[ ميديابارت: بن زايد مرشد بن سلمان ]
قال موقع ميديابارت إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يخفي وراءه ولي عهد آخر "المعلم" محمد بن زايد الرجل القوي في الإمارات. ولكن هذا الثنائي الذي يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بأكملها، بدأ يعاني من تداعيات اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وحرب اليمن.
وأضاف أن بن سلمان معروف بلقب "الشرس" الذي استحقه قبل اغتيال خاشقجي وحبس الأمراء بفندق ريتز كارلتون في الرياض، أما بن زايد فهو لا يحمل أي لقب مما يدل على أنه رجل ظل تتناسب قدرته على التأثير عكسيا مع رؤيته. وإذا كان لابد له من لقب فسيكون "عازف أو محرك الدمى" لأن الخبراء في شبه الجزيرة العربية يعتبرونه "المرشد" أو "المدرب" للزعيم السعودي.
ورأى ميديابارت أن بن زايد وبن سلمان يتفقان في أنهما "صقران" متورطان في حرب اليمن والحرب الاقتصادية على قطر وقمع أي معارضة في بلديهما، ولكنهما يختلفان فيما عدا ذلك فهما ليسا من نفس الجيل، فبن سلمان (34 عاما) غضوب لا يمكن السيطرة عليه ويبحث باستمرار عن الحضور بوسائل الإعلام. أما بن زايد فيتجنب الدعاية، وهو قليل الظهور وقليل الصور، تماما كما وصفه أحد الباحثين بأنه "الوجه الخفي للقمر".
انتكاس وفشل
ووصف الموقع إدارة بن سلمان لبلاده بأنها سيئة، انتهت إلى نكسات مدوية في حرب اليمن، وفشل في الحظر الذي أقيم لخنق قطر وفقدان للتأثير الحقيقي في كل الصراعات القائمة على عتبة بلاده، كما هي الحال في سوريا والعراق.
ويمكن إلحاق الشكوك المتزايدة في برنامجه الطموح للإصلاح الاقتصادي (رؤية السعودية 2030) بهذه الانتكاسات، رغم ما ناله من دعاية -حسب الموقع- الذي يشير إلى أن رؤية المملكة مستنسخة من "رؤية أبو ظبي 2030" التي بدأها بن زايد عام 2007 مع اختلاف كبير.
وخلافا لتلميذه، يرى ميديابارت في ولي عهد أبو ظبي إستراتيجيا يحسب الأمور، استحوذ على أبو ظبي بصورة سلسة، وهو الآن يمسك بمعظم السلطة دون أن يكون هو الحاكم الفخري بدل أخيه الذي لم يعد يلعب دورا سياسيا لإصابته بالسكتة الدماغية.
ويرجح الموقع أن ما يفتن ولي العهد السعودي في بن زايد هو الجانب العملي لهذا النائب لقائد الجيش الأكثر فعالية في منطقة الخليج والذي تخرج من أكاديمية ساندهيرست الملكية، وهو طيار ومظلي خدم في أفغانستان.
أما ولي العهد السعودي، فليست لديه أي خبرة عسكرية رغم أنه وزير الدفاع، ومع ذلك يسعى بن زايد لدفعه في أسرع وقت إلى خلافة أبيه الملك سلمان المريض والمجهد الذي لم يعد يتولى أي سلطة حقيقية في البلاد، حسب ما أورد ميديابارت.
وقال الموقع إن ولي عهد أبو ظبي واحد من أولئك الذين يرون أنه من الضروري جلب جيل شاب من الأمراء السعوديين إلى السلطة.
وقد أظهرت برقية للسفير الأميركي بالإمارات ريتشارد أولسون عام 2009 -كشف عنها ويكيليكس- عدم ثقة بن زايد في الحرس السعودي القديم. وأضاف الموقع "القيادة في أبو ظبي لا تفوت فرصة لإعلام المسؤولين الأميركيين الزائرين بأن المملكة يحكمها كبار سن سيئو المزاج ومحاطون بمستشارين يعتقدون أن الأرض مسطحة".
صنيعة بن زايد
واستشكل ميديابارت سبب وصول بن سلمان للسلطة رغم أن ولي العهد السابق محمد بن نايف تفضله الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة التي أثنت على قدرته على محاربة الإرهاب، وهو شريك أكثر موثوقية من بن سلمان عديم الخبرة. إلا أن بن زايد لا يدعم بن نايف ويرى فيه استمرار النظام السعودي القديم وفقا لبرقية أميركية أخرى، ولا يرتاح إلى علاقته بأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
وقال ميديابارت إن بن زايد روج كثيرا لبن سلمان في واشنطن ليثبت للمسؤولين الأميركيين أمرين مهمين، أولهما أنه الرجل المناسب للقيام بإصلاحات هيكلية اقتصادية واجتماعية، والثاني أنه قادر على تحجيم الوهابية التي قد تشكل عائقا لنجاح مثل هذه الإصلاحات.
أما الشيء المهم -كما يقول الباحث دافيد ريغولي روز المختص بالشرق الأوسط ومدير مجلة "المشرق"- فهو أن "هذا الثنائي قد التزم بالتقارب مع إسرائيل، وهذا ما يفسر العلاقة الخاصة التي نشأت بين بن سلمان وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
تحد دبلوماسي للصين
وإذا كان إطلاق عمليات التحالف العربي باليمن في مارس/آذار 2015 قد كرس العلاقة بين وليي العهد (هذين) فإن هذا الاتفاق لن يمر دون مشاكل، كما يقول روز لأنه ليس لديهما نفس الأعداء ولا نفس الأولويات، فأولوية بن زايد استهداف الإخوان المسلمين، بينما هاجس بن سلمان إيران والحوثيون.
