أتيت منه: عدن. وقد اقتنعت أن الرشوة هي الطريقة الأسهل للوصول إلى قلب العربي، ولا تُعد شيئا مهما بالنسبة للناس الذين يعلمون أن القاضي عادة ما يأخذ النقود من طرفي القضية، ثم يعيد النقود التي أخذها من الطرف الخاسر. وبالنسبة للإمام، أعتقد أنه كان مسرورا بأن يرى أن التأثير التهديدي للأجانب يُقاوم من غير أن يتدخل بنفسه. باختصار لم تذعن جلالة الإمام لأيّ من المحاولات التي بذلت لإبعادي”. كما ذكرت أن أحد المسنين قد بصق في وجهها في الشارع، “ربما ليس بسبب الورع الديني، بل بدافع سياسي”.
ومن ناحية أخرى، كان هناك الإيطاليون؛ فالجالية الإيطالية كانت تشكل أكبر تجمّع للأجانب في صنعاء. وقد جعل الإيطاليون المستشفيات غطاءً لجلب الفنيين وبعض المعدات العسكرية المساعدة. واستخدموا الطاقم الطبي وسيلة للتسلل إلى القصر، وتعيين الأطباء الإيطاليين في مناصب استراتيجية في كل من تعز عاصمة الجنوب، والحديدة حاضرة تهامة. كما أنشأوا في صنعاء نفسها بعثة طبية تتكوّن من أكثر من عشرة أشخاص، وتضم عددا من الفنيين والمهندسين، وعناصر أخرى ليس لها علاقة بالطب.
ولكي تثبت فريا ستارك أن الايطاليين جعلوا من المستشفيات في صنعاء أداةً للبروباجندا ضد البريطانيين كتبت: “في النصف الأول من عام 1940، لم يمنع قناع الحياد الواهي الذي ارتدته إيطاليا الأطباء الإيطاليين في صنعاء من تحويل مرضاهم الميؤوس من شفائهم إلى عنابر الطبيبين البريطانيين، ومن ثم يتحدثون في المدينة عن النسبة العالية للوفيات في عنابر منافسيهم البريطانيين”. وتذكر فريا ستارك تغيّر معاملة الايطاليين لها؛ فخلال زيارتها تلك كانت تلتقي بطبيبة إيطالية، تغيرت طريقة ابتسامتها لها إلى درجة أنها أصبحت قاسية بصلابة الحديد، وذلك عندما اشتدت الحرب الدبلوماسية بين بريطانيا وإيطاليا. وتعلق فريا ستارك: “لكن من حسن حظي أن الفاشيين كانوا مكروهين من عامة الناس بسبب تصرفاتهم التسلطية”.
وبعد يومين من وصول فريا ستارك إلى صنعاء، دُعيت لتناول الشاي عند زوجة راغب بيه وزير الخارجية. وعندما ذكرت اقتنائها للأفلام السينمائية بشكل عابر أثناء أول حديث دار بينهما، علقت زوجة، قائلة: “سينما! سينما في صنعاء! ينبغي أن نشاهدها!”. وحينما ردّت فريا ستارك: “لا شيء آخر يمكن أن يسعدني، لكن بصفتي ضيفة، لا يمكن أن أفعل شيئا يُغضب جلالة الإمام، لذا ينبغي الحصول على أذن منه”، قالت زوجة الوزير: سأخبر الملكة بذلك”.
وحالما تحصلت فريا ستارك على ترخيص الإمام حولت جميع لياليها في صنعاء إلى برنامج للعروض السينمائية في قصر الإمام، وبيوت العائلات الكبيرة في المدينة. ولأن العادات اليمنية لا تسمح بحضور أحد من مساعديها الذكور، كان عليها أن تكافح وحدها لإعداد جهاز العرض على الرغم من جهلها بالأمور الميكانيكية. وقد أكدت أن جمهورها أحب كثيرا الأفلام، حتى الإمام نفسه الذي حاول أن يشاهدها بشكل خفي؛ ففي إحدى الليالي قالت إنها شعرت بحركة أقنعتها أنه قد تسلل إلى غرفة العرض. وبما أنها كانت تتوق لرؤيته فقد ناورت وسط الظلام لترى “الشخصية الغامضة. لكنها وجدت نفسها فجأة محاطة بسور متين من الخدم، منعها من الاقتراب من الوجه المقدس”.
وكانت الأفلام السينمائية التي عرضتها فريا ستارك في صنعاء أخبارية وثائقية: واحد عن الجيش، والثاني عن السفن الحربية البريطانية، والثالث عن القوات الجوية. وكانت جميعها تركز على الجانب البطولي من الحرب. وتؤكد فريا ستارك أن “الأفلام الحربية- على الرغم من تواضعها- هي التي أحدثت ثورة في مشاعر سكان المدينة. فطوال ستة أشهر كنا نخوض حربا من دون أي أخبار لافتة، لهذا كان من السهل على الفاشيين وإذاعة برلين أن يقنعوا اليمنيين بأن القوات البريطانية قد اندثرت من البر والبحر والجو. وأفلامي عرضت للمشاهدين الدبابات، والطائرات وهي تلقي بالقنابل وكأنها تبيض، والبوارج الحربية ذات الأبراج الضخمة (Nelson & Rodney)، وهي تحرث البحر المغطى بالزبد. وكنت أسرد التعليق عبر الميكرفون، باللغة العربية، وأرفع صوت الجهاز حينما تـُشاهد الدبابات والمدافع، ليتلذذ الحاضرون بأصوات الانفجارات”.
