بعد أكثر من 60 عاما من فوز الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة بإطلاق أول قمر اصطناعي في تاريخ البشرية، بدأ سباق فضائي جديد بين الخصمين، ومرة أخرى تتفوق روسيا بإعلانها إرسال ممثلة ومخرج إلى محطة الفضاء الدولية الشهر المقبل، لتصوير أول فيلم بالتاريخ في الفضاء بعنوان "التحدي" (The Challange).
وكانت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA) أعلنت العام الماضي عن تعاونها مع شركة "سبيس إكس" (SpaceX) والممثل توم كروز والمخرج دوج ليمان لتصوير أول فيلم طويل في الفضاء، على متن محطتها الفضائية الدولية، بميزانية تقدر بنحو 200 مليون دولار، لكن لم يحدد حتى الآن موعد تصوير الفيلم.
وفي أعقاب ذلك، أعلنت وكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس) أنها تريد أن تكون روسيا أول دولة في العالم تصنع فيلما في الفضاء، وبالفعل شرعت في ذلك وأصبحت أقرب من أميركا لتحقيق الحلم.
تحدٍ غير مسبوق
وتدور أحداث "التحدي" حول طبيبة، تقوم بدورها الممثلة الروسية يوليا بيريسيلد، وتضطر إلى السفر خلال وقت قصير إلى محطة الفضاء الدولية من أجل إنقاذ حياة رائد فضاء.
وتحدثت بيريسيلد (37 عاما) خلال مؤتمر صحفي في موسكو، قبل مغادرتها للتحضير للإطلاق، عن تدريبها على طائرة تحاكي بيئة الجاذبية الصغرى (الجاذبية في حالة انعدام الوزن بالفضاء) وقالت "في أول ثانيتين، كان الأمر مخيفا، لكن بعد ذلك، بدا جميلا جدا".
ومن المقرر أن تسافر بيريسيلد والمخرج كليم شيبينكو (38 عاما) في 5 أكتوبر/تشرين الأول القادم على متن مركبة "سويوز" الفضائية، في رحلة ستسغرق 12 يوما، بينها 10 أيام مخصصة لتصوير الفيلم في الجزء الروسي من المحطة الفضائية.
وأعربت بيريسيلد وشيبينكو عن أملهما في تصوير انعدام الوزن بشكل لم يسبق له مثيل في الخيال، ونقل مشاعر الطفو بحرية ورؤية الأرض من السماء بعيون أشخاص غير محترفين، وقال شيبينكو إن هدفه الأساسي أن يختبر كل مشاهد مشاعر السفر إلى الفضاء من خلال أداء بيريسيلد، و"نريد أن يشعر كل شخص بما تمر به بطلتنا إلى حد كبير".
وجاء القرار عقب موافقة لجنة من خبراء الطب والسلامة من مركز "يوري غاغارين" لتدريب رواد الفضاء، على تصوير الفيلم، بعد أن خضعت بيريسيلد وشيبينكو للتدريب الذي بدأ هذا الربيع.
وحققت بيريسيلد، التي يعمل والدها رساما ووالدتها معلمة رياض أطفال، نجومية كبيرة في بلدها، وقدمت أدورا في العديد من الأفلام الرائجة والمسلسلات التلفزيونية، وعملت لسنوات في مسرح "مالايا برونايا" في موسكو، كما يعد الفيلم الكوميدي "ابن الثري" (Son of a Rich) الذي أخرجه شيبينكو أعلى الأفلام الروسية ربحًا على الإطلاق.
وسيقود رائد الفضاء الروسي أنطون شكابليروف مركبة "سويوز" ذات الثلاثة مقاعد، وقد تدرب جميع أعضاء البعثة على حالات الطوارئ، سواء في الكبسولة أو الجزء الروسي من المحطة.
وأقرت بيريسيلد بأنها ستواجه قيودا خلال التصوير في الفضاء، فبسبب العدد المحدود جدا، لن يكون هناك طاقم من المساعدين، لذا ستقوم هي بوضع مساحيق التجميل بنفسها، وتحضير ملابسها، وسيقوم شيبينكو بأداء جميع المهام الفنية مثل التصوير والإضاءة وضبط الصوت، بالإضافة إلى مهامه كمخرج، كما سيشارك رواد الفضاء الموجودون حاليا على متن المحطة الفضائية الدولية بأجزاء صغيرة من الفيلم.
التسارع إلى الفضاء
وتأتي الخطة الروسية لإطلاق ممثلة إلى الفضاء في أعقاب موجة من الرحلات الجوية من قبل غير محترفين هذا العام، بما في ذلك رحلة مالك أمازون، جيف بيزوس، الذي ذهب إلى الفضاء في أولى رحلات شركته الخاصة للصناعات الجوية الفضائية، المعروفة باسم "بلو أوريغن" (Blue origin) في يوليو/تموز الماضي.
وقبل أيام، سافر 4 ركاب غير محترفين إلى الفضاء على متن مركبة تابعة لشركة "سبيس إكس" التي أسسها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، واشترى الرحلة الملياردير ورائد الأعمال الأميركي الشاب جاريد إيزاكمان (38 عاما) وتبرع بالمقاعد الثلاثة المتبقية إلى الممرضة الناجية من السرطان هايلي أرسينو، وأستاذة علوم الأرض سيان بروكتور، والجندي في القوات الجوية الأميركية كريستوفر سيمبروسكي.
محاولات سابقة متواضعة
ذكر موقع "كولكت سبيس" (Collect Space) الإخباري عن تاريخ الفضاء أن هناك محاولات سابقة متواضعة لتصوير أفلام خيالية في الفضاء، حيث قام ريتشارد غاريوت، رائد الأعمال الذي سافر سائحا عام 2008، بتصوير فيلم قصير مدته 7 دقائق بعنوان "ذروة الخوف" (Apogee of Fear).
كما تضمن فيلم سوفياتي عام 1984 بعنوان "العودة من المدار" (Return from Orbit) مشاهد تم تصويرها في الفضاء، كما قام رواد الفضاء سابقا بتصوير أفلام وثائقية على مدى عقود، وكانت مهمات أبولو إلى القمر رائدة في البث التلفزيوني المباشر.
لكن "التحدي" سيصبح أول روائي طويل يتم تصويره في الفضاء، وأول عمل سينمائي يسافر من أجله ممثل ومخرج إلى الفضاء.