[ خارطة لتوزع المناطق العسكرية السبع على جغرافيا اليمن ]
حزمة من القرارات الجديدة اصدرها الرئيس هادي مساء امس، شملت تعيينات في مختلف مؤسسات الدولة، وكان أهمها وأكبرها في القوات المسلحة اليمنية.
من سياق القرارات الصادرة يتبين ان لها صلة بالعديد من التطورات الميدانية التي سبقتها، و الاحداث التي ستلحق بها، وتعكس ان القيادة الشرعية ومن خلفها التحالف العربي يستعدون لطور جديد من الدور المرتقب في اليمن تزامنا مع متغيرات دولية، وصولا الى انهاء هذا الملف الذي يدخل عامه الثالث منذ انقلاب مليشيا الحوثي والمخلوع على الشرعية في اليمن.
تركزت القرارات العسكرية على الجبهات الملتهبة قتاليا مع الانقلابيين، وفي المناطق التي تم تحريرها، ففي الاولى تتجسد مدينة تعز كواحدة من أهم المعارك الملتهبة، فيما تمثل حضرموت والعاصمة المؤقتة عدن أهم المدن المحررة.
تستبق القرارات مرحلة جديدة من المشاورات السياسية المرتقبة مع الطرف الانقلابي، انطلاقا من الرؤية الاممية التى ترى في الحلول السياسية مخرجاً مناسبا لملف اليمن، كما تعد ايضا شكل من اشكال الجاهزية العسكرية لمواجهة أي تطور قتالي قد يستجد في الميدان.
المنطقة العسكرية الرابعة
ففي عدن جرى ترتيب وضع القوات المسلحة في عدة تعيينات وقرارات، تتمثل في تعيين قيادة جديدة للمنطقة العسكرية الرابعة والتي كانت من نصبيب العميد ركن فضل حسن محمد اضافة الى تعيينه قائداً للواء الثاني مشاه و ترقيته الى رتبة لواء.
وهذه المنطقة التي تتخذ من عدن مقرا لها ظلت مثار جدل طويل عقب تحرير محافظة عدن منتصف العام 2015م، حين اشيع ان قائدها السابق اللواء احمد سيف اليافعي امتنع عن مساندة تعز وتوقف في الحدود الفاصلة بين الشطرين سابقاً.
كما ترددت اتهامات عن ضلوعه في ايقاف وصول شحنات الاسلحة المختلفة نحو الجيش الوطني في تعز، وهي اتهامات لم ينفها اليافعي علنا، لكن مصادر مقربة منه تؤكد انه لم يكن يقف خلف ذلك التوجه.
وجاءت عملية احتجازه في قصر المعاشيق مع نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية نهاية فبراير من العام الجاري، لتعكس الوضع المتأزم هناك ثم جرى انتقالهما الى العاصمة السعودية الرياض.
وتيقع نطاق المنطقة العسكرية الرابعة او ما يسمى عسكريا بالمسرح القتالي لها في خمس محافظات، هي (عدن، ابين، الضالع، لحج، تعز)، ويصل عدد ألويتها الى 24 قوة قتالية، وتعد الأعلى من ناحية عدد المعسكرات مقارنة ببقية المناطق العسكرية الست الاخرى.
وتعاقب على هذه المنطقة خمسة قادة عسكريين منذ العام 2013م، حتى اليوم، حيث تولى قيادتها اللواء الركن محمود سالم الصبيحي من العاشر من ابريل 2014م حتى السابع من نوفمبر 2014م، وانتقل منها الى وزارة الدفاع كوزير في تشكيلة حكومة بحاح الاولى، وكان سلفه اللواء ناصر عبدربه الطاهري والذي عمل فيها من يناير 2014م حتى مارس من العام 2015م.
