التكنولوجيا الحديثة سمحت بإظهار حبكات أكثر عمقا في الألعاب الإلكترونية (مواقع التواصل)
منذ ظهور الألعاب الإلكترونية في عالم الترفيه وسيطرتها على قطاع كبير من الأسواق مرورا بمراحل تضخمها وكونها الصناعة الأكبر حاليا في صناعة الترفيه، وهي تحاول قدر الإمكان جذب جماهير أكبر.
وكثيرا ما تستلهم تلك الألعاب قصتها من أفلام ومسلسلات مشهورة لجذب محبي هذه الأعمال إلى عالمها، وبخاصة أفلام "الأكشن" والرعب. وفي المقابل، هناك العديد من الأفلام والمسلسلات التي استلهمت قصتها أو اعتمدت بشكل كامل على ألعاب إلكترونية، خاصة مع تشعب قصص الألعاب وتعقيداتها وتطورها بشكل كبير.
البداية
في تسعينيات القرن الماضي، كانت هناك محاولات بدائية لاستلهام واستحضار الألعاب الإلكترونية في عالم الأفلام والمسلسلات، الأمر بدأ عام 1990 بالمسلسل الكوميدي "مانياك مانشن" (Maniac Mansion) المعتمد على لعبة تحمل الاسم نفسه عن عالم مجنون يعيش في قصر كبير مع أسرته، حيث تقع العديد من المفارقات الكوميدية.
تطور الأمر في الحقبة نفسها باستلهام شخصيات مثل "سوبر ماريو" أشهر وأكثر لعبة مبيعا في الثمانينيات والتسعينيات، فاستعرض فيلم "الأخوان ماريو" مغامرات الشقيقين ماريو ولويجي اللذين يعملان سباكين، ويقعان في بعد موازي، ويحاولان إنقاذ الأميرة.
واستمرت المحاولات بعد ذلك كما في فيلم "قتال الشوارع" (Street Fighter)، وغيره.
فشل ثم نجاح
على الرغم من نجاح ألعاب الفيديو، فإن الأفلام والمسلسلات التي اعتمدت في حبكتها الرئيسية على ألعاب إلكترونية لم تحظ فنيا أو جماهيريا بالنجاح نفسه، وربما يعود ذلك إلى أن قصص الألعاب في تلك الحقبة لم تكن كاملة أو بالتعقيد الكافي لصناعة فيلم.
وكان الأمر هكذا حتى عام 1995 مع فيلم "مورتال كومبات" (Mortal Kombat)، المعتمد على لعبة تحمل الاسم نفسه، وهي واحدة من أنجح ألعاب القتال في التاريخ وربما هي الأنجح على الإطلاق.
وصنعت اللعبة تفوقها لوجود قصة كاملة وحبكة واحدة، في عالم من الكائنات الخارقة التي تسعى إلى السيطرة على الأرض، ولكن هناك قواعد واضحة تحكم هذه الكائنات، فكل 500 عام تقوم ببطولة إن انتصر فيها بطل هذه الكائنات، تفتح بوابة تمكنها من السيطرة على الأرض، وإن خسرت تعود لعالمها وتنتظر لمدة 500 عام أخرى.
بهذه الحبكة البسيطة، يبدأ الإعداد للجزء الأول من فيلم "مورتال كومبات" الذي عرض عام 1995 وحظي بنجاح كبير جدا وقتها، خاصة مع القتالات المحكمة بالنسبة لمقاييس التسعينيات، ولكن عانى الفيلم من تقييمات نقدية سلبية للغاية نظرا للتمثيل الضعيف والحبكة المهترئة وغيرهما من العوامل التي أضعفت كثيرا من المنتج النهائي.
مع بداية الألفية الجديدة، حاول صناع السينما مرة أخرى مع لعبة جديدة وهي لعبة "لارا كروفت"، اللعبة التي حظيت بشعبية كبيرة وكانت صناعة الألعاب قد تطورت كثيرا فكانت اللعبة واضحة المعالم بشكل كبير لصناع الأفلام.
لارا كروفت، صائدة جوائز وعالمة أثار ومغامرة، اللعبة في المقام الأول كانت تحاول تقديم نسخة نسائية من فيلم إنديانا جونز، وفي عالم الأفلام قامت النجمة أنجلينا جولي ببطولة مجموعة الأفلام هذه، في حين ظهرت أليسيا فيكاندر في نسخة الفيلم الأحدث التي صدرت عام 2018.
في الوقت نفسه، كانت هناك سلسلة "الشر المقيم" (Resident Evil) بأجزائها المختلفة التي اعتمدت على لعبة تحمل الاسم نفسه مع إدخال تغييرات جذرية على الأحداث مقارنة بسلسلة الألعاب الناجحة لشركة "كاب كوم" (Capcom)، ولكنها كانت ذات نجاح محدود سواء على المستوى التجاري أو النقدي.
في السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات جادة لإنتاج أفلام أكثر جدية تعتمد في حبكتها الرئيسية على الألعاب الإلكترونية، وذلك باستقطاب نجوم أثبتوا جدارتهم في عالم التمثيل، مثل مايكل فاسبندر، وأليشا فايكندر، وماريون كوتيارد، ودومينيك كوبر، أو نجوم يحظون بشعبية كبيرة، مثل نجم المصارعة السابق والممثل الحالي دوين جونسون، أو هنري كافيل الذي نجح في شخصية سوبرمان، إضافة إلى محاولات إنتاج ضخم للغاية وإبهار كبير على مستوى الغرافيك، ولكن أغلب هذه الأعمال لم تحظ بالنجاح المقبول أو اللائق سواء للأسماء أو لحجم الإنتاج.
