[ الروائي السوري سليم بركات (يسار)، والشاعر الفلسطيني محمود درويش (مواقع التواصل) ]
لم ينقطع الجدل الأدبي والشخصي عن المنابر الثقافية العربية ومواقع التواصل الاجتماعي منذ فجّر الأديب السوري سليم بركات قنبلته قبل أسبوع، ناسبا للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش اعترافه "لي طفلة. أنا أبٌ. لكن لا شيء فيَّ يشدُّني إلى أبوَّةٍ".
وطوال أسبوع كامل منذ نشر بركات مقاله -الذي قال إنه كتبه في يوليو/تموز 2012 ولم ينشره منذ ذلك الحين- لم تتوقف المقالات الناقدة والمشككة، أو المدافعة والمؤيدة لبركات الذي قال إنه تعرف في الثانية والعشرين من عمره على الشاعر الفلسطيني الراحل في بيت الشاعر السوري أدونيس، في لقاء كان البداية لمعرفة بينهما امتدت بين، بيروت، ودمشق، وقبرص، والسويد حيث كتب درويش قصيدته الشهيرة "أثر الفراشة" .
وبعيدا عن قنبلة بركات التي أعقبها جدل امتزج فيه النضالي بالتاريخي، والسياسي بالأدبي، والشخصي بالعام؛ يحاول هذا التقرير استكشاف أشكال العلاقة بين الشاعر ونصه، ويستنطق بعض كلمات درويش عن نفسه، ويستعرض بعض الآراء التي دونها أصحابها.
حياة درويش وشعره
"الخاص عام. والعام خاص..
حتى إشعار آخر،
بعيد عن الحاضر وعن قصد القصيدة..
أنا هنا. وما عدا ذلك شائعة ونميمة!"
هكذا تكلم محمود درويش عن نفسه في قصيدته "أنت منذ الآن أنت" التي كتبها عن حيفا، ليرسم ملامح من العلاقة بين الخاص والعام في سيرة الشاعر ونصه الأدبي، وتابع درويش أيضاً في ذات القصيدة:
"ارتكبتُ من الأخطاء ما يدفعني، لإصلاحها،
إلى العمل الإضافيّ في مُسَوّدة الإيمان
بالمستقبل. من لم يخطئ في الماضي لا
يحتاج إلى هذا الإيمان."
وفي سياق استكشاف العلاقة بين حياة الأديب وأشعاره، استطلعت الجزيرة نت رأي الناقد الأدبي والأكاديمي الفلسطيني عادل الأسطة الذي قال إنه يمزج بين المناهج النصية وغير النصية في دراسة الشاعر الراحل، وعلل ذلك بالقول إن "محمود درويش بدأ حياته منضويا تحت لواء الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والنتاج الأدبي في نظر الماركسيين غير منفصل عن صاحبه، أي لا بد من دراسة أشعار محمود درويش في ضوء حياته وتجربته وسيرته".
وتساءل الأسطة: ماذا لو كتبت سيرة غيرية ذاتية لمحمود درويش كما يفعل الغربيون، وتابع "في هذه الحالة لا بد من قراءة كل ما كتب، ومن الإصغاء إلى المقابلات التي أجريت له، ومن قراءة ما كتبته طليقته -طليقة المنظمة كما كتبت هي- السيدة رنا قباني".
وأردف "محمود درويش إنسان، والإنسان يعاني ويمر بظروف صعبة وقاسية، وقد يعشق وقد يخطئ وقد يقيم علاقات نسوية أيضا وقد تكون له ابنة وقد لا تكون. نحن ندرس ونحلل وقد نتوصل إلى نتيجة وقد لا نتوصل".
واستدرك أستاذ الآداب بجامعة النجاح الوطنية قائلا "إن شاعرا ملتزما بقضية وطنية وأخرى اجتماعية وثالثة إنسانية، هو مشروع دراسة للدارسين ولا يخص أهله فقط.. كلنا خطاؤون ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمني بحجر، وتفاقم الموضوع جاء بسبب أننا مجتمع يعاني من أمراض كثيرة".
وفي قصيدته "رأيت الوداع الأخير" يقول درويش:
"ستأتي فتاة وتزعم أني تزوجتها منذ عشرين عاما.. وأكثر .