ويضيف الباحث أن بن زايد وبن سلمان ليس لديهما نفس الجدول باليمن لأن "طموح ولي عهد أبو ظبي هو ضمان السيطرة على جنوب البلاد ومضيق باب المندب لمتابعة وتطوير إستراتيجية لإقامة وجود مباشر على الممرات البحرية من الخليج إلى البحر الأحمر عبر الساحل اليمني".
ويرى في ذلك إستراتيجية حقيقية على المدى البعيد بالنسبة لدولة الإمارات، وهي جدا مختلفة -حسب رأيه- عما تقوم به السعودية على المسرح اليمني، لأن إستراتيجيتها هناك غامضة.
استعمار جديد
مارك لافيرن المتخصص بالخليج والقرن الأفريقي، من المعهد الفرنسي للبحث العلمي يرى أن "النزعة البحرية لدى الإمارات يمكن مقارنتها بالطموحات الصينية" حيث تتبع الصين إستراتيجية "تهدف لتجريف الأراضي في أفريقيا من أجل الاستثمار والأمن الغذائي". أما الإمارات "فتبحث عن الأرض والمواد الخام. إنه استعمار جديد ليس من السهل حتى الآن إدراك كل أبعاده، فيما يبدو إستراتيحية تتعلق بنهاية النفط ومغادرة أميركا للمنطقة".
ورأى ميديابارت أن الإمارات وخاصة دبي والشارقة ورأس الخيمة تبدو جزءا من السياسة التوسعية الصينية أو ما يسمى "طريق الحرير الجديد" خاصة أنها على المحيط الهندي وفي مواجهة ميناء غوادر الباكستاني الذي أصبح المنفذ الرئيسي بالخليج "لطرق الصين جديدة".
وفي انتهاك لجميع القواعد الدولية -يقول الموقع- انتشر جيش الإمارات عام 2018 في جزيرة سقطرى اليمنية كما احتل مضيق باب المندب بوابة البحر الأحمر، وفي الوقت نفسه بدأت أبو ظبي تقضم الساحل الأفريقي، وتدير موانئ في كل من الصومال (بربرة) وإريتريا (عصب، مصوع) والسودان.
وقال لافيرن "الإمارات تتوسع خارج حدودها في حين لم تحل السعودية بعد مشاكلها الداخلية، سواء المالية والاجتماعية والثقافية" مستنتجا أن بن سلمان ليست لديه حيوية معلمه الإماراتي ولا ديناميكيته لتحديد إستراتيجية خاصة به.
اليمن مصدر خلاف
وقال باحث لا يريد ذكر اسمه إن القضية اليمنية الآن مصدر توتر بين السعودية والإمارات، إذ تتحالف الرياض في حربها ضد الحوثيين مع حركة الإصلاح (النسخة اليمنية من الإخوان المسلمين) وهذا خط أحمر بالنسبة لأبو ظبي، كما أن الإمارات قادها هوسها "بمحاربة الإخوان" إلى التحالفات مع مجموعات من أكثر الجماعات السلفية والجهاديين تطرفا، متعدية بذلك هي الأخرى خطا أحمر بالنسبة للسعودية.
وقال ميديابارت إن هناك أمرين آخرين يساهمان في التباعد بين بن سلمان وبن زايد، أولهما قضية سعد الحريري حيث دفع رجل أبو ظبي القوي الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون للتدخل لصالح إطلاق رئيس الوزراء اللبناني الذي كان معتقلا بالسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والثاني اغتيال الصحفي جمال خاشقجي الذي لطخ بصبغته الدموية صورة بن زايد كمرشد لولي العهد السعودي.
خاشقجي
وفيما يتعلق باغتيال خاشقجي، لاحظ روز أن بن سلمان لم يحضر حفل الترحيب بولي عهد الإمارات أثناء زيارته للسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بعد مقتل خاشقجي، رغم أنه كان فيما سبق على رأس مستقبليه.
وعلل الباحث ذلك بأن بن زايد ابتعد قدر الإمكان عن العاصفة الدولية التي سببها اغتيال خاشقجي، رغم ما كان متوقعا منه من دعم لتلميذه، إلا أن إدراكه للمخاطر المترتبة على الإدارة الكارثية لهذه الأزمة جعله يكتفي بالحد الأدنى من إظهار التضامن الشفهي مع بن سلمان.
وهذا القدر من التضامن -يقول الباحث- قد لا يلبي ما ينتظره بن سلمان، وبالتالي لم يستقبل شخصيا بن زايد للتعبير عن عدم رضاه، أو أن ولي عهد أبو ظبي لم يرغب هو الآخر باستقبال بن سلمان له قبل الالتقاء وجها لوجه مع الملك سلمان.
ورأى لافيرن أن ولي العهد السعودي بدون معلمه سيشعر بوحدة كبيرة، خاصة أنه أحدث فراغا كبيرا حول نفسه بعمليات التطهير التي قام بها، على خلاف ولي عهد أبو ظبي الذي يتمتع بشعبية في بلاده ويعتبر مرشدا.
ويلاحظ الباحث أن واجهة الإمارات المبتسمة تخفي وراءها حقيقة مظلمة للغاية، وهي رفض أي معارضة سياسية، وعدم التسامح مطلقا مع كل ما يتعلق بالإسلام السياسي (فهم) "لم يفهموا أن الاستقرار هو السماح ببعض التنفس".