وبناء على قرار تعيين اللواء الطاهري نائبا لرئيس هيئة الاركان تم تعيين اللواء علي ناصر هادي قائد لها في 6 مايو 2015، وفي عهده وقع اجتياح عدن، واغتيل هادي لاحقاً من قبل جهة مجهولة، وحل خلفه اللواء سيف صالح محسن الضالعي، واستمر فيها شهرين فقط، وفي السادس من يوليو من العام 2015م صدر القرار الجمهوري بتعيين اللواء احمد سيف اليافعي قائدا جديدا، وعقب تعيينه نائبا لرئيس هيئة الاركان، تم تعيين فضل حسن محمد، والذي يعد احد قادتها العسكريين، وكان له جهودا كبيرة في مواجهة المليشيا الانقلابية اثناء اجتياحها لمدن الجنوب.
الترتيب العسكري داخل محافظات الجنوب المحاذية للمدينة تعز شمل ايضا محور العند التابع للمنطقة العسكرية الرابعة، من خلال تعيين العميد الركن ثابت مثنى جواس قائداً لمحور العند قائداً للواء 131 مشاه ليخلف بذلك العميد فضل حسن محمد.
ومن المعلوم ان اللواء 131 كان يتبع المنطقة العسكرية السادسة، ويتمركز في محافظة صعدة، وكان آخر نشاط له هناك هو تنفيذ مشروع القادة والأركان على الخارطة والتي شارك فيها اللواء بجانب ألوية اخرى.
التشكيلة العسكرية للمنطقة الرابعة تتضمن ألوية مشاه ومدرع ودفاع جوي وساحلي، ومنها اربعة ألوية في عدن اضافة الى قيادة المنطقة، وستة الوية في محافظة تعز، وسبعة الوية في محافظة لحج، و خمسة في محافظة ابين، و واحد في الضالع.
ويقع في إطار المنطقة ايضا، كلا من سواحل التواهي وبير احمد وباب المندب وشقرة، وقاعدة العند.
بالنسبة للعميد جواس فإن اعادة تصديره للواجهة يحمل العديد من الدلالات، فقد ارتبط إسمه بتحقيق الانتصارات على التمرد الاول لجماعة الحوثي، والذي انتهى بمقتل مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، على يد مجموعة من الضباط العسكريين في مقدمتهم جواس.
وبالتالي فتعيينه على رأس قيادة اللواء الذي كان متمركزا في صعدة، بالتزامن مع إلتهاب المعركة في تعز ضد المليشيا له معاني عسكرية، لكنها تبقى رهن الظروف الجديدة التي سيعمل بها في قادم الايام.
المنطقة العسكرية الاولى
بالنسبة للمنطقة العسكرية الأولى فقد نالها التغيير في رأس هرمها، سواء في القيادات التي تمت إقالتها، أو تلك التي عينت حديثاً، حيث تم تعيين العميد ركن صالح محمد طيمس قائداً لها اضافة الى توليه قيادة اللواء 37 مدرع وترقيته الى رتبه لواء، خلفا للواء الركن عبدالرحمن الحليلي، اضافة الى تعيين العقيد ركن احمد حسين الضراب رئيساً لأركان المنطقة و ترقيته الى رتبة عميد.
بالنسبة لطميس فينتمي الى محافظة ابين، وجاء الى منصبه من داخل الضباط الذين كانوا محسوبين على الفرقة الاولى مدرع سابقا، اما الضراب فينتمي الى محافظة إب (معلومة غير مؤكدة)، وجاء تعيينه خلفاً للعميد الركن عبد الكريم قاسم الزومحي الذي أقيل من موقعه، وعين نائباً لمدير دائرة العمليات الحربية في القوات المسلحة.
التعيين في المنطقة العسكرية شمل ايضا تعيين العميد فهمي حاج محروس الصيعري قائداً للواء 11 حرس حدود، والصيعري احد القيادات المعروفة باعتدالها، ويصنفه البعض على التيار السلفي.
وتتخذ المنطقة العسكرية الاولى من سيؤون (شمال محافظة حضرموت) مقراً لها، وبالنظر الى طبيعتها العسكرية فتنتمي الى القوات البرية في اليمن، وفق التوزيع القتالي، وتتكون من سبعة ألوية قتالية، جميعها قوات برية، ما عدا اللواء 11 المصنف ضمن ألوية حرس الحدود.