ستروى أساطير عني، وعن صدف كنت أجمعه من بحار بعيدة".
وفي مقاله "محمود درويش وأنا"، تحدث بركات عن العلاقة التي جمعته بالشاعر الفلسطيني الراحل، متذكرا قصة تعرفه إليه، وذكرياته معه، وقال إنه كتب رباعيات درويش الأولى على ظهور أغلفة كتبه المدرسية، معتبرا أن قصيدة "ليس للكردي إلا الريح" كانت عن سليم الذي التقاه آخر مرة سنة 2007 في باريس.
ونشر بركات مقاله في ملحق "القدس العربي الأسبوعي" الذي يشرف عليه الناقد الأدبي السوري صبحي الحديدي (الصديق المشترك لبركات ودرويش)، وأثار ردود فعل واسعة على صفحات الملاحق الثقافية العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والفضاءات الإلكترونية.
جدل وسجال
وفي تعليقه على الجدل المثار، قال الأديب الجزائري واسيني الأعرج "درويش إنسان كما جميع البشر، يحب ويكره، يصيب ويخطئ. ومثله سليم الذي لا أعتقد مطلقا أنه قصد الإساءة لوالده. في النهاية هل يؤثر ذلك كله على كون درويش شاعرا عظيما؟ أبدا".
وتابع الأعرج "اتركوا الناس وشأنهم واهتموا بأدبهم فهو الأبقى والأجمل. سيظل درويش كما كل عظماء العصر، كبيرا، وكلما قرأناه، أصبنا بدهشة جديدة. سيرة حياته ربما ستكتب يوما عندما يقبل المثقف العربي ليس فقط بالاختلاف، ولكن أيضا بالحياة الخاصة للكاتب".
وفي المقابل، كتب الشاعر السوري المقيم ببريطانيا نوري الجراح على صفحته بفيسبوك "لماذا يا سليم بركات، يا صديقي الذي أحب؟.. ما حاجتك إلى حكاية كهذه؟ لطالما كنت أحب صداقتك لمحمود درويش، وكنت في نظري ندا بديعا في جواره، ولم أعتبرك يوما ابنا له، كما صرت تقدم نفسك! استودعك وهو حي سرا، فلماذا تفشي سر الصديق، والصديق غائب وليس له لسان؟".
وكتب وزير الثقافة الفلسطيني السابق إيهاب بسيسو إن إعادة قراءة محمود درويش قد تكون الرد الأكثر بلاغة على المقال الذي كتبه سليم بركات، وأضاف "يحزنك تحول الصداقات إلى ذاكرة مشوشة يطوقها الضباب فترتبك وتتقلص وقد تتحول إلى حكايات غامضة عابرة".
واستذكر الروائي والأديب العراقي علي بدر، والفنان اللبناني نبيل البقيلي ذكرياتهما مع سليم بركات ومحمود درويش، وهاجم البقيلي منتقدي بركات معتبرا أنه "شاعر ينتمي إلى سلالة عميقة ومتجذرة في النبل والتاريخ"، في المقابل دافع بدر عن الشاعر الفلسطيني قائلا إنه بعد وفاته تحول إلى أيقونة وخصوصا عند الجيل الجديد "فأثار حساسية الكثير من الشعراء. من يعرف محمود درويش يعرف جيدا أنه يجيد اختراع قصص من هذا النوع للتسلية، لا أظن أن سليم بركات صدقه حينها".
نقد أدبي
وبعيدا عن التعليق على الشخصيات وقريبا من مناهج النقد الأدبي، يقول الناقد الفلسطيني عادل الأسطة إن "المناهج النقدية القديمة وغير النصية -ومنها المنهج الوضعي والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي- لا تفصل بين المؤلف ونصه"، ويتابع "شاعت هذه المناهج وازدهرت لمئة عام وأكثر ولم تنته، وإذا ما طبق الناقد المنهج النفسي، وتحديدا منه (الناقد الأميركي إدموند ولسون) فلا بد من قراءة ما كتبه سليم بركات في ضوء دراسة سيرة محمود درويش الذاتية، وهي متوفرة في بعض كتبه النثرية وفي المقابلات التي أجريت معه وفي الرسائل المتبادلة بينه وبين سميح القاسم".