[ طفل يمني من على ركام منزل دمرته الحرب باليمن ]
كثيراً ما يدفع المدنيون في اليمن، وفي محافظة تعز تحديداً، ثمن حرب التحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد الحوثيين منذ ثلاث سنوات، خصوصاً في حملة القصف الجوية، التي لا توفر النساء والأطفال، مثل الطفلة منار عبده سعيد (8 سنوات) التي قُتلت وكامل أفراد عائلتها في تعز أخيراً.
ولعل الوضع في الصلو، إحدى المديريات الواقعة جنوبي تعز، يُقدّم صورة واضحة عن الفاتورة الكبيرة التي يدفعها المدنيون. المديرية التي تشهد في مناطقها الحدودية مع مديرية دمنة خدير معارك مع قوات الحوثيين وحلفائهم بشكل متقطع، استهدفتها مقاتلات التحالف، على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الحرب بشكل متكرر، ولم توفر المنازل السكنية، والعائلات التي كان أفرادها نائمين في منازلهم، أو يمارسون حياتهم اليومية في مزارعهم، ليصل عدد ضحايا غارات التحالف إلى عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
يوم الثامن من إبريل/نيسان الحالي، وهو اليوم الذي زارت فيه قيادات عسكرية سعودية وإماراتية وبحرينية من التحالف مديرية الصلو، كان يوماً قاسياً بالنسبة لسكان قرية موقعة، الواقعة في الصلو، الذين فُجعوا باستهداف منزل المواطن صادق محمد عبدالله الحاج، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً من الأسرة، بينهم نساء وأطفال. لم تكن جريمة إبادة أسرة الحاج هي الحادثة الوحيدة التي قتلت فيها مقاتلات التحالف مدنيين في تلك المديرية الريفية جنوبي تعز، فجريمة استهداف مساكن المدنيين في هذه المديرية باتت متكررة، وتأتي حادثة مقتل الطفلة منار ابنة الثماني سنوات تحت حطام منزل جدها المزارع عبدالله عبده حمود الشهاب (60 عاماً)، الذي قتل وعائلته بالكامل في منطقة الشرف في مديرية الصلو أيضاً، لتكشف الانتهاكات التي يرتكبها التحالف بحق أهالي اليمن.
والد الطفلة منار، عبده سعيد، لم يستوعب، حتى اللحظة، أنه لن يرى طفلته مرةً أخرى. كانت منار واحدة من أربعة أطفال قُتلوا بين 11 شخصاً من أفراد العائلة في الحادثة نفسها، بينهم خمس نساء، في ضربةٍ جوية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، دمرت منزل عبدالله الشهاب في قرية الشرف من مديرية الصلو.
يقول الناشط صلاح الشرجبي، لـ"العربي الجديد"، إنه في ذلك اليوم حلّقت مقاتلات التحالف المساندة للقوات التابعة للحكومة الشرعية، في سماء قرية الشرف في مديرية الصلو بشكل مكثف ونفذت غارات عدة متفرقة بعيدة عن القرية، قبل أن تستهدف عند الساعة الخامسة والنصف فجراً منزل عبدالله الشهاب، ما أدى إلى مقتله وجميع أفراد أسرته البالغ عددهم 11 فرداً، وأصبح منزل الضحية ركاماً، ولم يتبقَ من الأسرة غير الابن الأكبر عمار عبدالله الشهاب، وشقيقته (والدة منار) التي كانت في صنعاء.
وشنّت مقاتلات التحالف سلسلة من الغارات استهدفت المدنيين أكثر من مرة في مديرية الصلو، إذ قصفت في اليوم نفسه لقصف منزل الشهاب، أي في 29 أكتوبر من العام الماضي، منزل المواطن يعقوب هائل، وراح ضحية ذلك 5 قتلى وجريحان، فيما استهدفت غارة أخرى منزل محمد عبده سعيد أدت إلى جرح خمس نساء، وغارة رابعة استهدفت منزل المواطن محمد سعيد الصلوي وقتلت شخصين وأصابت اثنين آخرين.
وسبق ذلك استهداف مقاتلات التحالف، في 17 أغسطس/آب 2016، منزلاً في قرية الشرف أدى إلى مقتل ثلاث نساء. وفي غارة أخرى في اليوم نفسه، استهدفت المقاتلات منزل خالد محمد، ما أسفر عن مقتل 4 أطفال. وكانت مقاتلات التحالف قد استهدفت، في 7 فبراير/شباط 2016، بغارة جوية، منزل محمد سعيد مغلس، وقتلت امرأتين وأصابت ثالثة، وبعد خمسة أيام من الشهر نفسه، قُتل سبعة أشخاص بغارة أخرى. وبينما تتواصل هذه السلسلة من غارات التحالف على منازل مدنيين في مديرية الصلو، يبقى الحصار الذي يفرضه الحوثيون على منافذ مدينة تعز قائماً، في ظل فشل التحالف في تحرير المدينة التي تعاني من الحصار منذ سنوات.
وتعليقاً على استهداف التحالف منازل المدنيين في تعز، على الرغم من أنها لا تحتوي على أي علامة لأي نشاط عسكري، يؤكد الناشط صلاح الشرجبي لـ"العربي الجديد" أن هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم، مضيفاً: "سيبقى الناجون من العائلات التي استُهدفت يسألون لماذا تم قصفهم، ويطالبون بمحاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم، التي اكتفت منظمات حقوقية بتصريحات تطالب الأطراف باتخاذ الإجراءات التصحيحية الضرورية لتجنّب تكرارها مجدداً، لكن ليست هناك أي علامة على أن ذلك سيحدث"، مشيراً إلى أنه "بعد ثلاث سنوات و4 أشهر على انطلاق حملة القصف التي يشنّها التحالف، يستمر سقوط قتلى وجرحى من المدنيين الأبرياء كل يوم، مما يثير شكوكاً جادة حول استخفافٍ واضح بحياة المدنيين والمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، باستمرار الضربات الجوية التي تسبب خسائر مدنية وتشكّل جرائم حرب".
من جهته، يقول المحامي مختار الوافي، لـ"العربي الجديد"، إن التوصل إلى حلٍ لهذه الحرب عن طريق التفاوض يبدو أمراً بعيد المنال، بينما أخلّت جميع الأطراف المشاركة في الصراع بالتزاماتها حسب القانون الدولي، معتبراً أن "على المجتمع الدولي إرسال رسالةً قوية إلى المتحاربين بأنه لن يتم التسامح مع المزيد من الانتهاكات وأنه ستجري محاسبتهم، حتى نضمن ألا يعاني أطفال آخرون من مصير مشابه لمنار سعيد".