[ حصد المخرج السوداني أمجد أبو العلاء جائزة أسد المستقبل عن فيلمه "ستموت في العشرين" (رويترز) ]
اقتنصت السينما العربية ست جوائز في ختام مهرجان فينيسيا السينمائي 76 الذي امتد خلال الفترة من 28 أغسطس/آب الماضي وحتى 7 سبتمبر/أيلول الجاري.
آراب بلوز
بدأ إعلان الجوائز بحصول الفيلم التونسي "آراب بلوز" على جائزة الجمهور، وهو من توقيع المخرجة الفرنسية من أصول تونسية مانيل لعبيدي في أولى تجاربها الروائية الطويلة.
كان الفيلم مشاركاً بقسم "أيام فينيسيا" ونافس أفلاما عديدة على جائزة الجمهور التي استحقها عن جدارة.
تدور أحداث "آراب بلوز/شجن عربي" في إطار كوميدي بتونس عندما تعود سلمى المحللة النفسية الشابة الجميلة من فرنسا، في أعقاب سقوط زين العابدين بن علي، تحمل أفكارا مستنيرة متحررة، وشخصية مسؤولة في تصرفاتها، غير متزوجة، وحيدة، لكنها تعترف بأنها تحب العزلة ولا تريد الزواج، وتقرر أن تعيش وتعمل في بلدها في الوقت الذي يبحث فيه الكثيرون عن فرصة للفرار.
كل ذلك يفتح أبواب الشكوك والتساؤلات من حولها. لكنها تظل وراء حلمها لأن مهنة المحلل والاستشاري النفسي لا تزال غير مستغلة إلى حد كبير في تونس، في وقت تعترف بأنه لا يوجد لديها فرصة عمل مثيلة بفرنسا، حتى وإن اتضح لاحقاً أن هذا ليس وحده المبرر الكافي وأن هناك أمورا عائلية دفعتها لذلك.
تبدأ في استقبال مجموعة من المرضى من أطياف متعددة من الرجال والنساء ليحكي كل منهم همومه ومخاوفه وهواجسه وأحلامه، من خلال تلك المقابلات تتفجر كثير من الكوميديا، وفي نفس الوقت تتيح لنا تأمل واقع هذا البلد عندما أصبح على مفترق طرق بعد ثورة الياسمين، حيث كانت لا تزال القيم التقليدية مترسخة، فهل تنجح سلمي في خلخلتها، وهل تمتلك القوة الكافية لمواجهة العقبات التي يفرضها المجتمع المتشدد بقبضته البوليسية خصوصاً عندما يتم مساومتها على غلق العيادة التي تستقبل فيها المرضى؟
تقوم بشخصية سلمى الممثلة والمغنية الإيرانية جولشفتيه فرحاني بأداء متميز ومقنع كعادتها في جميع أدوارها، وكذلك يؤدي الممثل التونسي مجد مستورة -الذي سبق له الحصول على جائزة أفضل ممثل من مهرجان برلين- دوراً مقنعاً مختلفاً كضابط بوليس، إنه مُعجب بها لكنها ترفضه مما يجعله يُضيق الخناق عليها مستخدماً سلطته لدرجة أنه يهددها بالاعتقال.
لا يمكن إرجاع الجائزة التي حصل عليها الفيلم إلى الخط الكوميدي الساخر، ولكن المخرجة نجحت في تحقيق معادلة صعبة عندما ناقشت بعضاً من قضايا المجتمع التونسي بمهارة بأسلوب ساخر يُفجر الضحك التلقائي، وبأداء تمثيلي بالغ الإنسانية بعيداً عن المغالاة، وبأسلوب إخراجي لم يتخل عن سينمائيته.
ستموت في العشرين
شارك أيضا بقسم "أيام فينيسيا" الفيلم السوداني للمخرج أمجد أبو العلاء بعنوان "ستموت في العشرين" ونال جائزة أسد المستقبل الذي شاركت في لجنة تحكيمه الفنانة التونسية هند صبري، وتسلم أبو العلاء جائزته من المخرج الصربي أمير كوستوريتسا.
تدور الأحداث في إطار زمني يبلغ عشرين عاماً، حيث يتنبأ شيخ متصوف بأن الطفل مزمل سيموت في العشرين من عمره أثناء مراسم الاحتفال بميلاده.
البطل مزمل وكذلك الأم شخصيات سلبية تماماً تنتظر الموت ولا تفعل شيئا سوى الاستعداد السلبي للنهاية، بينما الأب -الذي قام بدوره المخرج طلال عفيفي- لا يستطيع تحمل فكرة الموت فيهرب بحجة العمل في بلاد أفريقية عديدة يعود منها بعد سنوات في حال يرثى لها.
طوال الفيلم ليس أمامنا سوى الانتظار ومتابعة "ابن موت" وفق الوصف الذي يُطلقه أهل القرية على مزمل الذي تأثر بالأفكار الصوفية، ويظل يقرأ القرآن ليكون شفيعا له، فالموت أصبح يشغله أكثر من الحياة، حتى أنه لا يقدر على الدفاع عن نفسه عندما يضربه أو يعتدي عليه أقرانه، مثلما لا يستطيع أن يدافع عن الفتاة التي أحبته.