أسباب الفشل:
السؤال الهام الآن، لماذا تفشل أغلب هذه الأعمال الفنية؟ ولإجابة هذا السؤال يجب علينا فهم طبيعة المنصات والمتلقي الذي يستقبل هذه الأعمال.
القصة والحبكة
في البداية كانت الألعاب بسيطة، وحتى الألعاب التي كانت تحظى بقصص عميقة، لم تكن طبيعة الألعاب وقتها تسمح بإظهار هذا العمق بالشكل الكافي؛ فكانت محاولات صناع السينما والتليفزيون في إظهار هذه الحبكة أو استكمالها أو مجرد نسخها من دون اعتناء كاف.
ومع تطور الألعاب وتضخمها، أصبح الغرافيك أكثر تطورا، وسمحت التكنولوجيا الحديثة بإظهار الحبكات الأكثر عمقا، وأصبح كتاب وصناع الألعاب يعكفون على كتابة قصص معقدة للغاية وزمن اللعبة أصبح طويلا للغاية، فهناك ألعاب تحتاج أكثر من 40 ساعة لعب لإنهاء حبكتها الرئيسية فقط.
وبالتالي، عانى صناع الأفلام والمسلسلات مرة أخرى ولكن بشكل مختلف هذه المرة، فاللعبة قصتها طويلة وحبكتها معقدة للغاية وتحتاج إلى إعادة كتابة مرة أخرى؛ لذا نجد بعض صناع الأفلام يتجاهلون القصة والحبكة الرئيسية ويصنعون قصة جديدة تماما كما حاولوا في فيلم "عقيدة القاتل" (Assassin’s Creed) الذي قام ببطولته مايكل فاسبندر وماريون كوتيارد.
ولكن على الرغم من استلهام أحداث الفيلم من سلسلة الألعاب الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه -وتعد واحدة من أشهر وأهم سلاسل الألعاب في التاريخ- ورغم وجود حبكة معقولة وقصة جديدة، كان الفشل مصير الفيلم مرة أخرى؛ ولكن هذه المرة لأن صناع الفيلم اعتمدوا على قصة جديدة، وهو ما أغضب جدا جمهور اللعبة الكبير؛ حيث تعجبوا من ابتعاد صناع اللعبة عن القصص الأصلية ومحاولة استلهام قصة جديدة لم تكن على مستوى توقعاتهم.
التمثيل
الأزمة الكبرى في الأفلام والمسلسلات التي تعتمد حبكتها الرئيسية على ألعاب إلكترونية هي التمثيل والأداء، فالجمهور العادي المحب للسينما لن يتقبل الأداء أو التمثيل المصطنع بهذه الأفلام والمسلسلات، سلسلة أفلام مثل "الشر المقيم" على سبيل المثال، لن تجد أداء واحدا يستحق الإشادة، إذ كانوا مجرد أشخاص يؤدون الأدوار المكتوبة وهم يقرأون حوارا سطحيا في أغلب الأوقات، وبالتأكيد لن يتقبل الجمهور العادي للأفلام مثل هذا الأداء.
الغرافيك
مؤخرا أصبحت الألعاب مبدعة في تصميم الغرافيك، وصارت تتكلف الملايين، حيث تجاوزت تكاليف إنتاج بعضها 100 مليون دولار.
كما أن الألعاب صارت تأخذ وقتا طويلا في صناعتها، ولجأت أستديوهات الألعاب إلى ممثلين لهم شعبية كبيرة، وكتاب دراما وروائيين، مثل جورج مارتن مؤلف مسلسل "صراع العروش"؛ لذا يأتي الفيلم أو المسلسل على مستوى أقل بكثير من اللعبة التي تحظى بالاهتمام الأوسع، وهو ما يجعل محبي اللعبة ينتقدون الفيلم ولا يتقبلونه.
ولعل أوضح مثال يجمع في سلبياته الأسباب الثلاثة السابقة، هو فيلم "واركرافت" (Warcraft) إنتاج عام 2016، فهو نموذج لفشل الأفلام التي تعتمد في حبكتها على ألعاب إلكترونية.
نماذج مختلفة
حدث الاستثناء مع عدد من الأفلام والمسلسلات التي نجحت في جذب جماهير السينما والدراما التقليديين وجمهور اللعبة أيضا، مثل فيلم "القاتل المحترف" (Hitman) إنتاج عام 2007، وفيلم "الطيور الغاضبة" (The Angry Birds) بجزئيه ومسلسل "ويتشر" (The Witcher).
ولعل المسلسل الأخير هو الأكثر نجاحا حتى الآن، والمسلسل من إنتاج نتفليكس وحظي بتقييمات نقدية جيدة ومشاهدة كبيرة، كما تم إصدار فيديو تشويقي من الموسم الثاني، والمسلسل يعتمد على سلسلة ألعاب تحمل الاسم نفسه مقتبسة من سلسلة روايات مجرية تحمل العنوان نفسه، ويعد الجزء الثالث من اللعبة واحدا من أنجح الألعاب في التاريخ، وبعضهم يعتبرها اللعبة الأكثر تشويقا وإثارة ومتعة، كما أنها فازت بجائزة لعبة العام في 2015 وقت صدورها.
المشروع المنتظر الآن هو مسلسل "آخر من تبقى" (The Last of Us) المأخوذ من لعبة آخرى تحمل الاسم نفسه، وتحظى اللعبة بشعبية كبرى وفازت بجائزة لعبة العام في 2013.
والمسلسل من إنتاج شبكة "إتش بي أو" (HBO) ومن بطولة بيدرو باسكال وبيلا رامزي، ويشرف مخرج اللعبة نيل دراكمان بنفسه على عملية إنتاج المسلسل بالكامل.