[ رواية "أيام جامحة" الصادرة حديثا بالفرنسية تتناول مغامرة خيالية بعيدا عن عالم الجائحة (مواقع التواصل الاجتماعي) ]
لزمن طويل قبل انتشار فيروس كورونا كان موضوع الوباء تقليدا أدبيا مبثوثا في التاريخ الأدبي، وتناول عدد من الروائيين والشعراء قصصا إنسانية تتراوح بين الألفة والفراق، ومشاعر الفقد بسبب الوباء، وكذلك المحاصرين في الحجر الصحي أو الخائفين من العدوى أو الفارين من الموت.
وفي مقالها الذي نشرته صحيفة "لوتون" السويسرية، قالت الكاتبة إيزابيل روف، إن الروائي كاتب السيناريو مخرج الأفلام الفرنسي تشابي موليا تطرق إلى تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد على المجتمعات، وفي عام 2011، أظهرت رواية موليا بعنوان "قبل أن تختفي" كيف تدهورت أوضاع فرنسا عقب مرض تسبب في تنامي عنف المصابين به. أما في عمله الأخير "أيام جامحة"، فتحدث عن كيفية عبث الإنفلونزا بالبلدان الغربية.
وأشارت الكاتبة إلى أن العالم لم يتعظ من التجارب الوبائية السابقة التي ساهمت في ظهور عمليات نزوح جوية وبحرية وبرية. وفي هذا السياق، تطرقت رواية تشابي موليا إلى هذا الموضوع، حيث سلط الضوء على بعض الفارين الذين تقطعت بهم السبل في جزيرة تقع في مكان ما وسط المحيط الأطلسي، بين أفريقيا والبرازيل.
ويتم اكتشاف ظروف هذه الرحلة، وماضي الفارين، شيئا فشيئا، عن طريقة الصدفة. وقد ركز موليا في هذه الرواية على كيفية تشكل هذا المجتمع الصغير عن طريق الصدفة، والذي رمت الأقدار بأفراده في بيئة مجهولة. وعرض موليا طريقة تشكل النموذج المصغر من هذا المجتمع بشكل ملحمي، ودرامي، وشاعري.
في قلب العنف
اعتبرت الكاتبة أن موليا كان مقربا من أبطال روايته. وعلى الرغم من أن موليا يستخدم جملا قصيرة، فإنها مكّنته من كشف سمات وميزات شخصياته وتحديد العقدة، ومشهد المواجهة دون أن يشير إلى نفسه والدور الذي يضطلع به في الرواية.
خلال الصفحة الأولى للرواية، كانت شخصيات موليا موجودة في الجزيرة منذ بضعة أشهر ويعيشون أحداثا عنيفة، حيث انقسم المنكوبون إلى قسمين: الأول يرغب في الخروج من الجزيرة والثاني يتكون من مجموعة مخربين.
حسب موليا، تسعى المجموعة الأولى إلى الرجوع إلى حياتها السابقة في فرنسا. أما الآخرون، الذين كانوا في البداية معزولين ولكنهم أكثر عددا، فيجدون أنفسهم راضين عن هذا الوضع الجديد ولا يريدون العودة إلى الوطن. ولهذا السبب، كانوا يسعون إلى إفشال محاولات إبحار القوارب، خوفا من أن يتم اكتشاف الجزيرة من قبل أشخاص آخرين. وسيؤدي ذلك الموقف إلى اندلاع حرب أهلية بين المعسكرين.
الحاجة إلى زعيم
وفي الرواية، تتسم الجزيرة بخصائص طبيعية جميلة، لكنها مثيرة للحيرة في الآن ذاته. وعلى الرغم من وجود آثار لعيش البشر فيها في الماضي، فإنها مهجورة في الوقت الحالي. وثمة أنهار متدفقة جرفتها بعضها الأعاصير والعواصف الرملية، ولكن بشكل عام يعد مناخها معتدلا.
تمتلك شخصيات موليا مهارات مختلفة. في المقابل، كان البعض منهم يعانون من حالة صدمة لم يتعافوا منها، ما جعلهم يهيمون في أرجاء الجزيرة مثل الزومبي، ومن بينهم وزير نقل سابق.
لا يظهر معظم المنكوبين، إذ يحتل عدد قليل من الشخصيات مقدمة الأحداث، فنجد أولاً، الأدميرال (قائد أسطول بحري) الذي جعلته المجموعة قائدا لها، لأن البشر يحتاجون إلى زعيم. وهو رجل عاش لفترة طويلة، وذو شخصية كاريزمية غالبًا ما تنتابه موجات غضب. ولقد اصطحب هذا الأرمل ابنه وابنته ألباني وأطفالها، الذين سيكون لهم دور في هذه المأساة.
بعد وفاة الأدميرال، خلفته ألباني التي، وفي عدة مناسبات، فرضت إعمال العقل حين كان العنف يهدد بالانتشار ثم طردها إيلورياغا، الباسكي (غرب فرنسا) متقلب المزاج الذي كان لاعب رغبي ورجل درك، وعلى غرار الأدميرال، كان يعاني من جنون الارتياب. ومن بين الشخصيات الثانوية، نجد أوزفالدو كوبر، الأكثر قسوة بين الراغبين في الرحيل.
سلالة جديدة
وتمر سنون تتخللها حالات وفاة طبيعية أو ناجمة عن أعمال عنف وحالات جنون وقصص حب وولادة وحالة أو حالتا اختفاء. كما كان هناك محاولات لبث الفوضى. في هذا السياق، يدور التساؤل هل ينبغي تطبيق قوانين العالم القديم، وإن لم يحدث ذلك، فمن سيسن قوانين جديدة؟ وأعيد فرض عقوبة الإعدام قبل أن تُلغى مجددا، ثم ما مصير الأطفال؟ وفي نهاية المطاف، حدث انقسام كلي بين "الباسك" والراغبين في الرحيل.
في ظل دكتاتورية إيلورياغا، سعى المنشقون لتطبيق الحيوانية، وخلق سلالة جديدة من خلال حظر الذكريات والكتابة ثم اللغة، والسماح بالعري والعلاقات الجنسية. وسرعان ما تتحول العودة إلى الحياة الطبيعية إلى كابوس.
من الممتع أن نلاحظ أن تشابي موليا، من إقليم الباسك، اختار أن ينسب إلى الباسكي الميل إلى الوحشية والعبودية. أما النهاية فقد كانت ذكية ومدهشة وحزينة وأيضا مخيبة للآمال.