[ سعدون باحث ومترجم مختص باللغة والأدب الأسباني نقل للعربية أكثر من 20 كتاباً شعرياً فضلا عن الرواية والنقد (الجزيرة) ]
قال عبد الهادي سعدون الشاعر والروائي والمترجم العراقي المقيم في إسبانيا إن العديد من عناوين كتبه الشعرية والروائية جاء من جملة أو من سطر من داخل الكتاب أو عن فكرة الكتاب نفسه.
لكنه كشف (في شهادته) للجزيرة نت، متحدثًا عن علاقته بالعنوان ورحلته معه كتابة وتلقيا، أن أغلب عناوين كتبه ولدت حتى قبل أن تولد النصوص "ما إن يعجبني العنوان وما أن أفكر بموضوعة معينة حتى أجده الأجدر بهذا الكتاب دون غيره. ولكن لأكن صادقًا هنا، أحيانًا أغير مفردة من العنوان أو أضيف أخرى حتى يستقيم العنوان بما أراه مناسبًا حقًا للكتاب. ثم هناك عناوين لكتب ولدت من لحظة كتابة أول نص فيه، ومن النادر أن أغيره فيما بعد، وكأنه لصيق به ومن صلبه ولا يجب التفريط فيه إطلاقًا".
تعويذة الأبواب الموصدة
وفي مسيرته مع الكتابة والعنونة، تحدث سعدون عما أسماه "تعويذة الأبواب الموصدة"، وهنا يقول: عادة ما أفكر بالعنوان لفترة وأكتب على ورقة في دفتر أو ملف في الحاسوب. ومن ثم تبدأ العملية الأشق، وهي كتابة الكتاب.
واستطرد "الغريب في الأمر أنني ما إن فكرت بعنوان لكتاب سواء كان شعريا أو نثريا حتى أجدني متمسك به ولا أحيد عنه وكأنه الدافع الحقيقي لأن أنجز محتوى الكتاب. العنوان عندي بمثابة تعويذة لفتح الأبواب الموصدة أمام نصي القادم".
العتبة أولًا
ويعتقد سعدون أنه من الصعب أن يبدأ أحدهم في كتاب دون أن يخطو خطوة العتبة، لكن من الممكن أن يكون الكاتب ممن يفكر بأكثر من عنوان موازٍ للنص، والحيرة تكمن في أيها أفضل للكتاب، والعديد من الكتاب مروا بهذه الحيرة.
ومع ذلك، فالعتبة لا بد من المرور بها حتى لو كانت عبر عنوان مؤقت سرعان ما يتغير قليلًا أو كثيرًا حسب تطور الكتاب ووضوح هدفه في النهاية فـ "في حالتي أستطيع القول إن العتبة مهمة جدًا لي قبل أن أمضي في فتح بقية الأبواب".
"بطل من هذا الزمان"
وإلى ذلك، يقول سعدون إنه ما زال حتى الآن مأخوذًا بجماليات وفرادة عناوين كتب عربية وأجنبية قرأها قبل عقود من الزمن "لكنني ما زلت حتى اليوم أتمعن بعنوان الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس لروايته الكبرى (الفارس النبيل دون كيخوته دي لا مانشا) ولا أجد فكاكًا من العنوان حتى آخر صفحة فيها بعبقريته وفرادته وتجديديته.
وأضاف: عنوان آخر لنص روائي أعيد قراءته كل عام، وكم تمنيت لو كنت كاتبه هو (بطل من هذا الزمان) لـ ليرمونتوف (أديب روسي رومانتيكي).
"البحث عن وليد مسعود"
ويستذكر، في سياق حديثه للجزيرة نت، عناوين اصطدم بها في مشوار بداياته ولامست وترًا في روحه، كاشفًا في هذا السياق أنه حاول بمراهقة كتابية أولى أن يكتب على منوالها في المتن والعنوان، مثل "مئة عام من العزلة" أو "زبد الحياة" أو "كتاب الرمل" أو "النخلة والجيران" أو "البحث عن وليد مسعود" وعناوين أخرى.
