[ المخلوع صالح ]
احدى عشر دقيقة كانت مدة الخطاب الذي ألقاه المخلوع صالح على اعضاء من حزبه وبثه التلفزيون التابع للحزب يوم امس.
لم يأت صالح بجديد في خطابه الذي جاء متطابقاً تماماً مع خطاب نظيره زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي الذي ألقى خطاباً نهاية الاسبوع الماضي بمناسبة المولد النبوي الشريف.
الخطاب كان مليئاً بلغة الصمود المزيفة ويعكس مستوى الإسفاف والعدوانية و الجنون الذي يعتري الرجل، غير انه لم يأتي من فراغ.
جمع صالح ما تبقى لديه من قيادات في الحزب، وألقى عليها خطبة هي أقرب الى الاستجداء والبحث عن المخرج.
خطبة جمعت بين الموقف ونقيضه وبين محاولات الظهور بتماسك، وامارات الانحناء والإنكسار.
توجه صالح بخطابه الى المملكة العربية السعودية التي آمن اخيراً انها مفتاح الحل، والطرف الذي يمسك بخيوط اللعبة والاقدر على حلحلة تعقيدات الملف اليمني.
هذه النبرة المرتفعة تجاه السعودية تدفعها العديد من الدوافع، من اهمها الانجاز الكبير الذي حققته في تحالفها داخل اليمن، والاجراءات الاخيرة التي اتخذتها بإعلانها تحالفاً دوليا للحرب على الإرهاب.
يمم صالح وجهه نحو الرياض لعلمه اليقين انها اليد القادرة على لجم الاعيبه المكشوفة، ووضع حداً ينهي عهده البائد، ولها الامكانية الكاملة على تطويق مؤامرته الخبيثة.
لم يستطع صالح ان يخفي توجساته ومخاوفه من مستقبل غامض ينتظر مصيره بعد ان حددته دول التحالف العربي كهدف واضح لعملياتها العسكرية التي تدخل شهرها العاشر.
خطاب صالح الاخير يأتي في وقت تغيرت فيه المعطيات على الارض، وباتت صنعاء على مقربة من قوات الشرعية والتحالف العربي، اما صعدة معقل زعيم المتمردين فقد باتت هي الاخرى في دائرة الحصار بعد نجاح استعادة الجوف، وتوغل قوات الجيش الوطني في حرض.
لغة التذمر والشكوى التي طفح بها الخطاب وهو يتحدث عن التدمير الذي طال البنية التحتية في اليمن، كان هو الآخر شاهداً على حجم المغامرة التي تعتري الرجل والإفترا الذي يقدمه كمبرر امام الشعب والمجتمع الدولي، وجاء كمحاولة للتنصل من الوضع المأساوي الذي آلت إليه البلاد بسبب سياسته المتعجرفة، والاعيه الماكرة، ورغبته في الانتقام، وإغراق اليمن ومحيطها بالحروب الطائفية، والصراع الدموي.
لم يخل الخطاب من مفردات التأجيج والتحريض على الاحتراب الداخلي، وبدا واضحاً أن صالح يدفع بمن تبقى معه من اعضاء ومنتمين للحزب نحو التحول الكامل للملشنة بعد ان حدد الشرعية ورجالها وأنصاره كخصم أول.
وامتدادا لحالة القلق الذي تنتابه لم ينسى المخلوع الاشارة الى روسيا حليف إيران الكبير في المنطقة، فذهب يخاطبها بلغة التوسل والتودد مؤملا عليها التدخل على طريقة سوريا استكمالاً لجهوده التي يبذلها منذ فترة في هذا الجانب.
وفي كل الاحوال لم يعد الوقت في صالح المخلوع، ولم يسعفه الحظ كما كان عليه طوال الثلاثة العقود الماضية، ليلعب على المتناقضات، ويتسلل من اضيق الثغرات، ووحده كمخلوع عجوز لم يشعر بتغير الاحوال، وتبدل الظروف والزمان.