[ كان ليوناردو دافينشي موهوبا بشكل فريد في صنع أشكال جديدة من آلات القتل (مواقع إلكترونية) ]
لا يمكن وصف ليوناردو دافينشي (1452-1519) بأنه مجرد فنان عبقري، فلقد كان موسوعيا متعدد المواهب، وعمل رساما ومهندسا وعالم تشريح ونبات وخرائط وجيولوجيا وموسيقيا ونحّاتا ومعماريا وغير ذلك، ولعل هذا ما جعل عبقريته استثنائية لدرجة طبعت عصر النهضة الأوروبي.
وفي غضون التحضيرات الجارية للاحتفال بذكراه الـ 500 في مايو/أيار المقبل، عثر خبراء معهد للترميم في معرض أوفيزي بفلورانسا الإيطالية، على رسم تخطيطي لمنظر طبيعي، يعتقد أنه من أول لوحات دافينشي، ويثبت فرضية أنه كان يستخدم يديه الاثنتين بالكفاءة نفسها. وقد أثبتت مقارنة أسلوب كتابة الكلمات مع نصوص أخرى كتبها الرسام أنه كان يعمل بكلتا يديه.
وترك دافينشي عددا محدودا من اللوحات وفقد بعضها أو لم ينهها، لكن آثاره تعدت لوحاته وأصبح فنان عصر النهضة ورمزها وصاحب الخيال والإبداع الذي تجاوز زمنه بكثير.
لكن هذا ليس كل شيء، فبخلاف الإبداع الفني عمل دافنشي مع بعض كبار القادة العسكريين والسياسيين في الحروب الإيطالية الكبرى التي بدأت كنزاع بين دوقية ميلانو ومملكة نابولي ثم شملت معظم المدن الإيطالية والدول الأوروبية أيضا بما في ذلك فرنسا وإسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة وإنكلترا وحتى الدولة العثمانية.
ومثل العديد من الفنانين، سعى دافينشي لتعزيز مكانته المهنية والمالية عبر تقديم الخدمات خلال الحرب، واستطاع أن يجذب قادة عصره بتصميماته السابقة لزمانها بكثير واختراعاته ذات التطبيقات العسكرية، وتعد رسالته المعروفة عام 1482 إلى لودوفيكو إيل مورو سفورزا، دوق ميلان وأحد القادة العسكريين الأقوى في إيطاليا، في جوهرها طلب عمل.
ووعد دافينشي بتصميم مجموعة كبيرة من الآليات الجديدة في الحرب، متفاخرا بقدرته على تصميم آلات للهجوم أو الدفاع "لدي طرق لصنع جسور خفيفة وقوية جدا، يسهل حملها، ومفيدة سواء في ملاحقة العدو أو التهرب منه وهي متينة للغاية ولا يمكن تدميرها بالنار أو في المعركة.. وسأصنع سيارات مغطاة وآمنة تخترق العدو وتصمد أمام مدفعيته وسيكون المشاة قادرين على المتابعة وحماية أنفسهم بها دون إصابة أو عوائق".
وبخلاف الجسور والسيارات العسكرية، قال دافينشي في الرسالة إنه يستطيع المساعدة في اقتحام مكان محاصر وقطع المياه عن الخنادق وتصميم أدوات للحصار، كما اقترح تصميم قذائف سهلة النقل "من تصميم جميل وعملي للغاية وخارج عن المألوف".
وقال دافينشي أيضا إن لديه طرقا لتدمير أي حصن حتى إذا جرى تأسيسه على الصخور، وإذا كان الاشتباك في عرض البحر فقد ذكر دافينشي في رسالته تصميما لمحركات فعالة للهجوم والدفاع وسفن يمكنها مقاومة المدافع والدخان.
ووجد تصميم لمركبة حربية في دفتر آخر لدافينشي، ومن الواضح أن الميكانيكا لم تتطور بالكامل، وربما ترك دافينشي خللا في التصميم عن عمد لمنع تنفيذه من أشخاص غير مصرح لهم.
وصمم دافينشي كذلك القوس والنشاب العملاق من أجل زيادة نطاق السهام ويستخدم التصميم لإطلاق النار الصخور والقنابل.
أسلحة الحواس والحرب النفسية
وفي وقت سابق اكتشف دافينشي قوة الحواس في التأثير على البشر في الاحتفالات وتوجيه ردود الفعل العاطفية ولهذا جاءت الكثير من مقترحاته للأسلحة وآلات الحرب مستوحاة من أفكار الصدمة والرعب، بهدف جعل الرجال والخيول خائفين ومرتبكين مما يتسبب في أضرار بالغة.
وفي أحد مقاطع الرسالة قال دافينشي "لدي أنواع معينة من المدافع، يسهل حملها للغاية تطلق الحجارة الصغيرة، كما لو كانت عاصفة من البرد، والدخان الناتج عنها يسبب رعبا كبيرا للعدو، وسوف تجلب الكثير من الخسائر والارتباك".
وفي شرحه لتصميم مدفع نحاسي يعمل بالبخار كتب أن "مشهد غضبه وصوت هديره سيبدو بمثابة معجزة".
وهكذا لم تكن أسلحة دافينشي ترمي فقط لإلحاق الأضرار الجسدية بالرجال المقاتلين والحيوانات والمباني، ولكنها استغلت الهشاشة العاطفية للجنود ووفرت إمكانية لتدمير ثبات ومعنويات الرجال الذين يواجهونها، مع تأكيد العنصر النفسي للحرب، بحسب أساتذة التاريخ الأستراليين سوزان برومهول وجوي داموسي.
متردد بشأن الحرب
لكن دافينشي كان محبطا أيضا. وفي إحدى المخطوطات يكشف عما يبدو أنه خيبة أمل لمصمم حربي "من أجل الحفاظ على الهِبة الرئيسية للطبيعة، وهي الحرية، سأجد طريقة للهجوم والدفاع عندما أكون محاصرا بطموح طاغية. أولا، سأتحدث عن وضع الجدران، ثم كيف يمكن للناس أن يحافظوا على أمرائهم الطيبين والعادلين".
ويبدو أن مشروع الكتاب هذا كان سيبدو أقل تحمسا للحرب وأكثر نقدا للرجل الذي وجد نفسه يعمل من أجله، وفي المقابل يبدو أنه يوحي بطموحه للمساهمة، أو على الأقل التعليق على الأحداث الحالية وأفكار الحكومة الجيدة والسيئة التي شهدها من مسافة قريبة كمقرب من بعض قادة أوروبا الأكثر نفوذا.
في حين أن سجل دافينشي النصي يشهد على طموحاته، فهو يوثق أيضا المظالم التي أحاطت بتجاربه كمشارك في الحرب. فوق صورة لمدفع مبعثر، تقول نصف جملة لم يكملها "إذا كان رجال ميلانو سيفعلون شيئا ما خارجا عن المألوف ..." ربما كان هذا تعليقا يشير إلى بعض إحباطاته.
عند التفكير في دافينشي الآن، ندرك أنه من بين مواهبه العديدة، لم يكن شخصا يكسب قوت يومه فحسب، بل كان موهوبا بشكل فريد في صنع أشكال جديدة من آلات القتل.