رُبما كان من غير المستساغ أن يكون فقيهٌ حنبلياً وعقلانياً في نفس الوقت؛ إذ إنه من المشهور أنّ الحنابلة نصوصيون، لدرجة أنّ مصطلح "أهل الحديث" يُراد به غالبا عند إطلاقه جموع الحنابلة، لكن العجيب أنّ الإمام ابن عقيل الحنبلي (ت 513هـ) كان ميّالا كل الميل إلى المعتزلة رغم نبتته الحنبلية!!
فهل كان ميلُه إلى الاعتزال ميلا تقريبيا اعتراضاً على تشظي الأمّة بين التيارات والمذاهب، وتوظيف هذا الانقسام من قبل السلطة السياسية حينئذ؟ أم إنّه كان مقتنعاً حقّا ببعض مقولات المعتزلة؟ أم أراد أن يقوم بعملية انفتاح داخل المذهب الحنبلي وتأسيس تيار عقلاني داخله، يَقرأ أطروحة أحمد بن حنبل (ت 241هـ) قراءة مغايرة لما هو سائد وشائع عنه؟ ذلك ما نسعى -في هذه المقالة- إلى الوقوف على الجواب عنه لتبين حقيقة صنيع هذا الإمام المثير للجدل.
نشأة عقلانية
نشأ ابن عقيل نشأة عقلانية في بيئة عائلية حنفية تميل إلى الاعتزال؛ فبدأ طلبه العلم مقلّدا حنفيًّا ثمّ تحول إلى مذهب أحمد، لكنّه ظلّ منفتحاً على جميع التيارات والمدارس. وبتتبع مشايخه ممن تلقى عنهم ندرك أنّه لم يكن يؤمن بانحصار أخذ العلم في مشايخ المذهب فحسب، فقد أخذ عن أعمدة كل الفنون كالقاضي أبي يعلى الحنبلي (ت 458هـ)، وشيخ الشافعية أبي إسحق الشيرازي (ت 476هـ)، وأبي علي اب