[ مؤسسات التعليم كانت أبرز ضحايا الحرب في اليمن ]
بعدما ترك المدرسة، يعمل الطفل محمّد (13 عاماً) 10 ساعات يوميّاً في إحدى ورش إصلاح السيّارات في منطقة الحصبة في صنعاء، مقابل 12 ألف ريال يمنيّ في الشهر أي ما يعادل الـ24 دولاراً. يقول محمّد الذي أخبرنا أنّه كان يحلم أن يصبح ضابط شرطة، إنّ والده لم يرغمه على ترك المدرسة والذهاب إلى العمل، وإنّه وافق حين عرض عليه العمل، ليساعد والديه وأخواته الثلاثة، على توفير القوت الضروريّ لهم، كونه يعرف أنّ ظروفهم المادّيّة أصبحت منعدمة.
كما أرغمت الحرب وأثارها القاسية في اليمن محمّد على ترك المدرسة، كما أرغمت الكثيرين من أقرانه، وفق تقرير صدر أخيراً عن منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة "يونيسف" حول التعليم في اليمن في آذار/مارس الماضي، فقد انقطع نحو 500 ألف طفل يمنيّ عن الدراسة، منذ تصعيد الصراع في آذار/مارس 2015، ليصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى مليوني طفل. يستمر الأطفال في دفع ضريبة الحرب سواء بالقتل، أو الحرمان ، مؤخراً أقر التحالف بقيادة السعودية، بعد سخط شعبي واسع، وضغوط دولية، بارتكاب "أخطاء" في غارات جوية بمحافظة صعدة الشهر المنصرم، أسفرت عن مقتل 51 شخصا بينهم 41 طفلا كانوا في على متن حافلة تقلهم ، وسط سوق شعبي.
تعتبر الأستاذة نادية مجاهد (45 عاماً) التي تعمل مستشارة في المنطقة التعليميّة في منطقة الصافية في صنعاء أنّ الحرب ألحقت أضراراً بالغة بالعمليّة التعليميّة، وما زالت الأضرار تتضاعف يوماً بعد آخر.
وتضيف في حديث خاصّ إلى "المونيتور" أنّ أبرز الأضرار التي أصابت العمليّة التعليميّة تتمثّل في "تدمير العديد من المدارس وإغلاقها جرّاء الحرب، وانعدام رواتب المدرّسين والمخصّصات الماليّة التشغيليّة والكتب المدرسيّة، واستغلال العمليّة التعليميّة من قبل الأطراف المتصارعة، والعوامل النفسيّة والصحّيّة التي أصابت العديد من الطلّاب والمدرّسين وفئات المجتمع ككلّ".
قامت كافة الأطراف المتصارعة باستغلال المدارس كمنابر لفرض الرؤى والأفكار الخاصة لكل طرف، وهذا خارج المناهج الدراسية. والأخطر من ذلك، الاستقطاب والتجنيد للطلاب من قبل كافة الأطراف والزج بهم في الجبهات للقتال، واستغلال المدارس لاستخدامها أماكن عسكرية في مواقع القتال.
يكشف التقرير الصادر عن اليونيسف السالف الذكر أنّ "أكثر من 2500 مدرسة لا تعمل في اليمن، إذ دمّر ثلثاها بسبب العنف، فيما أغلق 27% منها، ويستخدم 7% منها في أغراض عسكريّة، أو كأماكن لإيواء النازحين، وأنّ ما لا يقلّ عن 2419 طفلاً تمّ تجنيدهم في القتال منذ آذار/مارس 2015".
يوجز لنا الأستاذ عبد الجبّار العماري الذي يعمل مدرّساً في مدرسة النهضة الحكومية في صنعاء، سبب توقّفه عن التدريس، واتّجاهه إلى العمل كمحاسب في متجر صغير لبيع الإسمنت، بانقطاع رواتب المعلّمين، وحاجة أسرته إلى المال، مضيفاً لـ"المونيتور": "كثير من المدرّسين عزفوا عن التدريس بسبب انقطاع الرواتب، وباتوا يعملون أعمال مهنيّة منها ما لا يليق بهم، المؤسف أنّه تمّ استبدالهم بمتطوّعين، لكنّهم غير مؤهّلين، وذلك من الأضرار التي أراها بالغة على العلميّة التعليميّة حاضراً ومستقبلاً".
قامت الحكومة الشرعية الموجودة في عدن بنقل البنك المركزي من صنعاء في العام 2016، وترفض دفع الرواتب حتى تلتزم سلطة الحوثي بتوريد الايرادات إلى البنك في عدن وهذا ما يرفضه، كون الطرفان في حرب.