وتعاقب على قيادة المنطقة اثنين من القيادات العسكرية السابقة، الاول اللواء الركن محمد عبدالله الصوملي الذي عين فيها في العاشر من ابريل 2013م، ويعد اول قادتها منذ تشكيلها، ثم خلفه اللواء الركن عبدالرحمن الحليلي الذي عين فيها في الـ12 من يوليو 2014م، وظل فيها حتى إقالته، وتعيين طيمس.
عُرف الحليلي بولائه للشرعية، واخلاصه لها، وكان يمثل في قيادتها ميزانا تلتقي فيه كل اطياف حضرموت كونه من خارجها، غير أن البعض يوجه له أصابع الاتهام بالتهاون تجاه نشأة الجماعات المسلحة وعدم قدرته على ضبط الفوضى التي اندلعت فيها.
ويعد الحليلي الوحيد من بين القيادات العسكرية التي شملتها القرارات الاخيرة ولم يسند له أي منصب عقب إقالته، فاللواء الركن عبدالرب الطاهري جرى تعيينه ملحقا عسكريا في روسيا، واليافعي حل مكانه في هيئة الاركان، ومثلهم قادة آخرون جرى نقلهم الى أماكن أخرى، بينما لم يعرف بعد مصير اللواء الحليلي.
نطاق المنطقة العسكرية الاولى يشمل سيؤون و والخشعة والعبر وثمود ورماه، ولم يسبق لهذه المنطقة أن خاضت أي مواجهات عسكرية كالمنطقة الاولى، لكن وجود القاعدة هناك يعد التحدي الاول الذي ستواجهه قيادة هذه المنطقة ومنتسبيها.
دلالات اخرى
توحي القرارات الجديدة بأن خطوة وشوطاً كبيرا تم قطعه في سياق بنية الجيش الوطني، فخمسة من سبع مناطق عسكرية (من الاولى حتى الخامسة) باتت تحت قبضة الشرعية، ولم يتبقى سوى منطقتين تحت سيطرة المليشيا الانقلابية، وهي المنطقة العسكرية السادسة التي يقع مقرها الرئيس في محافظات عمران، وتشمل محافظات عمران وصعدة والجوف، والمطقة السابعة التي تشمل محافظات ذمار والبيضاء وصنعاء وإب.
وبالنسبة لهذه الترتيب في المناطق العسكرية السادسة فيعني انتصارا للشرعية بحد ذاته، بحكم ان ترتيب المناطق العسكرية السبع تم تحت قيادة هادي على ضوء هيكلة الجيش التي قضت على نفوذ صالح، واعادت ترتيبه خارج الأنسقة التي اعتمدها صالح طوال سنوات حكمه.
وبالتالي فإن هذا الترتيب يوحي بالاستعداد لمعركة قادمة يكون الجيش الوطني وجاهزيته القتالية في صدارة الاهتمام.
كما أنه يأتي متسقا مع العديد من الترتيبات الامنية في عدة محافظات، اضافة الى تعيينات في السلطة المحلية، والدبلوماسية اليمنية، ومن قبلها استيفاء تشكيلة الحكومة.
وتشير طبيعة القرارات الى أنها جاءت على ضوء توافق انسجامي بين رئيس الجمهورية ونائبه الفريق الركن علي محسن الاحمر، و خرجت الى حيز الوجود بفعل التطورات التي فرضتها الظروف الراهنة وتطورات الملف اليمني سياسيا وميدانيا.
على الناحية الميدانية تعد المنطقة العسكرية الرابعة هي الاكثر حساسية، بسبب الواقع الميداني والجغرافي الذي تمتد في نطاقه، وقد لقي احد قادتها حتفه اغتيالا، كما تعرض اليافعي خلال فترة عمله الى أكثر من محاولة اغتيال، وبالتالي فميدان الصراع القادم سيكون في هذه المنطقة، وسيكون امام قائدها الجديد العديد من الملفات الشائكة والمرحلة.
لكن تبقى الآمال في خانتها، ووحدها الحقائق والنتائج هي التي ستثبت قيمة تلك القرارات من عدمها.