[ شباب يمنيون يسعون إلى تمديد إقاماتهم عبر السفارة اليمنية في كوالالمبور (الجزيرة) ]
فرص العمل هي أكثر ما يشغل اليمنيين في ماليزيا، فمع أن السلطات تتجاهل أحيانا عمل اللاجئين دون رخصة فإنهم يعيشون في بيئة لا توفر لهم الحماية وفقا للقوانين الدولية.
ويتجاوز عدد اليمنيين بماليزيا 16 ألفا، الكثير منهم طالبو لجوء ومسجلون في مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويثمن "الممنوعون من العمل رسميا" ما يعتبرونه غض السلطات الماليزية الطرف تجاه انخراطهم في أعمال متواضعة مثل المطاعم، لكنهم يشتكون من الحرمان من الحقوق والخدمات، فلا يسمح لهم بفتح حساب بنكي أو امتلاك رخصة قيادة سيارة أو تأمين صحي.
العبسي نموذجا
لا تبدو على اليمني طارق العبسي مظاهر شظف العيش، فهو يكافح من أجل الاحتفاظ بكبريائه رغم ظروفه الصعبة، ويكرر أن عدم سداده ديونه المتراكمة ليس لقلة وفاء وإنما لقلة ذات اليد، فهو تاجر يمني ترك العمل في قطع غيار السيارات بمدينة تعز اليمنية وشد الرحال إلى ماليزيا قبل خمس سنوات.
كان يحلم كما يقول للجزيرة نت بتعليم أفضل لـ13 ولدا وحفيدا، ويعتمد على خبرته التجارية في نقل نجاحاته من الوطن إلى المهجر الجديد.
وعلى أمل أن تتابع مهمتها التربوية في مكان آخر، تركت زوجته عملها مديرة مدرسة، وعلقا معا آمالا كبيرة على ماليزيا، مستندين إلى روابط تاريخية عرقية ودينية بين الشعبين تضاف إلى وجود جالية يمنية كبيرة وعريقة في هذا البلد.
حصل طارق على بطاقة طلب لجوء من مكتب المفوضية، واستقر به المقام في مدينة كوانتان الساحلية، وأقام مطعما فيها يليق بما كان يحلم به.
تحمي بطاقة اللجوء حاملها من اعتقال الشرطة أثناء تعقبها اللاجئين غير النظاميين لكنها لا تمنحه الحق بالعمل، إلا أن السلطات الماليزية تتغاضى عن عمل حاملي بطاقات اللجوء غالبا، وهو ما يؤكده المسؤولون الحكوميون في مناسبات كثيرة.
بدأ العبسي يجني عائدات مطعم" قصر سبأ"، وعمل فيه أفراد الأسرة ليصبح مشروع العائلة.
وبحسب ما يقوله العبسي، داهمت الشرطة المطعم بتحريض من مالك البناية الذي "طمع في المطعم"، وأمرت الشرطة بإغلاق المطعم واعتقلت ابنه الأكبر بداعي مخالفة قوانين الهجرة.
وضع صاحب المبنى يده على المطعم وأثاثه، وتحدى التاجر اليمني بأن يرفع شكوى ضده في المحكمة، وهو يعلم أن لا مجال لتقديم شكوى دون إقامة رسمية، فهذه بلاد غير موقعة على الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين.
وانشغل العبسي بأمر ابنه المعتقل، إلى أن تمكن من تأمين إطلاق سراحه بعد دفع نحو 20 ألف دولار رشى تضاف إلى نفقات المحكمة والتنقل، وانتقل مع عائلته خالي الوفاض إلى مدينة كاجانغ التي تبعد قرابة 30 كيلومترا من كوالالمبور، وتراكمت عليه الديون.
حقوق الإنسان
لم تتوقف المنظمات الحقوقية عن مطالبة الحكومة الماليزية بتحسين أوضاع الأجانب واللاجئين، وأصيب الحقوقيون بخيبة أمل كبيرة إثر تراجع الحكومة عن قرارها الانضمام إلى اتفاقية منع جميع أنواع التمييز العنصري.
وطالبت نقابة المحامين الماليزية بمناسبة اليوم العالمي للاجئين في 20 يونيو/حزيران الحكومة بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، وانتقدت عدم وجود سياسة واضحة في التعامل مع اللاجئين على الرغم من أنها قديمة جدا في ماليزيا.
وبينما يثور جدل حاد بين السياسيين بشأن مقترحات باستقدام عمال أفارقة يقول بيان نقابة المحامين إن اللاجئين وطالبي اللجوء يشكلون قطاعا عماليا كبيرا يمكن الاستفادة منه لسد حاجة البلاد من العمالة الأجنبية.
ولخصت النقابة مطالبها بالآتي:
المصادقة على اتفاقيات اللاجئين 1951، وبرتوكول 1967، واتفاقية وضع من لا دولة لهم (البدون) لعامي 1954 و1961.
إقامة هيئة متخصصة لدراسات حالات اللجوء وطلبات اللجوء السياسي والتنسيق مع الوزارات والجهات ذات الصلة، مثل الداخلية الخارجية والتعليم والصحة.
تقديم الاحتياجات الملحة للاجئين وطالبي اللجوء السياسي، بما فيها العمل المشروع.
توفير فرص التعليم الأساسي في المدارس الحكومية والدينية ورياض الأطفال والتعليم المساعد.
تمكينهم من الاستفادة من الخدمات الصحية بنفس المعاملة التي يتلقاها المواطنون الماليزيون.
إقامة بلا عمل
تتفاقم المشكلة مع أصحاب الخبرة من حملة الشهادات الجامعية والمهن الرفيعة، فلا يسمح لهم بالعمل في المؤسسات الخاصة أو الحكومية ولا يمكنهم تسجيل شركات بأسمائهم.
أما أسوأ ما يخشاه اللاجئ فهو حملات تعقب مخالفي الإقامة والمداهمات التي تشنها الشرطة على المطاعم والأماكن التي يتوقع أن يعمل فيها لاجئون أو طلاب أجانب، فالتجارب المتكررة تؤكد أن الفشل في إظهار جواز السفر الممهور بختم الإقامة أو تأشيرة عمل عند نقطة تفتيش مفاجئة قد يفضي بصاحبه إلى السجن 14 يوما، ولا يخرج إلا بإحضار أصدقائه وذويه ما يثبت أنه مقيم نظامي.
ورغم المعاناة التي يعيشها أكثر اليمنيين في ماليزيا فإنهم يعتبرون منحهم إقامة مكسبا بحد ذاته، ولذلك تدفق آلاف منهم على سفارة بلادهم خلال الأيام الأخيرة، للاستفادة من قرار الحكومة الماليزية تمديد إقاماتهم لمدة عام، شرط ألا يكونوا مخالفين، وأن تكون الإقامة سارية المفعول حتى 30 مايو/أيار الماضي، لكن تمديد الإقامة لا يخولهم العمل، كما يشكو كثير منهم عدم القدرة على دفع رسومها.