في الزمن الرقمي الحديث الذي تغلغل في شتى جوانب الحياة يكافح فن الخط العربي العريق للاستمرار في مواجهة التحديات التي فرضتها عليه الوسائط الجديدة، ويجد الخطاطون التقليديون منافسين جددا هم برامج الحواسيب التي تحاول مجاراة فنون وجماليات رسم الحرف العربي.
وبينما تشير الأعمال الفنية في العادة إلى تجربة جمالية معينة يتساءل خبراء عن قيمة الخط كفن، وهل تنبع قيمة العمل الفني من إبداعه، أم من قيمته الاجتماعية وسياقه الثقافي، أم لكونه قطعة أثرية نادرة وفريدة من نوعها؟
وفي دراسته عن "الخط العربي في العصر الرقمي" يرى الخطاط والمؤلف مأمون سكال أن فن الخط هو عمل عقلي قبل كل شيء، لكنه يستخدم الأسطح والحبر للظهور المادي، فيما يمكن أن يؤدي استخدام الوسائط الرقمية في الخط لفتح الأبواب أمام أنماط تعبير جديدة في شكل الحروف والألوان.
تأثير الحواسيب
ويقول سكال إن العديد من الخطاطين ومحبي الفن التقليدي يخشون من تأثير ضار لأجهزة الحاسوب على فن الخط العريق، بسبب العمليات الميكانيكية التي تنطوي عليها كتابة الخط التقليدي من ناحية، والفصل بين الخطاط والأعمال الفنية التي يبدعها من ناحية أخرى عند استخدام الحواسيب.
وأضاف أنه "إذا اعتبرنا أن تصميم القطعة الفنية هو أهم عنصر في إنشائها يصبح من السهل الاستعاضة عن خطوات الإنتاج بعمليات جديدة باستخدام التقنية الرقمية دون التأثير على قيمة العمل، ولكن إذا اعتبرنا أن عمل الكتابة اليدوية في حد ذاته جزء مهم من العملية وجانب مهم لذاته مثل التصميم أو الإبداع العقلي فقد يصبح من الصعب قبول أجهزة الحاسوب كوسيلة بديلة لإنتاج الخط، لأنه لن تكون للقطعة الفنية علامات مباشرة وعفوية من يد الخطاط".
ويقارن سكال في دراسته بين الخط والفنون الجميلة الأخيرة، آخذا في الاعتبار جدلا أوروبيا مستمرا بشأن اعتبار الأعمال الفنية الرقمية فنونا جميلة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية أم لا، وهو سؤال يتوقع سكال أن يؤدي حسمه إلى المزيد من التقدير لقيمة الخط الرقمي الفنية في العالم الإسلامي.
نقد للتقنية
وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال المشرف على جماعة الخط العربي في الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية عبد الله بن سليمان الوائلي إن التقنية الإلكترونية "قد تعين الخطاطين على إخراج لوحات ذات أبعاد جمالية ملحوظة، إلا أن اللمسات الإبداعية للخط اليدوي التقليدي تظل هي الأكثر إبهارا ووضوحا كونها مشحونة بروحانيات وأحاسيس الخطاط".
ويقول الوائلي إن مخرجات الحواسيب من لوحات الخط العربي تكون خالية مما يمكن أن تهمس به اللوحة من نبضات جمالية تنم عن حس فني لإنسان ما، بل ربما تكون مختلة التراكيب، مع ثبات نفس الشكل للوحة مهما تعددت مرات طباعتها، فيما يمكن للخطاط اليدوي الكلاسيكي إخراج لوحة مختلفة في كل مرة يعيد فيها كتابة نفس المضمون.
دور فلسفي
أما الخطاط التونسي لسعد ميتوي فاعتبر أيضا أن "الخط العربي له قدسيته الخاصة، لما يلعبه من دور مهم في تطور الفنون العربية، فضلا عن دوره الفلسفي والديني، خصوصا في مجال نسخ وكتابة النصوص الدينية".
ورأى ميتوي في حديث سابق للجزيرة نت أن تقنية المعلومات لها أهميتها في نشر التركيبات العلمية للخطوط، إلا أنها لا تعتبر بديلا عن الفكر الإبداعي الفني في الخط العربي، لأن ممارسة الخط العربي -برأيه- تعتمد على التحضير النفسي والهدوء كون الإبداع إسقاطا نفسيا عميقا.
واعتبر ميتوي أعماله كخطاط تشكيلي تقترب أحيانا من الفن التشكيلي، وهي تندرج ضمن فن الخط العربي، ولكن بتشكيل خاص، ويهدف بذلك لإعطاء الخط العربي ثورة عالمية كالتي أنجزها بعض الفنانين الصينين واليابانيين الذين أعطوا الخط قوة فنية وجمالية دفعته نحو العالمية.