يوافق 14 فبراير/ شباط ذكرى وفاة المنشد الأشهر سيد النقشبندي، المتوفى عام 1976، والذي يعد منشد "الحب الإلهي الأكبر" بتعبير محبين لصوته وابتهالاته.
وليس الإنشاد الديني ـالمفعم بالمحبة لله ـ وحده الذي يربط بين المنشد الشهير وبين المحبة الصوفية، فكلمة "نقشبندي" الفارسية تترجم إلى نقش حب الله على القلب، وهي مكونة من مقطعين (نقش، بندي).
يهل رمضان، ليكون النقشبندي الأكثر حضوراً في ابتهالاته التي تسبق أذاني الفجر والمغرب. وفي غير رمضان، يكون حاضرا بالتواشيح بين فقرات إذاعة القرآن الكريم، حيث منح الشيخ الراحل الشهر الفضيل مذاقاً روحياً أشهى، وبات إحدى لوازم الشهر الكريم.
يعد صوت النقشبندي من الأصوات المتفردة، فطبقات صوته الثماني جعلت صوته نادراً، فكان يقول الجواب وجواب الجواب، وصوته يتأرجح ما بين الميزو- سوبرانو والسوبرانو، كما "كان يرتجل من إحساسه الألحان التي نسمعها مركبة على الطبقة الصوتية الخاصة به، بعدما يرتجل يتم تركيب صوت الكورال، وكان من الصعب تطويع صوته للألحان، وبالتالي كان يتم تطويع اللحن بعدما يقوم هو بالغناء والارتجال، ثم تركيب الجمل اللحنية، للاستفادة بكافة الإمكانيات الصوتية للشيخ النقشبندي" بحسب وصف الموسيقار حلمي بكر.
وكشف الملحن هاني شنودة عن إعجابه بالشيخ منذ طفولته حد الذهاب إليه في ساحة المسجد الأحمدي بمدينة طنطا شمالا، قائلا في تصريحات صحفية "الشيخ كان من الأصوات السماوية الملائكية، التي جعلت طفولتنا سعيدة مليئة بالأنغام المليئة بالمحبة والصوفية والسمو والعلو".
الانطلاقة
ومن طنطا، حيث مقام السيد البدوي، الذي يعد واحداً من أشهر أئمة الصوفية، بدأ النقشبندي مقرئاً للقرآن الكريم ومؤذناً ومنشداً، وكان قد بلغ سن الـ 35 من عمره، وتحديداً عام 1955.
انطلق بالإنشاد مجلجلاً بحنجرته الذهبية، فطافت شهرته الآفاق وتخطت حدود مصر إلى الدول العربية، ودعاه رؤساء وأمراء عرب للإنشاد في عواصمهم، وكانت السعودية من أكثر البلدان التي زارها سعيداً بفرصة تأدية شعيرة الحج 5 مرات.
ولم يكن الشيخ يرفض أي فرصة يؤدي فيها ابتهالاً أو حكياً بصوته عبر أثير الإذاعة المصرية التي دخلها عام 1967.
ظل النقشبندي يتطاول في الابتهالات لمكانة لم يبلغها أحد قبله ولا بعده، بحسب موسيقيين، رافضاً الاعتماد على الموسيقى مكتفياً بجلال صوته السماوي، حتى جاءت المحطة الفارقة في مسيرته، والتي وضعته في مكانة علية، رغم أنه رفضها في البداية، لولا أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات أرغمه عليها.
أوصى السادات بضرورة التعاون بين رأسي الإمتاع الحسي الذي يتملك الوجدان عبر الأذن، وكان رأس الإنشاد هو النقشبندي، ورأس الموسيقى هو الملحن بليغ حمدي، آنذاك.
حاول النقشبندي التملص من التعاون مع بليغ قائلا لمقربين "ميصحش (لا يصح) على آخر الزمن أتعاون مع ملحن أغاني بهية وعدوية (يقصد أغاني مطربين مشاهير وقتها)".
تدخل الإذاعي الشهير وجدي الحكيم ليقنع الشيخ بالتعاون، وفي لافتة طريفة أثارت شهية التحدي لديه، طلب منه الاستماع للحن أولاً في استوديو الإذاعة، واتفق معه على أنه في حال أعجبه اللحن يقوم الشيخ بخلع عمامته.
اقتنع الشيخ على مضض، وقبل التحدي واثقاً في أنه سيكسبه، واستمع للحن ابتهال "مولاي إني ببابك" الذي كتبه الشاعر عبد الفتاح مصطفى.
يصف محبون للشيخ هذا الابتهال بأنه يكاد يذهب بالعقول من فرط جماله، ويطير بالأفئدة إلى ملكوت سماوي كل مرة يذاع فيها.
انتهى بليغ من إسماع وإمتاع الشيخ باللحن، فخفق قبله وانخلع من مكانه، فخلع عمامته، وزاد فخلع الجِبّة.
بعد النجاح المدوي للنشيد، قدم الثنائي معاً عدة أعمال، كما لحن له محمود الشريف وسيد مكاوي وأحمد صدقي وحلمي أمين، وأذيعت معظم أناشيده في شهر رمضان من خلال برنامج تم إعداده خصيصاً لذلك اسمه "أنغام الروح".
يعبر نشيد "مولاي إني ببابك" المميز أقل قليلاً من 5 عقود، ليسبب أزمة بين أحفاد النقشبندي ومغني الراب مروان بابلو ا الذي غنى في حفل بالقاهرة "مروان إني ببابك" ففزع محبو الشيخ، وهددت عائلته باللجوء للقضاء ضد المطرب.