المدير الإقليميّ لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابيليري، كان قد قال في بيان أصدره في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي إنّ "ثلاثة أرباع المعلّمين لم يتلقّوا رواتبهم منذ ما يقارب العام، وإنّ العنف قد أدّى إلى إغلاق مدرسة من بين كلّ 10 مدارس في كلّ أنحاء البلاد".
عن الآثار المستقبليّة والحلول للحدّ من هكذا مشكلة، يقول أستاذ النظريّة الاجتماعيّة المساعد في جامعة صنعاء الدكتور جميل بنيان لـ"المونيتور": "العمليّة التعليميّة مستهدفة من قبل أطراف الصراع، والأثر بالغ على النسيج الاجتماعيّ حاضراً ومستقبلاً، وعلى الأمم المتّحدة كونها الوسيط بين الأطراف، والمنظّمات الدوليّة كافّة، ممارسة ضغوط لدى الأطراف للنأي بالعلميّة التعليميّة، وتوفير متطلّباتها كي لا تتفاقم الكارثة".
يشاطره الرأي الباحث في علم الاجتماع في وزارة التعليم العالي خالد قاسم، حيث يرى ضرورة معالجة النظرة القاصرة للمنظّمات الدوليّة الفاعلة، والمتواجدة في اليمن، في ما يتعلّق بعمليّة التعليم، وضرورة تحرّكها في شكل عاجل. ويضيف لـ"المونيتور": "مستقبل التعايش بين الأجيال على المستوى الثقافيّ والوطنيّ، مهدّد في شكل كبير في ظلّ الاستقطاب الحاصل للطلّاب وتغذيتهم بالأفكار من قبل أطراف الصراع، وذلك يتطلّب معالجات آنيّة للحدّ من تعميق ذلك الخطر وإعادة بناء جسور الثقة والتعايش بين الأجيال".
تبعات كارثيّة عدّة للحرب تشهدها اليمن منذ آذار/مارس 2015، على مختلف المستويات، لكنّ عمليّة الهدم التي تصيب العمليّة التعليميّة تظلّ الأكثر خطورة على البلد حاضراً ومستقبلاً.
قالت منظّمة سياج لحماية الطفولة، وهي أحدى المنظّمات المحلّيّة الفاعلة، في بيان لها في شباط/فبراير الماضي إنّ وضع التعليم في اليمن كارثيّ، وإنّه في حال لم يتمّ تدارك هذا الخطر فإنّ كلمة كارثيّ ستكون قليلة جدّاً على الوضع الأمنيّ والتنمويّ لليمن والجزيرة العربيّة مستقبلاً.
وذكرت أنّ مئات المدارس تعرّضت إلى التدمير الكلّيّ، أو الجزئيّ، نتيجة القصف من السماء والأرض، وأشارت إلى أنّ الأطفال المحظوظين، الذين لا يزالون يذهبون إلى المدارس، لا يتلقّون أكثر من درسين في اليوم.
الجدير بالذكر أنّ 11 مليون طفل في اليمن في حاجة إلى مساعدة للحصول على الغذاء والعلاج والتعليم والمياه، حسبما قالت المديرة التنفيذيّة لمنظمّة اليونيسف هنرييتّا فور في تقرير صحفي، بعد زيارة استغرقت 4 أيّام إلى محافظتي عدن وصنعاء، في تمّوز/يوليو الماضي، مضيفة أنّ طفلاً يموت كلّ 10 دقائق، وأنّ النزاع محتدم في هذا البلد، والذي هو أصلاً على حافّة الهاوية.
تقترب الحرب في اليمن من اكمال العام الرابع، في ظل مأساة تتضاعف على مختلف الأصعدة، وتجاهل للأطراف الدولية حسب وصف الكثير من اليمنيين، ولا مسئولية للأطراف المحلية، التي عجزت حتى الآن، عن تقديم بدائل وتنازلات للحفاظ على ما تبقّى من أشلاء وطن منكوب.
ويشهد اليمن أزمة إنسانيّة كبيرة، منذ بدء الحرب في آذار/مارس 2015، حيث يحتاج أكثر من 22 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات إنسانيّة أو حماية، فيما يعاني نحو 8.4 ملايين شخص من انعدام أمن غذائيّ شديد ومن خطر المجاعة، في حين قتل 1500 طفل حملت الأمم المتحدة التحالف بقيادة السعودية عن سقوط أكثر من 61% من أولئك الضحايا باستهداف المقاتلات الحربية لمناطق مأهولة بالسكان.