[ في العديد من البلدان حول العالم يقضي الأشخاص 40 ساعة في العمل أسبوعيا (بيكسابي) ]
عكفت دراسة جديدة على معرفة عدد ساعات العمل مدفوعة الأجر في الأسبوع التي يحتاجها الشخص للحفاظ على صحة نفسية جيدة، وتشير النتائج إلى أن أسابيع العمل الأقصر وعطلات نهاية الأسبوع الأطول قد تكون مفيدة أكثر.
وفي هذا الصدد، قالت ماريا كوهوت في تقريرها الذي نشره موقع "ميديكال نيوز توداي" إنه في العديد من البلدان حول العالم يقضي الأشخاص 40 ساعة في العمل أسبوعيا (عادة ثماني ساعات في اليوم)، ومع ذلك تكون أسابيع العمل أقصر في بعض البلدان.
فعلى سبيل المثال، يعمل الأشخاص في بلجيكا عادة لمدة 38 ساعة أسبوعيا (7.7 ساعات في اليوم) وذلك من الاثنين إلى الجمعة، في حين يبلغ عدد ساعات العمل في النرويج 37.5 ساعة في الأسبوع، ومع ذلك لا تتوانى الشركات في بعض بلدان العالم عن تجربة أسابيع العمل القصيرة، لمعرفة تأثير ذلك على إنتاجية الموظفين والشعور العام بالرفاه.
وأوردت الكاتبة أن إحدى الشركات في نيوزيلندا جربت نظام أسبوع عمل مدته أربعة أيام (32 ساعة) خلال عام 2018، وقد كانت النتائج إيجابية لدرجة أنها دفعت الشركة إلى التفكير في اعتماد هذا النموذج بشكل دائم.
وعلى الرغم من أن هذه التجارب تبدو ناجحة فإن عددا قليلا من الأبحاث تطرق إلى عدد ساعات العمل مدفوعة الأجر في الأسبوع التي ستكون مفيدة لصحة الشخص العقلية.
من هذا المنطلق أطلق باحثون من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة مؤخرا مشروعا يدعى "جرعة التوظيف" للتحقق من هذا الموضوع.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة بريندان بورشيل إن "لدينا التوجيهات المتعلقة بالجرعات الفعالة لكل شيء انطلاقا من الفيتامين سي وصولا إلى ساعات النوم، لمساعدتنا في الشعور على نحو أفضل، لكن تعتبر هذه المرة الأولى التي يطرح فيها السؤال بشأن العمل مدفوع الأجر".
وفي دراسة حديثة تمثل جزءا من مشروع "جرعة التوظيف" البحثي، ركز بورشيل وزملاؤه على كيفية تأثير التغييرات في ساعات العمل مدفوع الأجر على الصحة العقلية ومستويات الرضا عن الحياة لنحو 71 ألفا و113 شخصا في المملكة المتحدة بين عامي 2009 و2018.
8 ساعات
أظهرت الأبحاث السابقة أن البطالة وانعدام الاستقرار والأمن اللذين يصاحبانها يرتبطان ارتباطا مباشرا بالصحة العقلية المتردية ومستويات مرتفعة من الاضطراب النفسي، لكن إذا كان غياب العمل مدفوع الأجر ضارا بالصحة العقلية فما هو المقدار اللازم لهذا العمل من أجل التمتع بآثار إيجابية؟
في الدراسة الجديدة حلل الفريق بيانات من دراسة طويلة الأمد بشأن الأسرة في المملكة المتحدة شملت أكثر من 71 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاما، وقد تابع الفريق الصحة العقلية للمشاركين ورفاههم على مدار تسع سنوات غيروا خلالها ساعات عملهم.
ولتحديد أي تطورات فيما يتعلق بالصحة العقلية، طرح الباحثون على المشاركين أسئلة بشأن التعامل مع القلق وقلة النوم، حيث وجدوا أن العمل لمدة تصل إلى ثماني ساعات أسبوعيا من العمل مدفوع الأجر قد عزز الرفاه العقلي للأشخاص الذين خرجوا من فترة بطالة.
ومع ذلك، كشفت الدراسة أن العمل لأسبوع "نموذجي" بين 37 و40 ساعة لم يجلب أي فوائد إضافية للصحة العقلية، وهذا التأثير هو ذاته بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء، وهو ما أدى إلى اعتقاد الباحثين بأن "جرعة" العمل مدفوع الأجر التي تعود بالفائدة الأكبر تتمثل في حوالي يوم واحد (ثماني ساعات) في الأسبوع.
وقد بين الباحثون أنه على الرغم من أن الرجال أبلغوا عن زيادة بحوالي 30% في مستويات الرضا عن الحياة عندما كانوا يقضون 16 ساعة أو أقل في العمل مدفوع الأجر أسبوعيا فإن النساء لم يبدأن في الإبلاغ عن ارتفاع مماثل إلا عندما عملن لأكثر من 20 ساعة وأقل من 24 ساعة في الأسبوع.
كما لاحظ الباحثون أن "الاختلاف المهم في الصحة العقلية والرفاه يتجلى بين من يعملون بأجر ومن يعملون من دونه، وبالتالي لن يكون لتقصير أسبوع العمل تأثير ضار على الصحة العقلية للعاملين ورفاههم".
المستقبل
بينت الكاتبة أن الباحثين يعتقدون أيضا أن نتائجهم قد تكون لها آثار على المستقبل القريب، حيث يمكننا أن نتوقع تغير بيئة العمل تغيرا كبيرا مع ظهور اختراعات جديدة.
وتقول المؤلفة الأولى للدراسة دايغا كاميرادي -من جامعة سالفورد في المملكة المتحدة- إنه "خلال العقود القليلة المقبلة يمكننا رؤية الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والروبوتات وهي تحل محل الكثير من الأعمال مدفوعة الأجر التي يقوم بها البشر حاليا".
وأضافت كاميرادي أنه "إذا لم يكن هناك ما يكفي من العمل لكل شخص يريد العمل بدوام كامل فسيتعين علينا إعادة النظر في المعايير الحالية، وينبغي أن يشمل ذلك إعادة توزيع ساعات العمل على نحو يسمح للجميع بالحصول على فوائد الصحة العقلية المتعلقة بوظيفة ما، حتى إن عنى ذلك أن نعمل جميعا أسابيع أقصر بكثير".
وأفادت الكاتبة بأن مؤلفي الدراسة يلاحظون أيضا أن خفض ساعات العمل بشكل كبير ينطوي على إمكانية زيادة إنتاجية الأشخاص، ذلك أنه يحسن الرضا عن الحياة والتوازن بين العمل والحياة، كما يمكن أن يساعد ذلك في خفض التلوث من خلال التخلص من الحاجة للتنقل إلى العمل يوميا.