[ كتب العديد من السجناء الأميركيين ذوي الأصل الأفريقي روائعهم الأدبية ومذكراتهم وسيرهم الذاتية من داخل السجون الأميركية (بكسهير) ]
كانت السجون دوما بيئة خصبا للأدباء والكتاب وحتى الفنانين، وعلى مدى الزمن سُجن كتاب وأدباء لأسباب مختلفة، وكانوا يبدعون روائعهم من داخل السجون، وكأن الخيال يتسع بضيق جدران الزنازين.
حكى الحقوقي المناضل ضد العنصرية مالكوم إكس عن ذكرياته في السجن وألهمت كلماته جمهورا كبيرا، وقال الأديب الأميركي جاك لندن إن تجربة قضائه شهرا في سجن مقاطعة إيري بنيويورك عام 1894، ألهمته الكثير من كتاباته.
وكتب لندن روايته "ستار روفر" عن أستاذ جامعي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في سجن أميركي، بينما يحاول مسؤولو السجن تحطيم معنوياته عن طريق جهاز تعذيب يسمى "السترة"، وهو يحاول الصمود من خلال الدخول في حالة روحية يسير فيها بين النجوم ويختبر حياة الماضي.
أدب السجون الأسود
وفي خضم الاحتجاجات التي تجتاح المدن الأميركية ضد العنف الذي تمارسه الشرطة، من أجل المطالبة بالعدالة والمساواة، يكشف أدب السجون عن مأساة السود التي لا تنتهي جراء العنصرية وسوء تطبيق القانون.
وفي تقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتيك" (theatlantic) الأميركية، سلّطت الكاتبة كريستين غيوم الضوء على عدد من الكتب والسير الذاتية التي تحدث فيها الكتاب والناشطون السود عن ظروف الاعتقال المأساوية التي عاشوها في السجون، وطالبوا خلالها بنظام أكثر عدلا ومعاملة أكثر إنسانية.
وتقول الكاتبة إن الكثير من المؤلفات -مثل كتب الناشطة الأميركية الأفريقية التي هربت إلى كوبا أساتا أولوغبالا شكور، والناشطة والأكاديمية الشيوعية أنجيلا إيفون ديفيس- تقدم خلاصة تجارب قاسية في السجون، وتثير تساؤلات حول العدالة ومفهوم الأمن العام وسلوك الشرطة، وما إذا كان ينبغي أن توجد السجون من الأساس.
لكن هذا النوع من الأدب ليس جديدا كما تقول الكاتبة، ففي القرن 19 ألّف أوستين ريد كتاب "حياة ومغامرات سجين معذّب"، وهو أول سيرة ذاتية معروفة كتبها سجين أميركي من أصل أفريقي، وذلك عندما اعتُقل بتهمة السرقة في سنّ العاشرة في أقدم سجن للأحداث في مدينة نيويورك.
ولا تختلف تلك القصة كثيرا عما عاناه ريجنالد دواين بيتس الذي حوكم كشخص بالغ وهو في سن 16 عاما بتهمة سرقة سيارة، وسرد تفاصيل فترة سجنه في مذكراته عام 2009، وهو العام الذي فاز فيه بجائزة بياتريس هاولي للشعر، ونشر بعد إطلاق سراحه مجموعة من القصائد الشعرية في كتاب أصدره عام 2019.
وقد أكد بيتس لمجلة "ذا أتلانتيك" أن حبّه للأدب نشأ في الوقت الذي كان يعاني فيه من ظروف اعتقال غير إنسانية في سجنه الانفرادي.
وبحسب الكاتبة، فإن تجربة السجن كانت مفصلية للكثير من الكتّاب السود الذي تبلورت أفكارهم ونظرياتهم حول النضال من أجل العدالة خلال الاعتقال، ومن أشهر الأمثلة عبر التاريخ رسالة مارتن لوثر كينغ جونيور عام 1963 خلال ما يُعرف بـ"حركة الحقوق المدنية"، حيث حدّد في رسالته التي أطلق عليها اسم "رسالة من سجن برمنغهام"، فلسفته في الاحتجاج السلمي لتفكيك منظومة القوانين العنصرية.
ومن الأمثلة الحديثة، كتاب صدر عام 2017، نشرته السجينة السابقة سوزان بيرتون مؤسِّسة مشروع "طريقة جديدة للعودة إلى الحياة"، عنوانه "أصبحتُ السيدة بورتون"، سلط الضوء على ما تعانيه النساء في السجون، وطالبت من خلاله بقوانين أكثر عدلا وإنسانية.
ما يسلبه السجن
يقول كاليب سميث أستاذ الدراسات الإنجليزية والأميركية في جامعة ييل إن كتاب "حياة ومغامرات سجين معذّب" الذي انتهى أوستين ريد من تأليفه قبل حوالي 5 أعوام من توقيع أبراهام لينكون على إعلان تحرير العبيد، يكشف عن واقع أليم في السجون وعن ظروف لا تختلف بتاتا عن العبودية، وهي المقارنة التي أصبحت شائعة فيما بعد.
ويُعتبر الكتاب تذكيرا بمدى قسوة السجن ونيله من كرامة الإنسان، على الرغم من كل القوانين والتشريعات التي تهدف إلى تحسين ظروف الاعتقال على مرّ التاريخ.
من سجين إلى شاعر
وفي كتابه "مسألة حرية"، يقول ريجنالد داوين بيتس "بمناسبة عيد ميلادي، كنت في زنزانة انفرادية لا أتركها إلا للاستحمام كل 3 أيام، أو للترفيه مرتين في الأسبوع… بعد يومين من عيد ميلادي، كنت عند الباب أصرخ للحصول على كتاب، عندها ألقى أحدهم تحت باب زنزانتي كتاب: الشعراء السود، للشاعر والمؤلف الأميركي دودلي راندال.. يسرد الشعراء حكاياتهم في كتاب راندال تحت ظلال قاتمة، إنهم يروون قصصا لم أقرأها في الكتب المدرسية".
رسالة من سجن برمنغهام
في رسالته الشهيرة "رسالة من سجن برمنغهام"، يصف مارتن لوثر كينغ جونيور أوضاع السود المأساوية في السجون الأميركية، قائلا "إنني أشك في أنكم ستمدحون قوات الشرطة لو شاهدتم كلابها تغرز أسنانها في زنوج عُزّل سلميين".
ويتابع "إنني أشك أنكم ستشكرون الشرطة بتلك السرعة لو رأيتم معاملتهم الفجة وغير الإنسانية للزنوج هنا في سجن المدينة، لو رأيتموهم يدفعون ويشتمون نساء الزنوج المسنات وبنات الزنوج الشابات، لو رأيتموهم يصفعون ويركلون كبار السن والصبية الصغار من الزنوج، لو شاهدتم مافعلوا في مناسبتين، لقد رفضوا أن يعطونا الطعام لأننا أردنا أن نغني مجتمعين".
وكتب لوثر كينغ في الرسالة الجملة الشهيرة التي تنسب إليه، فقال إن "الظلم في أي مكان يشكل تهديدا للعدالة في كل مكان".
التصويت في السجن
كانت ميغن ماسي تشعر بحماسة شديدة لأنها ستتمتع بحق التصويت في الانتخابات الرئاسية عام 2016، ولكن عندما دخلت إلى السجن في مقاطعة لوس أنجلوس بتهمة إشعال حريق، أخبرها بعض رفاقها المساجين أنها فقدت حق التصويت.
تبين لاحقا أن هذا الأمر خاطئ، وقد تمكنت بمساعدة سوزان بورتون ومجموعة من المتطوعين من الإدلاء بصوتها عبر البريد.