تقوده الصدفة إلى العمّ سليمان المصور المسن الذي يبدأ في حثه على التمرد، وذلك من خلال ذكرياته والحكي عن السينما وحب الحياة، فيُصبح مرشده إلى التمرد على التراث الموروث.
الفيلم مستوحى من قصة "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب الروائي حمور زيادة. استغرق تصويره حوالي الشهرين في منطقة الجزيرة شمال الخرطوم، وهو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج الذي كان له تجربة روائية قصيرة لافتة عام 2011.
والفيلم الفائز بأسد المستقبل حصل على عدد من المنح الدولية من مختلف المهرجانات منها برلين وبيروت ودبي والأقصر للسينما الأفريقية، وشاركت قطر في إنتاجه، وهو بطولة إسلام مبارك، مصطفى شحاتة، مازن أحمد، بثينة خالد، طلال عفيفي.
بيك نعيش
أما في قسم "آفاق" -الذي يعد الثاني من حيث الأهمية بعد المسابقة الرسمية- فقد فاز الممثل الفرنسي من أصول تونسية سامي بوعجيلة بجائزة أفضل ممثل عن دوره بالفيلم التونسي "بيك نعيش" أو "ابن" كما في عنوانه الإنجليزي، من إخراج مهدي برصاوي، وقد شاركت قطر في إنتاجه مع كل من تونس وفرنسا ولبنان.
ينتمي الفيلم لفئة الميلودرامية، تدور أحداثه بتونس بعد أشهر معدودة من ثورة 2011، البداية من الخلاء، وسط الطبيعة، حيث الاحتفال بشخصية ميريام وهي بين الأصدقاء وزوجها فارس وابنها الذي يبلغ العاشرة من عمره، فقد نالت وظيفة جديدة بإحدى الشركات. أثناء الحفل وبعده نتلمس طيفاً من الأمور التي تمر بها سياسة البلد، وكذلك طبيعة العلاقة المتحررة بين الزوجين، وقوة حبهما للابن وتعلق الأب به.
في طريق العودة يتعرضون لحادث إرهابي يُصاب فيه الابن بحالة خطيرة تستدعي نقل كبد له، ومن ثم تدور أغلب الأحداث بالمستشفى، فالطفل يرقد في انتظار العلاج الذي أصبح من المستحيل الحصول عليه بسبب القوانين الجامدة اللاإنسانية، مع ذلك لا ييأس فارس ويحاول شراء كبد بمبلغ كبير من مافيا تجارة الأعضاء لإنقاذ ابنه بأي ثمن حتى لو كانت حياته نفسه هي الثمن.
لكن، ماذا لو اكتشف فارس أنه ليس الأب البيولوجي لابنه؟ فبعد إجراء التحاليل الطبية تتكشف أسرار من الماضي البعيد كانت قد سقطت في طي النسيان، أسرار ستأخذ الأحداث في مسار آخر، وتقلب حياة العائلة الصغيرة رأساً على عقب لتأخذ منحى ميلودراميا.
كل هذا النصر
أما الفيلم اللبناني "جدار الصوت" فقد حصد ثلاث جوائز دفعة واحدة، يحمل توقيع أحمد غصين في أولى تجاربه الروائية الطويلة، وقد شارك في "أسبوع النقاد" وهو أحد الأقسام الموازية بالمهرجان، أما الجوائز فهي: الجائزة الكبرى، جائزة الجمهور، جائزة أفضل مساهمة تقنية.
يتناول حالة الفزع والرعب الهستيري التي تُصيب خمسة أشخاص حوصروا داخل بيت بقرية في الجنوب اللبناني عام 2006 عندما شنت إسرائيل هجومها الوحشي فقصفت البيوت وهدمتها بلا رحمة. وذلك من خلال شخصية مروان الذي كان يستعد للسفر مع زوجته للخارج، ولكن عندما يبدأ القصف يترك بيروت متجهاً للجنوب ليبحث عن والده الغائب خوفاً عليه، فلا يجده.
أما السينما السعودية التي شاركت بفيلمين لكنها خرجت خاوية الوفاض، شارك الفيلم الأول بعنوان "المرشحة المثالية" للمخرجة هيفاء المنصور في المسابقة الرسمية، وحصل على تقييم متوسط من النقاد.
لكن اللافت أن البعض منحه درجة أعلى من أفلام أوروبية أخرى تفوقه بمراحل مثل التشيكي "الطائر الملون" وبالطبع لعبت الجندرية دورها في هذا التقييم.
أما الفيلم الثاني فشارك بمسابقة أسبوع النقاد وكان بعنوان "سيدة البحر" للمخرجة شهد أمين، وهي تجربة جيدة على المستوى البصري واللغة السينمائية وإدارة الممثل، لكن نقطة ضعفه كانت في السيناريو.