[ قصفت إسرائيل الحديدة للمرة الثانية ]
للمرة الثانية تعاود إسرائيل غارتها على محافظة الحديدة (غرب اليمن) في أقل من ثلاثة أشهر، غير أن الفارق يبدو واضحا بين الهجمتين، من عدة نواح.
جاء الاستهداف الأول للحديدة في يوليو من العام الجاري ردا على قصف صاروخي لجماعة الحوثي، تسبب بخسائر بشرية ومادية داخل إسرائيل، وكان ذلك دافعا كافيا لها لتنفيذ ضربة خاطفة، لكنها موجعة لجماعة الحوثي في الحديدة، وتعد أولى هجمات إسرائيل المباشرة في اليمن.
أما الضربة الثانية فجاءت بعد ضربة جديدة للحوثيين على تل أبيب، لكنها لم تحدث أي خسائر، غير أن توقيتها كان هو ذو الدلالة الحقيقة، وذلك أنها انطلقت بعد ساعات من تأكيد اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، وأطلقتها إسرائيل في ذروة احتفائها بعملية الاغتيال، ونفذتها بعد ساعات قليلة من توعد وزير دفاعها بتوجيه هجمة للحوثيين.
تلتقي تلك الضربات عند غاية واحدة، وهي النيل من جماعة الحوثي، وتتفق في كونها تركزت على محافظة الحديدة، المدينة الساحلية، التي وقع على مقربة من سواحلها عدة هجمات بحرية نفذها الحوثيون لسفن تجارية، أغلبها مرتبط بإسرائيل، وكذلك مهاجمتهم لعدة سفن، واشتباكهم مع مدمرات أمريكية وأوروبية.
الضربات الإسرائيلية على الحديدة تركزت على ذات الأهداف التي سبق للتحالف السعودي الإماراتي استهدافها، وكذلك التحالف الأمريكي البريطاني، وكل هذه الأطراف تعتبرها أهدافا عسكرية مشروعة، لكنها في حقيقة الأمر تمثل مواقع حيوية خدمية مرتبطة بحياة السكان، وليس من المستبعد هنا استخدامها من الحوثيين عسكريا، مثلما ليس من المستبعد أن يكون تنفيذها يهدف لزيادة النقمة الشعبية على الحوثيين، وهي تعكس أيضا طبيعة الرد الإسرائيلي القائم على ضرب أهدافا خدمية، وبشكل أعمى وحاقد، ولعل ما يجري في غزة مثالا على هذا.
دلالة هجمات الحديدة
تشير هذه العودة للهجمات الإسرائيلية على الحديدة إلى أن تل أبيب وضعت اليمن بشكل عام، وجماعة الحوثي بشكل خاصة ضمن قائمة أهدافها، في إطار ما تسميه مواجهة إيران في المنطقة، وهذا هدف لا تخفيه إسرائيل، ويتسق مع توجه حلفائها من العرب، خاصة السعودية والإمارات، وكذلك الحكومة اليمنية الموالية للرياض، التي لم يصدر عنها أي موقف حتى كتابة هذه المادة تجاه عودة الغارات الإسرائيلية على الحديدة.
ومن الواضح أن انتشاء إسرائيل بتوجيه ضربات حاسمة ومؤثرة لحزب الله وقيادته في لبنان قد أغراها أكثر لتوجيه عمليات مماثلة لجماعة الحوثي في اليمن، وتستغل تل أبيب هذا الزخم، لمواجهة جماعة الحوثي، التي مثلت هجماتها البحرية في البحر الأحمر، والجوية ضد إسرائيل صداعا مزمنا لأمريكا والاتحاد الأوروبي، ويرغب الجميع في التصدي لها، واحتوائها، أو تدميرها، ومن الجدير بالإشارة هنا أن هجمات إسرائيل الأخيرة على الحديدة كانت تحت علم ونظر القوات المركزية الأمريكية، ما يشير للتنسيق والتفاهم بين الجانبين.
الرد الإسرائيلي في اليمن، لايزال موجها لما تعتقده تل أبيب وحلفائها أنها أهداف عسكرية لجماعة الحوثي، ولذلك استهدفت الضربتين الحديدة، ولم تخرج عن نطاقها، على عكس الغارات التي ينفذها التحالف الأمريكي البريطاني خارج الحديدة.