ويعترف أيضًا بقوله "بقي منها بعض التأثيرات البسيطة التي تركت أثرها في قصص مجموعتي الأولى (اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر) قبل أن أتخلص منها في الكتب الأخرى التالية".
ملكية شخصية
وأكد سعدون أنه لا يقبل أن يضع الناشر عنوانا لكتابه، معتبرًا العنوان والمحتوى من ممتلكاته الشخصية فـ "لا أقبل إطلاقًا أن يضع الناشر عنوانا لكتابي. ثم في الحقيقة إنني لم أتعرض لموقف مثل هذا من أي ناشر سبق ونشرت معه وهم كثر خلال الأعوام العشرين الأخيرة. العنوان والمحتوى من ممتلكاتي الشخصية".
لكنه استدرك بالقول "قد أتقبل رأيًا ولكن ليس بالضرورة الأخذ به. ومن ناحية أخرى أضع كل ثقتي بالناشر في مسألة تصميم الغلاف".
ويعترف سعدون بأن هناك عناوين قرأها في بداياته الإبداعية وحاول أن يكتب على منوالها في المتن والعنوان. ويعتقد بهذا الصدد أن منْ لا يفرق بينها سيقع في مصيدة القارئ الواعي، على حد قوله.
وأردف "الفرق كبير بين أن تعنون كتابًا شعريًا أو أن تعنون كتابًا في صنف أدبي/كتابي آخر، وهذا يدركه من يكتب في الأصناف الأدبية من شعر ونثر ومقالة. كل كتاب منها له عنوان ووقع يختلف عن الكتاب الآخر. لا يمكن أن تعنون رواية بعنوان كتاب شعري ما لم تكن على دراية تامة بها".
ثم إن هناك تشخيصات دقيقة جدًا في عنونة الشعر عن النثر، عن المقالة، تختلف فيها الذائقة والرؤية والتقبل. "ومنْ لا يفرق بينها أعتقد أنه سيقع في مصيدة القارئ الواعي. والحقيقة أن اطلاعي على نماذج أخيرة لكتّاب أحب قراءتهم، أجدهم قد وقعوا في مأزق العنونة عندما يتعلق الأمر بكتاب شعري عن آخر سردي".
ليس حكرًا
وعن التناص في العنونة، وهل هي فكرة مقبولة أم لا؟ قال سعدون (الذي ترجم إلى العربية أكثر من 20 كتابًا لأهم أدباء إسبانيا وأميركا اللاتينية) إنه يقبل بالتناص في العنونة.
وهنا يعتقد سعدون إن الأمر ليس حكرًا على أحد، كما أن الأدب العالمي مليء بنماذج من هذا القبيل "التناص في العنونة أتقبله جدًا، وهناك أعمال مهمة تشترك في العنونة عن قصدية تناصية أم رؤية جمالية. لا أجد العملية حكرًا على أحد طالما هناك تفرقة معينة وواضحة ما بين الكتابين. والأدب العالمي مليء بنماذج من هذا القبيل، ولم نجد اختلافا فيه أو تعصبًا معينًا بشأنه، بل العكس تتم دراسته والتنويه به ضمن الدراسات المقارنة وغير المقارنة".
20 كتابًا من الإسبانية
وصدر لسعدون عدد من الكتب الأدبية والشعرية، نذكر منها كتابه الشعري "دائمًا" الفائز بجائزة "أنطونيو ماتشادو العالمية في إسبانيا، اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر" عام 1996، "تأطير الضحك" عام 1998، "انتحالات عائلة" عام 2002، "عصفور الفم" عام 2006، "حقول الغريب" عام 2010، "مذكرات كلب عراقي" عام 2012، "توستالا" عام 2014، "تقرير عن السرقة" عام 2020.
وفي الترجمة، نقل سعدون من الإسبانية إلى العربية أعمال أهم أدباء إسبانيا وأميركا اللاتينية مثل بورخس، أنطونيو ماتشادو، رامون خمينث، لوركا، ألبرتي، وغيرهم.