[ يعيد مقترح ماتيس إلى الأذهان مبادرة جون كيري ]
على غرار مبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، جاءت أفكار وزير دفاع واشنطن جيمس ماتيس، بشأن الحلّ المقترح للأزمة في اليمن، لتثير جدلاً، بعد أن تضمنت مداخل تُطرح للمرة الأولى من مسؤول غربي رفيع، يمكن أن تكون التصوّر الأقرب إلى ما آل إليه الوضع في البلاد، لكنها من زاوية أخرى قد تشكّل دعوة إلى التقسيم كواقع بديل، بعدما يقرب من أربع سنوات على الحرب المدمرة في البلاد.
وكان ماتيس، وخلال مشاركته في مؤتمر حوار المنامة، قد خصّص نصيباً لافتاً من حديثه حول الحرب في اليمن، وقال إنّه "حان الوقت الآن للمضي قدماً لوقف هذه الحرب"، مشيراً إلى أنه، وخلال نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يجب التطرّق إلى القضايا الرئيسية، في إشارة إلى الجولة المرتقبة المقرّر أن ترعاها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية، وأعلنت أنها تسعى لتنظيمها الشهر المقبل.
ولم ينحصر حديث ماتيس في التأكيد على أنه آن الأوان لنهاية الحرب، بل اتجه إلى أبعد من ذلك، من خلال طرح معالم الحلّ ووضع نهاية للأزمة، أو ما يمكن اعتباره أفكاراً أميركية للتسوية، من خلال إيجاد حدود منزوعة السلاح، بالإشارة إلى المناطق الحدودية بين السعودية واليمن، على ضوء ما يُطرح في السياق ذاته، بإيجاد منطقة عازلة، من شأنها تقليل قدرة مسلحي جماعة الحوثيين على تهديد الأراضي السعودية. وكذلك نزع الصواريخ البالستية أو بعيدة المدى من اليمن، وهو الأمر الذي يصبّ في السياق ذاته، بمنح التطمينات اللازمة للسعودية لدفعها لدعم التسوية في اليمن.
إلى جانب ذلك، طرح وزير الدفاع الأميركي، وللمرة الأولى، فكرة الحلّ يمنياً، من خلال الحكم شبه الذاتي، وهو الأمر الذي يمكن أن يُقرأ من أكثر من زاوية. إذ يُفهم من خلاله، وبالنظر إلى الواقع اليمني، وفقاً للعديد من تعليقات المحللين والسياسيين اليمنيين التي رصدها "العربي الجديد"، على أنه دعوة لشرعنة الأمر الواقع، بالاعتراف بسيطرة الحوثيين على المناطق الخاضعة لهم. ومثل ذلك بالنسبة للأطراف المنادية بالانفصال، والمدعومة إماراتياً في مناطق الجنوب اليمني، مثلما أنّ هناك أكثر من مركز إلى جانب عدن وصنعاء، كمأرب وحضرموت على الأقل.
وتتبنى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بالفعل، مخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي عقد على مراحل بين مارس/ آذار 2013 ويناير/ كانون الثاني 2014، وتشمل في جوهرها إقرار المركزية بتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، يُمنح كل واحد منها صلاحيات واسعة في إدارة الشؤون المحلية، مع بقاء بعض الاختصاصات للحكومة المركزية أو الاتحادية. وفي هذا الصدد، فإن تصريح الوزير الأميركي، يمكن أن يُقرأ من زاوية أخرى، على أنه امتداد للموقف الذي تتبناه بلاده بدعم مقررات مؤتمر الحوار منذ سنوات، بالتوجه نحو اللامركزية.