وذلك ربما يشير للعديد من التكهنات، فإما أن إسرائيل تكتفي بإيصال رسالتها بأنها قادرة على الوصول للحوثيين، وتكتفي بإنذارهم عبر تلك الهجمات، أو أنها تفتقر للمعلومة عن تحركات جماعة الحوثي وقيادتها في اليمن، وبالتالي لم تتمكن من توجيه ضربات موجعة لهم، واستهداف قيادتهم على غرار ما تعرض له حزب الله، وللتذكير هنا ينصح كاتب في إحدى الوسائل العبرية قيادة جيش إسرائيل بالبدء في معرفة الواقع الذي تديره جماعة الحوثي، ومناطق سيطرتها، وجمع المعلومات لبناء المواقف، وهذا ينطلق من شعور إسرائيل بندرة المعلومات الميدانية لها في اليمن، الذي تخوض معه هذه المواجهة المسلحة لأول مرة، ويبعد عنها أكثر من 1800 كيلو متر.
إن وتيرة مهاجمة إسرائيل للحوثيين في اليمن سترتفع في قادم الأيام، وذلك على ضوء مؤشرين، الأول استغلال إسرائيل لما يجري في المنطقة من صراع لحسم المعركة في مختلف الاتجاهات، ومع كل الأطراف التي تصنفها معادية، وذلك لتحقيق أكبر انتصار ممكن، وتحقيقا لما تصفه بالشرق الأوسط الجديد.
أما المؤشر الثاني فيتمثل بعدم وجود أي مؤشرات للتنازل أو التراجع من قبل جماعة الحوثي، وإصرارها على الرد ومعاقبة إسرائيل، وفقا لتصريحات قيادة الجماعة، ومكوناتها السياسية، وتوعدها بتوجيه ضربات جديدة، وفي حال استمرت الجماعة بإطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، فإن ذلك قد يدفع تل أبيب لتوسيع بنك أهدافها في اليمن، ما يضاعف الخسارة داخل اليمن المنهك بالصراع والحرب، ويضاعف حجم المعاناة.
انعكاس اغتيال نصر الله
من المؤكد أن اغتيال حسن نصرالله يعد ضربة موجعة لإيران، وكافة الجماعات الملتحقة بها، في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وسينعكس هذا بالتأكيد على أداء تلك الجماعات الملتحقة بطهران، وتحتاج لوقت طويل لتعويض شخصية بحجم نصرالله، كانت محل إجماع بين كل تلك الجماعات.
ومثل لبنان بالنسبة لجماعة الحوثي مكانا في غاية الأهمية، ووجدت فيه عبر حزب الله مقرا لإدارة أنشطتها الحركية والإعلامية، وتأهيل أعضائها، ورسم سياستها، وإدارة العلاقة مع إيران، وتبادل الخبرات، ومنطلقا محوريا لتسيير أعمالها في اليمن، وبرزت هذه الاستفادة بوصول قيادات وعناصر من حزب الله إلى اليمن، وانخراطهم في أنشطة لصالح الحوثيين عسكريا وطائفيا.
ومن هذا المنطلق فإن اغتيال نصرالله، واضطراب الوضع في لبنان، والخسارة الكبيرة في حزب الله سيؤثر بالتأكيد على جماعة الحوثي في اليمن، وذلك من خلال فقدان الحوثيين لمركزا مهما يقدم لهم الدعم اللوجيستي الواسع، وكذلك بتحولهم ليصبحوا الهدف الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل وحلفائها، مما يجعلهم في رأس القائمة لاستهدافهم، وتوجيه الضربات المماثلة لهم.
التأثير الواسع
من المؤكد هنا أن التأثير في اليمن لن يكون فقط على جماعة الحوثي، بل سيتعدى ذلك إلى الإطار الأوسع، وذلك أن استهداف الحوثيين بالغارات المستمرة، أو دخولهم في قائمة الاستهداف الإسرائيلي سيولد تعقيدا إضافيا على ملف اليمن بشكل عام.
تبرز هذه التعقيدات في ملف السلام، خاصة إذا استمرت جماعة الحوثي في التصلب بموقفها، وسيؤدي هذا التصلب لتوقف عملية السلام التي كان يجري الإعداد لها منذ فترة طويلة بجهود أممية، بل وربما تؤدي لبدء تحالف عسكري محلي يناهض الحوثيين، خاصة من طرف الحكومة اليمنية المقيمة في عدن، والتي لم يصدر عنها أي موقف تجاه قصف الحديدة – كما أسلفنا – وبنفس الوقت يجري وزير دفاعها لقاءات مع مسؤولين في سفارات أمريكا وبريطانيا والهند والاتحاد الأوروبي مؤخرا.
هذا التحرك للحكومة اليمنية بدا منصبا على مواجهة الحوثيين عسكريا، واتضح ذلك من خلال الرسائل التي تضمنها خطاب رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير في نيويورك، وكذلك في حديث عضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي للصحافة الدولية، وجميعها ذهبت للتأكيد على أهمية مواجهة الحوثيين، وفشل خيار ضربهم جويا، والاستعداد لمواجهتهم بريا.