[ تسرد "حصن الزيدي" واقعا مظلما ومرحلة بائسة من تاريخ اليمن (الجزيرة) ]
أعلن من القاهرة -في فبراير/شباط الماضي- عن القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2021، والتي ضمت 6 روايات من الجزائر ومصر واليمن وسوريا، من بينها رواية "حصن الزيدي" للروائي اليمني الغربي عمران.
وترشحت إلى جانب "حصن الزيدي" 5 روايات أخرى، هي: "اختفاء السيد لا أحد" للجزائري أحمد طيباوي، و"في مدن الغبار" للمصرية أمل رضوان، و"حي الدهشة" للسورية مها حسن، و"حجر بيت خلاف" للمصري محمد علي إبراهيم، و"كحل وحبهان" للمصري عمر طاهر.
ووفقا لبيان أعلنته دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة (المنظمة للجائزة) يوم الاثنين 8 فبراير/شباط 2021، فإن الروايات الست من بين 270 رواية تم ترشيحها للجائزة من كافة دول العالم العربي ومن دول المهجر، ومن المفترض أن تُعلَن الرواية الفائزة نهاية مارس/آذار الجاري.
وتقع رواية "حصن الزيدي" الصادرة عن دار هاشيت أنطوان ببيروت، في 260 صفحة، وهي رواية تسلط الضوء على القبلية واستخدام المذهبية واستغلال قلة وعي العوام الذين هم وقود الصراعات وأكبر ضحاياها.
وتسرد "حصن الزيدي" واقعا مظلما ومرحلة بائسة من تاريخ اليمن، إذ يمكن اعتبارها توثيقا بطريقة ما لمرحلة حساسة من حكم الأئمة لليمن: مرحلة الإرهاصات الأخيرة التي سبقت إعلان ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 في شمال البلاد، وإرهاصات ما قبل إعلان تحرير عدن ومدن جنوب البلاد من الاستعمار البريطاني.
في أحداث الرواية، تشهد مناطق في شمال البلاد متوالية ظلام مركزها صنعاء. وفي المقابل، تشهد عدن ومناطق في جنوب البلاد مخاض الآهات الأخيرة الممهدة للتحرر من الاستعمار، ليقترب الغربي عمران من يومياتها موغلا في سرد أحداث وتفاصيل وممارسات استعبادية لا آخر لها.
براعة سردية
تناقش الرواية استخدام الدين لخدمة أهواء جماعات التسلط. فبغطاء ديني -في أحداث الرواية- تُحرق غابة بكاملها بما فيها من ثوّار فروا من سجن مرداس.
وببراعة سردية وإلمام كبير بتفاصيل الواقع ومفردات تلك الحقبة الزمنية من تاريخ اليمن، ينقل الغربي عمران قارئ الرواية إلى عالم يكاد يكون أشبه بمتوالية فيلم سينمائي على شاشة متلفزة، بدءا من الحياة داخل الحصن وخارجه وعلى امتداد الوادي والقرى والمخاليف (المخلاف: تقسيم إداري قديم في اليمن).
وتكشف الرواية ممارسات "المشايخ" وأعوانهم وحراسهم، مبينة قيمة المواطن (الرعوي) الذي هو وما يملك ملك للشيخ، شاء أم أبى. ومبرزا حياة إقطاعية مريرة: يوميات من البشاعة والتمادي في الظلم وانتهاك الحقوق بلا رادع أو معترض، بحسب أحداث الرواية.
وتنزع الرواية -من خلال شخصياتها ووقائعها- إلى حياة مدنية، الكل فيها سواء تحت مظلة القانون، حياة يسودها الأمن والاستقرار والتعايش السلمي بين كل الفئات والجماعات والطوائف، غير أن هذا الحلم ليس سهلا.
مرداس وزُهرة وقارون
يوزع عمران الرواية على 3 أقسام: مرداس، زُهرة، قارون. وفي كل جزء منها ينجح في تقديم صورة تعاين حالة الجوع والفقر والمرض والعنف والظلم والتسلط والفرز المجتمعي: اعتقالات، سجون، رهائن، احتكار للأرض، تعذيب، قتل… إلخ.
وفي السياق أيضا، قصة حب بين قارون، وهو أحد الشباب الأحرار العائدين من عدن، وزُهرة، الفتاة من مجتمع "العبيد"، وهم شريحة مهمشة لا أرض لهم ولا أملاك، يستعبدهم المشايخ والنافذون في فلاحة الأرض، لكن بعضهم يحاول التمرد على الواقع بمساعدة أحرار وسجناء سابقين.
إقطاعية
"يا ولدي احنا من جيز الناس، فبقر الناس إن ولدت بقرة في أي قرية يرفع العاقل للشيخ يبشره بولادتها، وإن ولدت شاة كذلك، حتى الدجاجات يحصونها ويحصون بيضها وشقرانها، فلهم الشرك (أي النصف) من كل شيء"، في هذا المجتزأ من الرواية تتحدث أم الطفل اليافع قارون إلى ولدها، بينما يقاطعها قائلا "هذا ظلم"، فتجيبه: "لا ظلم ولا حاجة، قالوا إنها بقرتهم".
وهنا تبرز حياة إقطاعية لطالما كانت سائدة في تلك الفترات المظلمة.
بطولات شادن
وبينما تتواصل الأحداث، ينجح عمران في سرد تفاصيل التمرد ضد مرداس وحصنه، وتبرز بطولات "شادن" ابنة شنهاص، أحد الذين حبسهم مرداس. تغامر شادن ومعها زهرة لتبدآ حياة التخفي بين الجبال وفي كهوف الغابة المحروقة، ثم تحدث أكثر من عملية قتل تقوم بها شادن في سعيها للانتقام لكرامتها وكرامة أقربائها، لكنها تلقى حتفها أخيرا على أيدي حراس الحصن، لتلحق بزوجها وأطفالها وتلفظ أنفاسها على ذات المقبرة التي دفنت فيها عائلتها نتيجة لظلم المشايخ وجبروتهم.
وعلى الرغم من بشاعة ما يحدث من عنف وظلم وانتهاك للحقوق ومصادرة للأملاك على امتداد صفحات الرواية، فإن الغربي عمران نجح في خلق علاقة قرائية شيقة بين القارئ والرواية، من خلال لغة سردية مكثفة لا تكرار فيها أو ركاكة، بل هي أشبه بمقاطع شعرية ضمن متن سردي تتخلله انتقالات بين الحصن والغابة والوادي والجبل والساحل.
وما إن تشرع في قراءة الرواية، حتى تلح عليك صفحاتها للغوص أكثر، متشوقا للخلاص من كل هذا الدم المسفوح في كل مكان، ومن كل الآهات المحبوسة في الصدور.
أما القفلة السردية، فبالرغم من إعلان أن "شمس الانعتاق ستشرق غدا حيث لا فرق بين رعوي أو خادم. لا سلالية ولا مذهبية بعد اليوم. لقد أتينا لإنقاذكم، لتطهير وادينا من المستغلين. فلن يكون بيننا بعد اليوم متسلط"، فإن ثورة مضادة -أخذت قوى قبلية مذهبية الإعداد لها في الغابة الكثيفة، ولكل منهم له نواياه المبيتة وأحقاده التي لا آخر لها- تقطع الطريق أمام الأحلام الوردية، بقيادة جمال بن مرداس العائد من مصر، والذي أصبح ببدلة عسكرية.