[ الحوثيون وتوطين مادة الدقيق وحبوب القمح ومنع الاستيراد ]
اتخذت جماعة الحوثي قرار منع استيراد مادة "الدقيق الأبيض" عبر موانئ الحديدة، الخاضعة لسيطرة الجماعة، الأمر الذي أثار الجدل بين أوساط اليمنيين، في بلد يعتمد على آلية الاستيراد بنسبة أكثر من 90 بالمئة لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع التموينية.
وتداولت وسائل إعلام محلية تعميما صادر عن وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار -في حكومة الجماعة بصنعاء (غير المعترف بها) الأربعاء، يقضي بمنع استيراد مادة "الدقيق" عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرتها.
ودعا التعميم الصادر عن إدارة العمليات المركزية في الوزارة، الشركات الملاحية إلى التزام بالقرار وعدم شحن أي كمية من الدقيق عبر ميناء الحديدة والصليف، في إطار ما أسمته "التوجه العام لتوطين الصناعات المحلية.
وبرر التعميم هذا الإجراء بهدف "حماية المنتجات الوطنية"، في الوقت الذي لا توجد بدائل حقيقة لتغطية احتياجات السوق المحلية، وهو الأمر الذي من شأنه رفع أسعار الدقيق وخلق أزمة جديدة بمناطق سيطرة الحوثيين.
وفي وقت لاحق أوضحت وزارة الاقتصاد التابعة للجماعة أن التعميم يخص مادة "الدقيق" الخاصة بصناعة الأسمنت، وليس مادة الدقيق الأبيض، فيما أكد خبراء اقتصاد في صنعاء أن الوزارة تعمل على دراسات لتوطين المنتج المحلي، حد الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة والحبوب.
القرار بين السلب والايجاب
ويعد ميناء الحديدة الميناء الرئيس في مناطق سيطرة الحوثيين، الذي يمد هذه المناطق بوارداتها من المواد الغذائية والتموينية والمشتقات النفطية، وهي المناطق التي يقطنها أكثر من 70% من السكان.
واستقبل ميناء الحديدة أكثر من 7.3 ملايين طن متري من الوقود والغذاء خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وفقا لتقارير أممية.
بين السلب والإيجاب توالت ردود أفعال خبراء اقتصاديين استطلع رأيهم "الموقع بوست" بشأن تلك القرار، منهم من يرى أن القرار سلبي محذرا من أزمة جديدة تفتعلها الجماعة يتحملها المواطن المسكين بارتفاع أسعار الدقيق القمح معا، لعدم وجود بدائل محلية.
فيما يقول آخرون أن ذلك القرار إيجابي، حيث كان التجار يعتمدون في السابق على استيراد كميات الدقيق الأبيض الجاهزة لتعبئتها وتوزيعها داخل البلاد، ومن المؤمل أن يدفع القرار بتجار استيراد الدقيق إلى الاستثمار داخل اليمن في إنتاج وزراعة القمح وإنتاج دقيق محلي.
خلق أزمات هروبا من أي استحقاقات
وفي هذا السياق حذر الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي، محمد الجماعي، من أزمة جديدة يفتعلها الحوثيون، في بلد يعتمد على آلية الاستيراد بنسبة أكثر من 90% لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع التموينية.
في حديث لـ "الموقع بوست" يقول الجماعي إن "قرار الحوثيين منع استيراد مادة الدقيق سيفاقم من تعقيدات الأزمة الإنسانية في البلاد التي تعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة".
وحسب الجماعي فإن الجماعة مصالحها قائم على الأزمات، فهي تشعر بحصار حاليا، وهذا القرار ذريعة وتهربا من أي استحقاقات، وقال "هكذا كلما شعرت أن الناس مكتفيين قامت تبحث لها عن أزمات".
وأكد أن القرار سيضاعف ارتفاع أسعار دقيق القمح كثيراً في مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي سيفاقم من حجم الأزمة الإنسانية، خصوصاً بعد إعلان عدد من المنظمات الإغاثية إيقاف مساعداتها لليمن.
تشجيع وتوطين الإنتاج المحلي
الصحفي والخبير الاقتصادي، رشيد الحداد، قال إن "وزارة الصناعة في صنعاء منعت استيراد القمح مطحونا، ليس لأن البلاد وصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، بل استيراده حبوبا، نظرا لوجود العديد من المطاحن في الداخل وهي التي طالبت بهذا القرار".
في حديث لـ "الموقع بوست" أضاف الحداد أن القرار جاء بناء على دراسات أكدت أن هناك اكتفاء ذاتي من مادة الدقيق، وهذه المادة الاستراتيجية الهامة إلى جانب القمح كانت تستورد بكميات كبيرة جدا وتصل عبر ميناء الحديدة، وتبين أنه منذ عام 2017 وحتى العام الماضي 2024 كان معدل استهلاك الدقيق يتجاوز 70 بالمئة من اجمالي الاستهلاك، خاصة بما يتعلق باستهلاك الدقيق أو الحبوب".
ويرى الحداد أن "زيادة استيراد التجار لمادة الدقيق رفع نسبة الاستهلاك لهذه المادة، الأمر الذي سبب نوعا من الكساد للإنتاج المحلي الذي تقوم به خمسة مطاحن تابعة للقطاع الخاص، وفقا لبرنامج التوطين الذي تعتمده وزارة الاقتصاد والتنمية في صنعاء منذ أشهر، والذي يتضمن منع استيراد كميات جديدة من الدقيق من الخارج".
وأردف "صحيح أن القرار سيفقد الكثير من التجار مصادر دخلهم أو عمليات الاستيراد التي كانوا يقومون بها، لكن في نفس الوقت سيخفض من فاتورة الواردات من جانب ومن جانب آخر سيعزز الإنتاج الوطني لهذه المادة الاستراتيجية".
وأفاد أنه لن يكون هناك أي اعتراض في السوق لهذا القرار، خاصة أن هذا القرار جاء وفقا لدراسات، وكان للقطاع الخاص مطالبه باستيراد الدقيق بشكل كبير، لكن الأهم هو تشجيع وتوطين الإنتاج المحلي.