بالإضافة إلى ذلك، يتبيّن لنا أن فريا ستارك كانت قد أتقنت مختلف فنون النقاش والجدل مع النساء في صنعاء، إذ أنها كانت تسعى للتفوق على الإيطاليين، الذين توقفوا عن الحديث معها. وقالت إنه “من المؤكد أن وجودي في صنعاء قد أدى إلى اشتداد حدة غضب رئيس البعثة الفاشية وهيجانه، بل أنه لم يتردد في شتمي علانية حينما ساءت الأمور”. وعندما اكتشفت أن قضية فلسطين تحظى باهتمام اليمنيين رددت في كل مكان أن حكومة صاحبة الجلالة تمسكت، في الورقة البيضاء، بحقوق العرب في فلسطين.
كما دأبت فريا ستارك، خلال الشهرين اللذين قضتهما في صنعاء، على فتح أذنيها وأذني طباخها لجمع أكبر قدر من المعلومات والتفاصيل الاستخباراتية. فبما أنها امرأة لم يكن بمقدورها حضور مجالس الإمام، واستعاضت عن ذلك بأرسال طباخها ناجي للاستماع وتقديم تقارير مفصلة عمّا يقال هناك. وفي كل فرصة تقابل فيها أحد منتسبي القصر كانت تحرص على تقديم آرائها، وتعزيز وجهة النظر البريطانية.
وأرسلت فريا ستارك معلومات استخباراتية دقيقة إلى عدن تتعلق بمكان الحاميات اليمنية، وقدرات الجيش اليمني الذي قالت إنه يملك قوة عسكرية نظامية واحتياطية تبلغ حوالي ثلاثين ألف جندي. وذكرت أن حالة الجيش اليمني كانت بائسة بسبب تعاطي الجنود للقات. وأشارت أيضا إلى أن معظم الضباط كانوا من بقايا العسكر الأتراك الذين جاءوا أيام الحكم العثماني. كما تضمنت تقارير فريا ستارك أرقاما دقيقة عن كميات البُن التي كان يرسلها الإمام يحيى إلى كل من إيطاليا وألمانيا.
ومن تلك اللحظة، وطوال فترة الحرب، تبنت الحكومة البريطانية سياسة إرسال الأفلام الدعائية مع كل بعثة رسمية ترسلها إلى الخارج. وقد غادرت فريا ستارك صنعاء عائدة إلى عدن في نهاية مارس 1940. وكان مديرها ستيوارت بيراون قد بعث إليها برقية أبلغها فيها أنه كان ممددا في المستشفى، ويحثها على العودة بسرعة إلى عدن.
وفي شهر اغسطس سنة 1940 نُقلت فريا ستارك إلى مصر لتقوم بالمهمة نفسها بالإضافة إلى إصدار نشرة إخبارية دعائية أسبوعية تروج لانتصارات الحلفاء. وفي شهر سبتمبر 1941 تم نقلها إلى بغداد، بناءً على طلب مديرها السابق ستيوارت بيراون، وعيّنت سكرتيراً ثانياً في السفارة البريطانية هناك في فبراير من عام 1942.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ فريا ستارك، حينما تمَّ نقلها للعمل مع المؤسسات الأمنية في القاهرة (من سبتمبر 1940 إلى سبتمبر 1941)، قامت بتأسيس شبكة شبابية عربية من المتعاطفين مع بريطانيا مهمتها المساعدة في الحفاظ على ولاء المصريين والعرب للحلفاء، وأطلقت عليها اسم: (أخوان الحرية Brothers of Freedom).
وفي سبتمبر من عام 1941، عندما لحقت فريا ستارك بستيوارت براون -مديرها السابق- في بغداد، استمرت في تكوين خلايا لمنظمة (أخوان الحرية) في عدد من مدن العراق، وقد تعاونت تلك الخلايا مع الإدارة البريطانية في محاربة بروباجندا دول المحور، وذكرت فريا ستارك ذلك في كتابها (الشرق هو الغرب، ص164) قائلة: “كان من الضروري الاقتراب من مختلف طبقات المجتمع؛ لهذا شكلنا جهازاً سياسياً استشارياً بهدف محاربة إعلام العدو، وخلق صداقة مع القادة وعامة الشعب لإبقاء النفوذ البريطاني في العراق”.
وفي الختام، نذكـّر أن الجمعية الجغرافية الملكية في لندن قد منحت عددا من الجوائز والميداليات والمنح المالية للمستكشفة فريا ستارك التي ألقت عددا من المحاضرات في قاعاتها، وقامت بنشر عددٍ من الدراسات في المجلة الصادرة عنها. أما بالنسبة لجهودها في مجال الاستخبارات، فسبق إن ذكرنا أن وزارة الخارجية البريطانية قد أبرقت إلى عدن، في مايو من عام 1940، لتعبر عن تقديرها للجهود التي بذلتها فريا ستارك في كل من عدن وصنعاء. ونضيف هنا أن ملكة بريطانيا، (إليزابيث الأم)، قد منحت فريا ستارك لقب سيدة الإمبراطورية البريطانية، الذي يعادل لقب فارس الإمبراطورية البريطانية، في عام 1972، وذلك تقديرا لجهودها في خدمة التاج البريطاني.
* نقلا عن موقع مهارات.