[ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان ]
ألقى التوتر في مياه الخليج العربي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بظلاله على الأزمة اليمنية وطبيعة تدخل التحالف السعودي الإماراتي فيها، وبدت مؤشرات ذلك في تصريحات وتحركات لمسؤولين من الدولتين خلال الأيام القليلة الماضية، تلمح جميعها إلى إمكانية قبول حكام الدولتين بالحل السلمي في اليمن والتحاور مع الحوثيين والقبول بهم كشركاء في العملية السياسية في اليمن، بشرط أن لا يهددوا أمن الدولتين.
لا تبدو مثل هكذا تحولات سلبية بشأن إدارة التحالف للأزمة اليمنية بالأمر الملفت، بل فقد كان مآل الأزمة متوقعا منذ وقت مبكر، بالنظر إلى أجندة السعودية والإمارات في اليمن، والتي بدت ملامحها بالبروز منذ الأشهر الأولى لعملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وتحرير بعض المدن اليمنية، تتمثل هذه الأجندة في سعي الدولتين إلى تمزيق وإنهاك اليمن والقضاء على كل معالم "الدولة" و"الشعب" من خلال تشكيل مليشيات مسلحة بدائية تحمل ثقافة "ما قبل الدولة"، وتزيد من حدة الخلافات بين أبناء المجتمع وتفكيكه إلى مكونات قبلية ومناطقية ومذهبية وعائلية متناحرة.
سلام أم استسلام؟
انتهى زمن التصريحات العنترية لقادة السعودية والإمارات منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" بشكل مفاجئ منذ أول لحظة للتصعيد الأمريكي-الإيراني في مياه الخليج، خاصة بعد تهديد إيران بأن مضيق هرمز لن يكون آمنا لعبور ناقلات النفط والتهديد بإغلاقه، ثم تعرض بعض ناقلات النفط لـ"أعمال تخريبية" بالقرب من مضيق هرمز، وأخيرا أزمة احتجاز ناقلات النفط المتبادل بين إيران وبريطانيا، فضلا عن استمرار الحوثيين في قصف منشآت مدنية سعودية بواسطة طائرات مسيرة، والتهديد بأن المدن الإماراتية لن تكون بمنأى عن القصف.
وأمام هكذا تطورات، وجدت السعودية والإمارات نفسيهما أمام تحديات كبيرة لا تقويان على مجابهتها، فبرغم تحالفهما مع الغرب، وامتلاكهما أسلحة حديثة ومتطورة، إلا أن الافتقاد للخبرة العسكرية، والاقتصاد الريعي الهش القائم على صادرات النفط، فضلا عن فشلهما العسكري في اليمن، كل ذلك جعل الدولتين تفضلان الميل للتهدئة، وهي تهدئة -إذا تمت- ستكون مقابل تنازلات تقدمها الدولتان في اليمن وغيرها، وهو ما يعني الهزيمة أمام إيران ومليشياتها في المنطقة.
الموقف الإماراتي
وبما أن تعقيدات الصراع في اليمن وتعقيدات أزمة إيران مع الخليج والمجتمع الدولي متشابكة في أكثر من ملف، فإن ذلك جعل الصفقات والعروض السخية تتم من وراء ستار وبتكتم شديد، قبل أن ينكشف ذلك على الملأ، ولعل أبرز نموذج في هذا السياق الانسحاب الإماراتي المفاجئ من بعض جبهات الحرب في اليمن.
ورغم أن دولة الإمارات وصفت ذلك فيما بعد بأنه "إعادة انتشار"، وأنها ستظل باقية في اليمن، إلا أن مستشار وزير الدفاع الإيراني كان أكثر صراحة عندما فضح خفايا الانسحاب الإماراتي من بعض الجبهات عندما قال: "الإمارات أوفدت إلينا أشخاصا يتحدثون عن السلام وهذا سببه فشلهم الذريع إقليميا"، لكنه لم يفصح عن مزيد من المعلومات، ومن المؤكد أن التصرف الإماراتي كان دافعه المخاوف الكبيرة من تبعات أي مواجهة عسكرية في منطقة الخليج بين إيران والولايات المتحدة، والخشية من تعرض مدنها الرئيسية لهجمات تنسف مبانيها الزجاجية، وتأثير ذلك على اقتصادها، ومن هنا كان البحث عن "سلام خفي" مع إيران بعيدا عن أعين السعودية، وهذا السلام يقتضي تنازلات ميدانية ولو من طرف واحد.
