[ الكاتب الكويتي محمد الرميحي ]
قال الكاتب الكويتي المعروف الدكتور محمد الرميحي ان تطورات اليمن الأخيرة وصلت إلى السيناريو الأسوأ، وسارت الامور فيها الى طريق مسدود رغم كل الجهود الدبلوماسية العربية التي وضعت لإنقاذ ما تبقى من الدولة في اليمن في الأشهر الأخيرة.
وارجع الرميحي في مقاله الاسبوعي بجريدة الشرق الاوسط اللندنية ان الوضع في اليمن يرتكز على حقيقتين؛ الأولى أن الدولة العميقة في اليمن، التي رعاها صالح لفترة تزيد على ثلاثة عقود، قد قررت أن تقوم بثورة مضادة، بعد رفض الشعب لكل ما يمثل صالح من حكم، والثانية أن الطريقة التي تم بها إجهاض الثورة الشعبية هي في تمكين فصيل مسلح له ارتباطات خارجية للقيام بالعمل الشائن (الاستيلاء بالقوة على مؤسسات الدولة).
وقال بأن تلك الثنائية سلمت الأمر بطبيعة الحال في اتخاذ القرار لمن يناصرها، وهي طهران.
وأكد أن القرار يتخذ اليوم في صيرورة اليمن من «طهران» وليس الحوثي او المخلوع صالح، موضحا ان طهران لا يهمها الدم اليمني أو وحدة اليمن، و "المهم لديها إشاعة أكبر قدر من عدم الاستقرار في المنطقة.
وعن محادثات الكويت قال الرميحي ان العمل السياسي فيها اختلط بـحُسن النيات من جهة، و«ضُغوط دولية» من جهة أخرى.
وأردف: طهران لا تريد الوصول إلى توافق يمني، وليس لديها مانع أو رادع من استنزاف العرب، وخصوصًا دول الخليج، في حرب طويلة، إن كان ذلك يحقق لها أهدافها، وهي إضعاف المقاومة في الضفة الغربية من الخليج، وإن أمكن استعداء دول الغرب لما ينتج من آثار الصراع الجانبية في وقوع ضحايا مدنيين!.
واعتبر الرميحي الإعلان «المتردد» عن إقامة مجلس سياسي لإدارة البلاد له صلاحيات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وإدارية واجتماعية واسعة، يعني حكم اليمن «بالتناوب» بين جماعة الثورة المضادة وفصيل مسلح تابع للخارج.
وقلل الكاتب الكويتي من المشاورات مع الانقلابيين، ورجح أنها لن تخرج بشيء ملموس، بسب ان قراءة طهران لهذه الفترة من الزمن هي قراءة المنتصر في الساحات المجاورة، وضعف في المواقف الدولية، وانحسار للدخل الوطني الخليجي، ولذلك فلن تألو جهدًا في وضع العراقيل، من خلال حلفائها، أمام الوصول إلى أي نتيجة تفاوضية معقولة لصالح الشعب اليمني، وفق تعبيره.
وقال الرميحي ان الحكومة الشرعية تفتقد للقدرة إلى المبادرة والمناورة، واكد ان تحالف علي صالح - الحوثي يشكل أقلية في اليمن، أما الأكثرية فهي إما معطلة أو صامتة، أو مأخوذة بشعارات مزيفة، وطالب بأهمية أن ترسم استراتيجية جديدة في الشأن اليمني، تشارك فيها الشرعية اليمنية والتحالف العربي، مع مشاركة وتمثيل واسعين من النخب اليمنية، وخصوصًا الشباب بشكل واضح وجلي.
واقترح الرميحي ان تقوم تلك الاستراتيجية على الاعتماد على قوى الشعب اليمني وتفعيل دور الاعلام المساعد، اضافة الى تحقيق نصر على الارض ضد المليشيا الانقلابية من خلال تعبئة شاملة لكل القوى اليمنية الحديثة والتقليدية، والمهمة هي «إنقاذ اليمن» من الوقوع تحت «الاحتلال الإيراني» من خلال مجموعة عملاء لهم مصالح ذاتية ومحدودة، وتحقيق انتصار لا أقل منه «استعادة صنعاء» باستثارة أهلها من الداخل، مع مساعدة لوجيستية من الخارج، يسهل طريق التفاوض ويقرب نهاية الصراع.
كما حث على أهمية التعويل على أوسع تشاور دبلوماسي عالمي، لشرح التدخل الإيراني في اليمن وآثاره الكارثية، ففي ظل تفاقم الصراعات الدولية.
وقال الرميحي ان اعلام تحالف صالح - الحوثي بواسطة ماكينة حزب الله اللبناني وأموال طهران، نجح جزئيا في أن يبيع القضية للآخرين على أنها حرب استقلال جديدة!.
وانتقد الرميحي الشرعية اليمنية وقال بأنها تنتقص الذراع الإعلامية الفعالة، الممزوجة بشعارات وطنية حقيقية، تعبر عن رغبة الجمهور اليمني الواسع في دولة مدنية حديثة عادلة ومستقلة.
وكشف بأنه قدم النصيحة تلو الأخرى لقيادة الشرعية في اليمن ونبهها إلى أهمية تبلور تلك الاستراتيجية الإعلامية وتفعيلها، بخلق «الكتيبة الإعلامية» المدربة، ومَدها بكل الإمكانيات المتاحة الفنية والمادية كي تقوم بعملها المطلوب، إلا أن الاهتمام لم ينصب على ذلك الجهد، وقد اكتُفي بما هو موجود من نشاط إعلامي تقليدي.
وذكر ان الشرعية ينقصها الخروج من الفهم التقليدي للصراع، فهو ليس صراعًا على مناصب أو حتى صراعًا على برامج تهم الشعب اليمني برمته، ولا حتى على شرعية ديمقراطية، وأوضح بأنه صراع على استقلال اليمن أو إلحاقه بدولة أجنبية واختطاف ثورته الشعبية! فاليمن إما أن يكون مستقلاً بعيدًا عن هيمنة طهران، أو يقع في حبائل شبكة طهران، التي تلقي بظلالها على المنطقة ككل.
وقال الرميحي أن الأعمال السياسية التي يتراكض عليها تحالف «صالح - الحوثي» هي إشارات ضعف، يراد بها «الاستفزاز السياسي» أكثر مما هي أعمال مغيرة للواقع على الأرض، واشار الى أن مشروع صالح - الحوثي هو مشروع نكوصي ليس تاريخيًا، و يسير ضد التاريخ.
وطالب الرميحي الدبلوماسية اليمنية بالسعي بكل جهد لشرح فكرة أن الثمن الذي يدفع الآن من الجهد العالمي لنزع فتيل الأزمة اليمنية وردع إيران من التدخل، هو ثمن بسيط، مقارنة بالأثمان التي يمكن أن تدفع في المستقبل، في حال تحول اليمن إلى «دولة فاشلة» تعيث فيها أشكال الميليشيات من كل حدب وصوب فسادًا، وتصبح «ملاذًا آمنًا» للتدريب من أجل تصدير الإرهاب إلى دول العالم. وقتها يكون الشيطان قد فلت من عقاله!.
واختتم مقاله بالقول: معركة اليمن هي معركة حضارية، بين قوى تريد عودة الماضي واهمة، وقوى ترغب في استقبال الشروق آملة، عادة ينتصر الأمل على الوهم.