[ موظفون حكوميون في مدينة تعز أثناء احتجاج سابق على تأخر صرف رواتبهم ]
لم يكن الإعلامي اليمني سليمان سحاري يتصور أن تحيله الحرب إلى عاطل عن العمل ويبحث عن مصادر دخل جديدة، كان أحدثها أن فتح كشكا صغيرا أمام منزله في صنعاء.
فهو فقد وظيفته الرسمية مديرا للإدارة الدينية في التلفزيون اليمني منذ سبتمبر/أيلول 2014، التي بقي فيها أكثر من 25 عاما.
وما إن اندلعت الحرب حتى انقلبت حياته رأسا على عقب، فظل ملازما منزله يمارس هوايته في تربية الحمام والدجاج والأرانب ورعي الأغنام، إذ يجد فيها راحة ومتنفسا للخروج من الواقع المؤلم وقضاء الوقت في شيء نافع.
والكارثة -كما يقول سليمان سحاري- وقعت بعد قطع راتبه الشهري كغيره من موظفي الدولة الذين يربو عددهم عن مليون ومئتي ألف موظف بمختلف المؤسسات والوزارات والمرافق الحكومية.
لم يأبه بداية لانقطاع راتبه ودخله الشهري الوحيد الذي كان يعيل به أسرته، فكان ما يواسيه أن لديه بعض الأملاك في قريته سيستعين بها على قضاء حوائجه، إلى أن تضع الحرب أوزارها.
لكن الحرب طال أمدها، وكما النار في الهشيم انتشر لهيبها لتتفاقم معها مأساة الموظفين.
ويرى سحاري أن قطع الرواتب الشهرية عن موظفي الدولة المدنيين حربٌ أشد فتكا وضررا باليمنيين من حرب الصواريخ والقذائف القاتلة.
ورغم الواقع المعيشي الذي يعانيه، فإن التفاؤل ديدنه ويبدي أمله في انتهاء الحرب وأن يحل السلام على اليمن قريبا.
فقر وعوز
وبحسب تقارير محلية ودولية، فإن قطع الرواتب عن الموظفين باليمن أحال حياة الملايين لجحيم لا يطاق، وقذفت بهم في دوامة الفقر والجوع والعوز.
وأفاد تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بأن انقطاع مرتبات الموظفين الحكوميين منذ 19 شهرا دفع ستة ملايين يمني للعيش في فقر شديد.
وقال التقرير إن وضع الموظفين الموقوفة رواتبهم يزداد سوءا في شهر رمضان المبارك، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية ارتفاعا جنونيا.
وحمل التقرير الحكومة الشرعية والحوثيين مسؤولية هذه المأساة الإنسانية الناجمة عن انقطاع المرتبات عن موظفي الدولة والمؤسسات الحكومية.
وتزداد متطلبات الإنفاق في رمضان لدى معظم الأسر اليمنية، بينما لا تتوفر سيولة مالية لديها بعد أن فقدت مداخيلها الشهرية، واستنفدت كل مدخراتها، وتراكمت ديونها تراكما كبيرا.
ولجأ كثيرون ممن قُطعت عنهم رواتبهم إلى العمل في غير مجالات تخصصهم أو في أعمال لم يعتادوا عليها، وذلك من أجل البقاء على الحياة ومواجهة حالة الفقر والعوز التي طالتهم وأسرهم.
وتحكي أم محمد النهمي، وهي معلمة بإحدى مدارس صنعاء قُطع عنها راتبها، أنها لجأت إلى بيع الكعك والفطائر وبعض المخبوزات المحلية.
في حين يؤكد لطف الحجي، وهو أحد الضباط العسكريين، أنه يعمل على سيارة أجرة من أجل تدبير ما يحتاجه من متطلبات يومية له ولعائلته.
أما الطيار الحربي العقيد مقبل الكوماني فاضطر إلى بيع القات بأحد أسواق صنعاء بسبب فقدانه عمله وانقطاع راتبه، قبل أن يغادر العاصمة إلى مأرب ومن ثم إلى خارج اليمن.
وشملت آثار قطع الرواتب فئات مجتمعية مختلفة بينهم أساتذة الجامعات، حتى إن نشطاء تداولوا صورة للأستاذ بكلية الهندسة في جامعة ذمار الدكتور فؤاد جعدان وهو يعمل على عربة لبيع الذرة الشامية بعد انقطاع راتبه، في حين لجأ أستاذ جامعي آخر إلى العمل كعامل بناء.
والحالة هذه، انتقل كثير من الموظفين إلى قراهم، وفضلوا البقاء في منازلهم بعد انقطاع رواتبهم بعيدا عن أجواء الحرب، بينما عاد بعضهم إلى ممارسة حرفة الزراعة واضطر آخرون لمغادرة اليمن.