الفنانة الفلسطينية زينب الكُولَك، الناجية من مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق عائلتها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة في مايو/ أيار الماضي، جسّدت معاناتها بواسطة لوحات فنية تشكيلية.
وداخل مقر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وبالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة بمدينة غزة، عرضت الكولك الثلاثاء، 9 لوحات فنية مُرفقة بنصوص أدبية تشرح معاني هذه الرسومات.
وطغى اللون الأسود على غالبية أعمال ولوحات الفنانة الكولك، داخل المعرض الذي حمل اسم "عمري 22 عاما، وفقدت 22 شخصا".
وفي 16 مايو 2021، شنّت المقاتلات الإسرائيلية سلسلة غارات عنيفة ومركّزة على شارع "الوحدة" بمدينة غزة، دمّرت خلالها عدداً من المنازل الفلسطينية من بينهم بيت عائلة الكولك.
وآنذاك، فقدت الفنانة الكولك 22 فردا من عائلتها، من ضمنهم والدتها و3 من أشقائها.
وقالت للأناضول، إن هذا المعرض يضمّ "9 لوحات فنية، مُرفقة بـ9 نصوص"، وأضافت: "كل لوحة تُجسّد لحظة مأساوية عشتها بسبب المحتل الإسرائيلي".
وأوضحت الفنانة الفلسطينية أن القصف الذي تعرّضت له عائلتها وباقي سكان الحي الذي كانت تقطن به "جاء من دون أي إنذار مسبق".
ولم تكن تتخيل بحسب مقطع فيديو نشره المرصد على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، أن "يتم استهداف منزلهم الذي يضم مدنيين فقط".
وأضافت: "نحن عائلة مترابطة، كنا نفضل دائما أن نقضي الأوقات كلها ونحن إلى جانب بعض، ولم يكن لديّ تصور أننا سنفترق (..) لأول مرة أحس بشعور الفقد بسبب العدوان".
** لحظة الاستهداف
وعن لحظة الاستهداف الأولى للمنطقة، تقول الكولك، وفق المقطع، إن صوت ضربات مزلزلة هزت أنحاء المنزل آنذاك.
وتابعت: "فجأة نبّهتني والدتي بأن حائط المنزل تعرّض لتشققات (..) لم أتمكن من النظر أو التفكير، حتى ثوانٍ ووجدت نفسي تحت الركام، كلّنا أصبحنا تحت الركام".
وهناك، قضت الفنانة 12 ساعة، حاولت خلالها الاستنجاد عبر هاتفها المحمول، ببعض صديقاتها لإنقاذها.
وتقول إنها قضت تلك الساعات الطوال بالتفكير بأفراد عائلتها: "مَن منهم يعاني!، مَن منهم فقد الوعي!، من منهم يصرخ ويطلب النجدة!".
وكانت الكولك، على حدّ قولها، تستبعد فكرة أن "أحدا منهم استشهد جرّاء القصف"، كما كانت تدفع جاهدة أي فكرة تراودها في هذا الإطار.
واستكملت قائلة: "كنت أتمنى آنذاك أن أفقد الوعي بسبب دوامة الأفكار التي كانت تجول في رأسي".
وحينما تم إنقاذها، لم تحاول إلقاء نظرة على الركام الذي حولها، لم تعتقد أن هذا الوقت المناسب لذلك، كما قالت.
وأردفت: "كنت أفكر مَن بقي تحت الركام!، ومن خرج!، كان لديّ إحساس قوي أنني آخر من بقي هناك".
وبمجرد دخولها للمستشفى، خرج أفراد عائلتها "الشهداء"، كي يتم مواراتهم الثرى في المقبرة، كما قالت.
** معاناة كبيرة
وعن لوحاتها الفنية، قالت إن طبيعة الرسومات التي باتت ترسمها أصبحت تتعلق بـ"الموت والحرب"، وذلك لقناعتها بضرورة "أن يخرج الصوت والقضية للعالم".
وكانت الكولك ترسم في الفترة التي سبقت 16 مايو 2021، لوحات ملوّنة وجميلة، تشمل البحر والنوارس، في تعبير عن الحياة.
وتقول إن أبرز لوحاتها اليوم، تضم رسمة لعائلتها منقولة عن صورة تم التقاطها أثناء تخرج شقيقها من الجامعة.
وأبقت الفنانة في رسمتها التشكيلية، على بعض أفراد عائلتها بملابس بدون جسد.
وتقول عن ذلك: "الصورة اليوم أصبحت عبارة عن ملابس، صرت أخاف من هذه الملابس الفارغة، هنا اختلطت الألوان مع الدموع".
وتصف وضعها اليوم، بأنها "جثة"، وأن "إزالة الركام من فوق جسدها، لا يعني أن الركام (الداخلي) تم إزالته وأنها بحالة جيدة".
وما زالت الشابة الفلسطينية ترى ذات المشهد المأساوي، في كوابيسها، كل ليلة، كما قالت.
** ليسوا أرقاما
بدورها، قالت مها الحسيني، مديرة قسم الاستراتيجيات في المرصد، إن قصة الكولك "ليست القصة الوحيدة التي يحتاج المجتمع الدولي لتسليط الضوء عليها ورؤيتها وسماعها".
وأضافت الحسيني لوكالة الأناضول: "هناك مئات الآلاف من القصص الأخرى، لنساء وفتيات وأطفال ومدنيين، ما زالت غير مسموعة وغير مرئية وتحتاج الوصول للعالم".
وأردفت: "اليوم يتم التعامل مع ضحايا الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، كأرقام، وليسوا كقصص إنسانية وأشخاص لديهم أحلام وطموحات يحتاجون للعيش بسلام كبقية الأشخاص الآخرين".
وفي 10 مايو 2021، شنّت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة، استمر لمدة 11 يوما، وأسفر عن استشهاد وإصابة مئات من الفلسطينيين.