[ من خلال جمال الفن الإسلامي يمكن للمعرض أن يكون فرصة لتغيير الخطاب السائد ضد الإسلام (مواقع إلكترونية) ]
يعد الفن من أهم طرق التواصل بين الشعوب والحضارات المختلفة، لأنه يجعلنا نتعرف على الشعوب بشكل إنساني عن طريق منتجهم الفني أو الثقافي، لذلك اهتمت مؤسسة "معرض الفنون في جنوب أستراليا" (AGSA) بإقامة معرض فني بعنوان "لا إله إلا الله".
وقد جاء المعرض بعد سلسلة من المعارض المتواضعة المحتوى، حيث يضم مقتنيات فنية تنتمي إلى مساحة جغرافية تمتد من المغرب إلى إسبانيا، وهو بمثابة تشجيع على التواصل مع العالم الإسلامي وتبني أفكار التفاهم والاحترام الثقافي المتبادل.
اعتادت المؤسسة في المعارض السابقة على عرض مجموعات صغيرة غير متسقة ودون تنظيم جيد، بينما في المعرض الحالي استخدم جيمس بينيت منسق المعرض قاعات متجاورة، ليصبح المكان متسعا للغاية ومناسبا لعرض جانب من الفن الإسلامي امتد لأكثر من 1000 عام.
تنظيم المعرض
يشير عنوان المعرض إلى المبدأ الرئيسي في العقيدة الإسلامية، وهو الإيمان بالله وحده لا شريك له، ولأن الفن الإسلامي في جوهره فن نفعي فإن المعرض يضم أشياء لها وظائف دنيوية نفعية مزخرفة بشكل جميل استنادا إلى قول الرسول الكريم "الله جميل يحب الجمال".
وترتبط مساحات العرض الأربع ببوابات مصممة على شكل أقواس إسلامية، لإضفاء طابع العمارة الإسلامية على أجواء المعرض، بالإضافة إلى جدران باللون الأزرق الكوبالت الذي يعتبر لونا أساسيا في الفن الإسلامي، وتلاوة القرآن والموسيقى الإسلامية التي تعزز الجو التأملي داخل قاعات العرض.
وخصصت كل مساحة من مساحات المعرض لواحد من الأنماط الرئيسية في الفن الإسلامي، مثل التصوير اللانهائي لكلمة "الله" عن طريق الخط العربي، واستحضار الجنة كما صورت في آيات القرآن الكريم، بالإضافة إلى تصوير الأشخاص والحيوانات في الفن الإسلامي في السياقات الدنيوية العلمانية على الرغم من تجنبها في السياقات الدينية.
أهم المعروضات
من أهم ما ضمه المعرض مصحف صغير صنع في إندونيسيا بمطلع القرن العشرين تبدو فيه دقة الكتابة والخط، بالإضافة إلى النقوش المذهبة المزخرفة بأدق التفاصيل الهندسية التي تحيط بالآيات داخل كل صفحة، ويقع المصحف في مقاس 43* 29* 3 سم، مع غلاف من الجلد المزخرف.
من بلاد المغرب يوجد بابان من القرن التاسع عشر، تمت تغطيتهما بأشكال هندسية متداخلة تدل على إتقان الحرفي المسلم للصناعة وإدراكه لمفاهيم رياضية معقدة تبرز جمال البابين على الرغم من الوظيفة العادية اليومية لهما.
ومن إيران يوجد وعاء خزفي دائري من السيراميك من القرن الرابع عشر مرسوم عليه سرب من الأسماك تسبح بحركة ديناميكية، في حين يمثل اللون الأصلي للوعاء والذي يتراوح بين الأزرق الغامق والتركوازي البحر الذي يضم الأسماك.
ويعتبر النص الموسع المكتوب بجوار كل قطعة بمثابة شرح تفصيلي لوظيفة القطعة الأصلية وأهميتها وسياقها التاريخي، والمعاني الفلسفية أو الدينية التي استمدت منها محتواها الفني، لتضفي طابعا إنسانيا على المسلمين والثقافة الإسلامية، وتزيد التواصل بين رواد المعرض والثقافة الإسلامية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي أخضعت الإسلام والمسلمين لمفاهيم مغلوطة.
مواجهة الأفكار الخاطئة عن الإسلام
من خلال جمال الفن الإسلامي، يمكن للمعرض أن يكون فرصة لتغيير الخطاب الديني السائد ضد الإسلام، والتصدي للأفكار الخاطئة عنه، لأن هناك اعتقادا سائدا بأن جميع مسلمي الشرق الأوسط يحملون نفس الأفكار ونفس التفسيرات الجامدة للدين الإسلامي، ويعتقدون أنه لا يوجد مكان للتسامح في الدين الإسلامي، سواء في الحاضر أو الماضي، ويوضح الفن الإسلامي كذب هذه الافتراضات ويظهر التنوع الجغرافي والثقافي للإسلام من إسبانيا إلى إندونيسيا.
وعلى الرغم من أن كلمة "إسلامية" تشير إلى أنه فن ديني فإن العديد من المنتجات الفنية لها وظائف نفعية تتعلق بالحياة اليومية أكثر من السياق الديني، وتحظى بجمال وتناغم حتى بالسياقات الفنية والثقافية في عالمنا اليوم.
ومن اللافت للنظر في هذا العرض هو أن أغلب المعروضات إما تبرعات من جامعي القطع لفنية أو على سبيل الإعارة للمعرض، ولأن الفن الإسلامي غير متداول بقوة داخل المؤسسات الفنية الأسترالية فإن تكوين مجموعات كبيرة يبدو أمر شديد الصعوبة في الوقت الحالي.
وهناك فكرة أخرى متداولة عن الفن الإسلامي، وهي عدم وجود شخصيات بشرية أو حيوانات في منتجاته، بعكس تلك الفكرة يظهر في المعرض بلاطة إيرانية تعود إلى القرن التاسع عشر تصور المسيح عيسى مصلوبا يحيط به حواريوه الاثنا عشر، ويبدو أن هذه البلاطة صنعت من قبل المجتمع المسيحي ببلاد فارس في ظل الحكم الإسلامي.
ومن المعروضات الأكثر إثارة للانتباه مخطوط مزخرف من القرن السابع عشر، رسم بالألوان المائية المعتمة والمذهبة على ورق، يعرض رسما لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يمتطي البراق، الأمر الذي يعتقد البعض تحريمه في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وفي النهاية، قد لا يكون الفن بمفرده حلا لكل المشكلات الاجتماعية والصراعات الثقافية ورهاب الإسلام، لكنها خطوة صغيرة تخلق فرصا للتعلم والتفاهم بين الثقافات، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الصراعات المتنامية في العالم بالكامل.