يتخذ الصراع في اليمن منحى آخر، خاصة بعد استهداف الانقلابيين للمدمرة الأمريكية "يو إس إس ماسون"، للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع.
ويهدف الانقلابيون من هذا التصعيد الذي يحمل البصمات الإيرانية، إلى توجيه الأنظار إليهم، بعد تضييق الخناق عليهم في مختلف الجبهات على الأرض، لكنه أيضا يزيد من حجم الضغوطات عليهم، بتهديدهم للملاحة البحرية التي تمر عبر هذا المضيق، ما يعني أن الدول ستسعى للقضاء على تهديدهم، إذ سترتفع تكلفة تأمين السفن ونقل البضائع وموارد الطاقة.
وفي الوقت ذاته يشكل هذا التصعيد خطرا على اليمن، كونه يفتح الباب أمام التدخل الأمريكي المباشر فيها، وسحب البساط بالتدريج من تحت أقدام التحالف العربي، بحجة حماية مصالحهم في الممر الملاحي الدولي المهم، الذي يمر عبره ما يربو على 4.7 ملايين برميل نفط خام يوميا، تمثل نحو 5.4% من إجمالي إنتاج العالم من الذهب الأسود، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وكذا ما نسبته 57% من النفط الذي تصدره الدول العربية، وأبرزها دول الخليج الغنية بالنفط، بالإضافة إلى 12% من إجمالي التجارة الدولية التي تمر عبر قناة السويس.
وسيكون التحرك الأمريكي بما يلبي مصالح دولة الكيان الصهيوني، التي تسعى إلى كسر العزلة حولها، وتأمين حركة سفنها في الممرات المائية، أبرزها مضيق باب المندب المرتبط بقناة السويس المهمة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، فتل أبيب سبق وأن خاضت تجربة قاسية عانت منها عام 1950 حين اتفقت المملكة العربية السعودية ومصر على تقييد ملاحتها، بسيطرة الأخيرة على مدخل خليج العقبة، وجزيرتي تيران وصنافير، فضلا عن إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة بشكل جزئي في حرب عام 1973، وهو الدرس الذي تحفظه جيدا، وتسعى لكي لا يتكرر ثانية.
كما يشكل خطرا على التحالف العربي، إذ يمكن أن يفتح هذا التصعيد بوابة للمواجهة الإقليمية المباشرة بين التحالف وإيران، خاصة أن الأخيرة ستمتلك الحق بالدفاع عن مصالحها في الممر الدولي التي تعد اليمن أحد المشرفين عليه، بحجة مكافحة القرصنة أو حماية مصالحها وتأمين سفنها التي تمر عبر المضيق، ما يعني أن أمد الحرب سيطول في اليمن، وسيزداد الوضع تعقيدا مع توسع رقعة الصراع.
وتلوح في الأفق بوادر لذلك التدخل الإيراني الذي بدأ بطريقة غير مباشرة، بتأكيد وزير الثروة السمكية فهد كفاين، اليوم الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، بوجود 40 سفينة إيرانية على بعد خمسة أميال من السواحل اليمنية، وهو الأمر الذي عدّه الوزير أنه" تحرش واستفزاز غير مقبول".
كما يمكن أن تتوسع رقعة المواجهات الإقليمية، وتدخل مصر في حلبة الحرب الطاحنة التي تلتهم البلدان العربية، بلدا تلو آخر، إذ يعد باب المندب المدخل الجنوبي لقناة السويس الاستراتيجية بالنسبة للقاهرة، إذ بلغت إيراداتها في 2013 ما يقارب 5 مليارات دولار أمريكي, كما أن هناك مساع مستمرة لتوسعة القناة لتحقيق أكبر عائد منها لمصر، لكن يبقى السؤال حول شكل رد فعلها في حال تعرضت مصالحها للخطر، وفي أي اتجاه ستتحرك، هل سيكون بتكثيف دعمها للتحالف العربي؟ أم التحرك بشكل مستقل بما يضمن تأمين مصالحها.
وبالنظر إلى السياسية الخارجية الأمريكية الداعمة لإيران، وتغير خارطة التحالفات في المنطقة، يبدو أن الأمور تتجه نحو ترجيح خيار توسع رقعة الصراع، وهو ما يؤكده إصرار الانقلابين- الذي خسروا الكثير طوال أكثر من عام ونصف- على التصعيد وتهديد الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، واللعب بالورقة الأخطر في اللحظات الأخيرة، في محاولة لإطالة عمر انقلابهم، بإغراق البلد في دوامة صراعات إقليمية لن تنتهي، خاصة مع تحول أنظار دول العالم إلى القارة السمراء، وتحديدا القرن الأفريقي الذي سيكون ساحة صراع وتقاسم بدأت تتشكل ملامحه مؤخرا.
ويشكل مضيق باب المندب أهمية كبيرة جعل اليمن محل أطماع عديد من الدول عبر التاريخ، إذ يتحكم بالتجارة العالمية بين ثلاث قارات هي(آسيا، أفريقيا، أوروبا)، كما يربط بين المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، ويعد ممر لنقل نفط المنطقة إلى الأسواق العالمية، ويفصل بين الجزيرة العربية وأفريقيا، ويشكل كذلك أهمية لإيران التي تسعى لأن يربطها بذراعها في اليمن" الحوثيين" ممر مائي، يمكنها عبره من تهريب الأسلحة إليهم، كما تسعى إيران للحصول على موضع قدم في البحر الأحمر لتوسيع نفوذها، فبامتلاكها للنفوذ في مضيق هرمز إضافة إلى باب المندب، يمكنها أن تتحكم بتجارة المنطقة، والنفط الذي يعد عصب الحياة بالنسبة لدول الخليج العربي في الوقت الراهن، خاصة أن ما نسبته 57% من النفط يتم تصديره من الدول العربية عبر هذا المضيق.
ونظرا لأهمية باب المندب البالغة، سعى الانقلابيون في اليمن ومنذ بداية الحرب، للسيطرة على الشريط الساحلي للبلاد، ليكون مضيق باب المندب خاضعا لسيطرتهم، والورقة التي يمكن أن يهددوا بها دول العالم في التوقيت المناسب، على الرغم من عدم امتلاكهم للقوة اللازمة لفعل ذلك، لكن أهمية الممر المائي الاستراتيجي، تجعل أي عود كبريت يمكن أن يشعلوه، ينتج نارا تلتهم ما حولها وبسرعة، وتكشف عن شهية العديد من الدول التي تحرص على التوسع.
يذكر أن العلاقات العربية الإيرانية تشهد توترا ملحوظا، تزايد مؤخرا بعد إسقاط الانقلابيين للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة لدعم الشرعية في البلاد في مارس/آذار 2015.