[ بن سلمان متّهم بالوقوف وراء اغتيال خاشقجي ]
من الطبيعي أن يكتب الفنّان السعودي محمد عبده، تغريدة يتضامن فيها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يرفض فيها "التهديدات والابتزاز والهجمات المغرضة التي تستهدف مملكتنا وقادتها، وتجدد الولاء والفداء للملك والوطن، وتؤكد الثقة بحكومتنا الرشيدة". قد يكون مُجبراً، أو برضاه... لكن في النهاية هو سعودي أو يحمل الجنسية السعودية، مثله مثل الفنّان وعازف العود عبادي الجوهر، الذي لم يتأخر في إعلان ولائه لولي العهد في تغريدة قال فيها بكل صراحة "كلنا ثقة فيك يا بو سلمان وطموحنا عنان السماء".
بدوره، لم يتوقف الفنان راشد الماجد عند حدود الكلام العادي، بل ذهب لكتابة أبيات شعرية غرّد فيها قائلاً "نكتب اسمك بالذهب، فوق الغيوم، ونكتب اسمك حب وأمجادك شعار، #كلنا_ثقة_في_محمد_بن_سلمان".
ولم يكن الفنان عبد المجيد عبد الله بعيداً عن المشهد حين أعلن بدوره، ولو بطريقة مُغايرة عن سواه "وطني الحبيب وما أحب سواه #كلنا_ثقة_في_محمد_بن_سلمان". أمّا المطرب العراقي ماجد المهندس، الذي نال الجنسية السعودية، فلم يتوقف عند حدود إعلان الولاء لولي العهد، فقد قال محذراً إن "السعودية بلاد الحرمين الشريفين خط أحمر، لكل من يحاول أن ينال منها ومن قيادتها".
كل هذه المواقف مفهومة ويمكن استيعابها، فهؤلاء من السعودية وواقعون تحت حكم ولاة أمرها، لا يقدرون، في وسط هذا الظرف الصعب الذي أحدثته جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وحملات الاعتقالات التعسفية التي سبقت الجريمة بحق عشرات الدعاة والنشطاء والناشطات والكتاب، غير أن يكونوا إلى جوار "قادتهم".
لكن ما الحال مع مواطني دول أُخرى بادروا بإعلان ولائهم لولي العهد واخترعوا عبارات وتنافسوا فيها من أجل إظهار مدى وحجم ذلك الولاء؟ كيف يمكن تفسير ذلك السلوك ووضعه في سياق الأمر الطبيعي وغير المُخالف لأبسط قواعد اللياقة، وعلى وجه الخصوص أن تلك التغريدات المُعلنة ولاء أصحابها تعود لمواطني دولة اليمن التي تشن السعودية حرباً عليها من أكثر من 3 سنوات.
قد يأتي قول من أحدهم مُبرراً بأن هؤلاء يتبعون حكومةً يمنيّة تقيم في السعودية وتسير تحت إمرة ولي العهد ومن خزينته تستلم دعمها ورواتبها الشهرية. لكن تلك الإقامة اليمنية الرسمية في الرياض إنما أتت بعد إعلان تحالف ولو وهمي يعلم به العالم ويحميه، فلا مبرر إذاً لإعلان الولاء اليمني لآل سعود وعلى ذلك النحو المُفرط في ابتذاله.
والأكثر غرابة أن يأتي ذلك التضامن اليمني من شخصيات سياسية كانت، طوال الوقت، تُعلن عداءها للنظام السعودي، مثال وزير الخارجية السابق عبد الملك المخلافي، الذي كان يقول على الدوام "لا يمكن لليمن أن يكون سعيداً وسعودياً في آن واحد"، كما أن السعودية "ضد التغيير عبر الثورة في اليمن، وضد أي ثورة في الوطن العربي كله".
لكن النبرة تغيّرت تماماً الآن، لنراه يُغرّد "استُهدفت أقطار الأمة العربية دائما بذرائع مختلفة، وليس مهم الذريعة ومدى صحتها المهم هو البحث عن ذريعة، إن من العار لأي عربي أيا كانت دوافعه أن يساهم في استهداف دولة عربية ووطن من أوطان الأمة، وما تتعرض له #السعودية يستوجب التنبه لمخاطره على الأمة وأمنها واستقرارها ووجودها".
لم يكن مستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي ووزير الإعلام السابق نصر طه مصطفى، بعيداً عن المشهد، وإن كان من أوائل من بدأوا مهرجان التغريدات "المتضامنة" مع السعودية وولي العهد، حيث تمنّى أن "يحفظ الله #المملكة_العربية_السعودية وقيادتها الحكيمة ويجنبها كيد الأعداء والخصوم ويجعلها ذخراً لوطنها العربي وأمتها الإسلامية"، مؤكداً أنها ستظل "قوية بشعبها وقيادتها وأشقائها وأمتها".
ولم ينتبه نصر طه مصطفى إلى أنّه لم يذكر الصحافي الراحل جمال خاشقجي بكلمة طوال تغريداته اللاحقة، على الرغم من كون مصطفى كان نقيباً للصحافيين في عهد المخلوع الراحل علي عبدالله صالح. لكنّه كان يقف على مسافة من حقوق الصحافيين وعدم تعرّضهم للاعتقالات والسجن وعدم قيامه بدوره على الأقل كنقيب للصحافيين بالدفاع عنهم أو حتى زيارتهم في سجونهم، كحالة الصحافي عبد الكريم الخيواني الذي قُتل في 2015.
من جهته، كان وزير الإعلام معمّر الأرياني واحداً من أكثر المرابطين على "تويتر"، وذرف تغريداته اليومية المتضامنة مع ولي العهد والسعودية قائلاً إن "الحملة التي تستهدف #المملكة_العربية_السعودية لا يعنيها #جمال_خاشقجي ولا تحقيق العدالة في القضية، وإنما تستهدف مواقف المملكة العروبية والإسلامية في مواجهة المؤامرات التي تتعرض لها المنطقة مقابل الصمت عن قتل وتعذيب العشرات من الصحافيين في العالم"، مُنهياً تغريداته دائماً بوسم "#كلنا_مع_السعودية_ايد_واحدة".
وغير هؤلاء كُثر ومن مراتب أدنى من وكلاء وزارة ونوّاب ومدراء عاديين وصحافيين جميعهم أطلقوا تغريداتهم في توقيت واحد، كأن أمراً غير معلوم المصدر قد أتى طالباً منهم تدوين تلك التغريدات فلم يتأخروا عن فعل ذلك.
قُتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بعدما دخل قنصلية بلاده في إسطنبول لاستخراج أوراقٍ شخصية. وبعد 18 يوماً من النفي، اعترفت السعودية بمقتله، لكنها قدّمت رواياتٍ متضاربة حول الموضوع.
وقالت السعودية إنّه قتل إثر "شجار"، ثم أعلنت أنّ قتله تمّ بنيّة مسبقة. وانتشرت فرضيات حول تقطيع جثة خاشقجي بالمنشار والتخلص منها، إلا أنّ الجثة لم تظهر حتى الآن. لكنّ النائب العام في إسطنبول، قال، الأربعاء، إنّ خاشقجي قتل خنقاً وتمّ تقطيع أوصاله والتخلّص من الجثّة.
تجدر الإشارة إلى أنّ صحافيين وحقوقيين وسياسيين ومنظمات عالمية اتّهمت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالوقوف وراء قرار اغتيال خاشقجي، معتبرين أنّ رجاله لم تكن لهم القدرة على اتّخاذ قرار كهذا من دون علمه.