من جانبه، كشف نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، عن وجود قنوات تواصل سرية بين جماعة الحوثي ودولة الإمارات لبحث مسألة الانسحاب من اليمن.
وقال قاسم خلال لقاء مع قناة الميادين اللبنانية، الأربعاء الماضي، إن "هناك لقاءات تحصل بين مسؤولين إماراتيين وآخرين من الحوثيين، لتنظيم خطوات لاحقة للانسحاب من اليمن".
أما الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام، فقد قال إن استهداف جماعته للمطارات في المملكة العربية السعودية أحد أسباب انسحاب القوات الإماراتية من اليمن.
وأكد عبد السلام في حوار مع تلفزيون "روسيا اليوم"، الأربعاء الماضي، أن جماعته ستستمر في استهداف المنشآت الحيوية في السعودية وكذلك العمق الإماراتي ما لم يتوقف ما أسماه "العدوان".
وتابع ناطق الحوثيين قائلا: "بالفعل هناك تراجع للقوات الإماراتية، نحن نشجع الخطاب الإماراتي مؤخرا.. توقفنا عن استهداف الإمارات منذ اتفاق السويد بعد توقفها عن التصعيد في الساحل الغربي".
الموقف السعودي
لم يكن البحث عن سلام مع الحوثيين رغبة إماراتية فقط، ولكنه أيضا رغبة سعودية، ويتضح ذلك من خلال تصريح المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، قبل أسبوع، الذي أكد أن بلاده لا تريد حربا مع إيران، وأن الوقت حان لأن تضع الحرب في اليمن أوزارها، وإنهاء حقبة الحوثيين.
وأفاد السفير السعودي في تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين بمقر الأمم المتحدة بنيويورك بأن "السعودية لا تريد حربا مع إيران سواء في اليمن أو في أي مكان آخر".
وكشف أن "هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة"، مطلع يونيو الماضي، دون مزيد من التوضيح.
وقال المعلمي إن بلاده على استعداد للدبلوماسية في التعامل مع إيران، مستدركا بالقول: "لكن ذلك يحتاج إلى أرضية مشتركة".
نتائج الفشل
تبدو اليوم السعودية ودولة الإمارات في موقف ضعف أمام عنتريات إيران ومليشياتها الطائفية في المنطقة، بعد خمس سنوات من التدخل العسكري في اليمن بذريعة القضاء على الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية وقطع يد إيران في اليمن، غير أن مآلات خمس سنوات من الحرب كانت عكس ما أعلن عنه تماما، فلا الانقلاب تم القضاء عليه، ولا السلطة الشرعية عادت، بل فقد تم منعها من العودة للبلاد، ويبدو أن إيران هي من ستقطع يد السعودية والإمارات من اليمن، ما لم تحدث مراجعات في سياسات الدولتين تفرض عكس ذلك.
تدخلت السعودية والإمارات في اليمن وهما مثقلتان بهواجس ومخاوف ما بعد ثورات الربيع العربي، مما أثر كثيرا على مسار الأزمة وطريقة إدارتها، بينما التدخل الإيراني في اليمن ومختلف بلدان المشرق العربي يأتي بدوافع توسعية بهدف استعادة الإمبراطورية الفارسية في مناطق رخوة، وبدافع ثأر تاريخي من العرب الذين دمروا الإمبراطورية الفارسية أثناء حركة الفتوحات الإسلامية.
وهنا يتضح الفرق بين حكام يفكرون بعقلية إمبراطورية وآخرين يفكرون بعقلية بدوي الصحراء الذي يهمه مصلحته الشخصية ولا يعرف كيف يحققها أو يحافظ عليها، وهو ما يتضح من خلال ممارسات السعودية والإمارات في اليمن، فبدلا من قطع يد إيران فيها، فإنه يتم إفراغها من قوتها الذاتية وتفتيتها، بما قد يؤدي إلى تسليمها لإيران على طبق من ذهب، بعد أن تم تسليمها لبنان والعراق وسوريا، ودفع سلطنة عمان وقطر والكويت وبلدان أخرى إلى "المنطقة الرمادية" في الصراع الطائفي في المنطقة.