في المقابل، فقد فرضت الحرب منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وما لحقها من حرب شاملة وتدخّل خارجي في العام الذي تلاه وحتى اليوم، تقسيماً قيصرياً لليمن، من خلال تعميق سيطرة الحوثيين المركزية على صنعاء وأغلب محافظات شمال ووسط وغرب البلاد، وهي المناطق التي تسكن فيها الغالبية من اليمنيين، في مقابل سياسات اتبعها التحالف السعودي الإماراتي، بمنح نفوذ متزايد للانفصاليين في عدن ودعم تشكيلات تعبّر عن نزعات انفصالية ومناطقية، كما هو الحال بتأسيس ما يُعرف بـ"قوات النخبة الحضرمية" في حضرموت.
وكل ذلك، يجعل اليمن مقسماً بين أربعة مراكز، وتضم إلى جانب الحوثيين في صنعاء، والإقليم الجنوبي ومركزه عدن، محافظة مأرب، حيث تسيطر القوات الموالية للشرعية والقوى المناوئة للحوثيين شمالاً، ومحافظة حضرموت التي تمثّل مركز المحافظات الشرقية، وهي الأقرب إلى حكم ذاتي، بفعل العديد من العوامل السياسية والطبيعية.
ومع إطلاق مسؤول أميركي يتقلّد منصباً على درجة من الحساسية، وهو وزير الدفاع، تصريحات تتحدث عن الحكم الذاتي، يبرز التساؤل، عما إذا كانت واشنطن تدعم تسوية يمنية من شأنها إيقاف الحرب والاعتراف بالتقسيم المفروض بالأمر الواقع، وهو ما يثير رفضاً من شريحة واسعة من اليمنيين، يرون أنّ من شأن ذلك تقسيم البلاد، وتثبيت سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة لا تمثّل الجماعة سكانها بالضرورة، بقدر ما تفرض سيطرتها بالحديد والنار. والأمر نفسه بالنسبة للمناطق التي يتمحور فيها نفوذ الانفصاليين وما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
من زاوية أخرى، يضع المقترح الأميركي في شقه الأوّل، تعريفاً جهوياً أو مناطقياً للأزمة اليمنية، من خلال طرح الحلول بصيغة حكمٍ ذاتي يتولّى فيه كل طرف السيطرة على ما أمكن السيطرة عليه من أجزاء البلاد التي مزقتها الحرب. أمّا في الشق الثاني من معالم مقترحات ماتيس لإيقاف الحرب، فهو تقديمها كحرب موازية بين الحوثيين والسعودية، تتطلّب مراعاة مخاوف الأخيرة، بحيث يتطلب السلام حدوداً منزوعة السلاح ويمناً خالياً من الصواريخ بعيدة المدى.
ويعيد مقترح ماتيس إلى الأذهان مبادرة وزير الخارجية الأسبق جون كيري، التي أخذت حيزاً واسعاً من النقاشات والأخذ والرد، في الثلث الأخير من عام 2016، إذ قدم أفكاراً تتّصل بنزع الصواريخ الباليستية وتأمين المناطق الحدودية، ولكنه في الجانب الآخر، اقترح التوصّل إلى اتفاق حول حكومة انتقالية وانسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء ومدن أخرى رئيسية، خلافاً للمقاربة الجديدة التي طرحها ماتيس، بالحكم شبه الذاتي.
وعلى الرغم من أنّ الرياض وأبوظبي تتبعان سياسات تظهر دعمهما لتقسيم البلاد، والذهاب بها نحو اللاعودة، إلا أنّ المقترحات على هذا النحو، يمكن أن تلقى تحفظاً إذا ما كانت تؤدي إلى الإبقاء على الحوثيين وتهديداتهم، الذين تتخوّف الرياض من أن يصبح وضعهم أقرب للوجود المسلّح لـ"حزب الله" في لبنان. ويبقى الوضع مفتوحاً على الاحتمالات كافة، بما فيها أن تكون تصريحات ماتيس تلميحاً إلى ما تتجه إليه مقترحات التسوية في الفترة المقبلة، أو تذهب إلى مصير مقترحات كيري، التي رفضتها الحكومة قبل ما يقرب من عامين.