[ المسلسل التركي "قيامة أرطغرل" الذي يحظى بمتابعة كبيرة في العالم العربي (الجزيرة) ]
لا تقدم الدراما التركية مجرد بروباغندا عن التاريخ العثماني، بل تنحو معظم أعمالها منحى حداثيا يصمه البعض حتى في تركيا بالتغريب، لكن ذلك لم يشفع لها خلال بعض المنعطفات السياسية في الساحة العربية لتُمنع من البث في قنوات سعودية وعربية.
وأكدت مجموعة "أم.بي.سي" السعودية التي يديرها رجل الأعمال السعودي وليد آل إبراهيم ومستثمرون سعوديون آخرون -ومقرها دبي- أنها تلقت أوامر بوقف بث الدراما التلفزيونية التركية، في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة وبعض الدول العربية ومنها السعودية.
ويرى محللون أن هذا القرار لا يخرج عن حالة الاشتباك السياسي الذي تشهده المنطقة وفتور العلاقة بين أنقرة والرياض في الفترة الأخيرة على خلفية الأزمة الخليجية وحصار قطر. ويشمل هذا الفتور أيضا الإمارات العربية المتحدة ومصر، بسبب الأزمة الخليجية وملف الإخوان المسلمين، وغيرهما.
وأشار مغردون إلى أن ستة مسلسلات تركية توقف عرضها على قنوات أم.بي.سي "1" و"4" و"دراما"، ومعظم هذه الأعمال تندرج في خانة مسلسلات الدراما الرومانسية أو الاجتماعية، باعتبار أن الشبكة السعودية لا تبث غالبا الدراما التاريخية التركية، كما حذفت كل الصور والروابط الخاصة بهذه الأعمال.
القوة الناعمة
وتعد الدراما إحدى أهم أدوات القوة المخملية لتركيا في السنوات الأخيرة، بعد أن غزت المسلسلات المدبلجة معظم التلفزيونات العربية.
ولا ينكر الكثير من المتابعين أن الأعمال الدرامية التركية تمكنت -على الأقل خلال العقد الماضي- من جذب المواطن العربي، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن 75% من المواطنين العرب شاهدوا على الأقل مسلسلا تركيا، وقد شكلت هذه الأعمال صورة إيجابية لتركيا لدى المشاهد العربي.
ونقل موقع "يني شفق" أن 75 مسلسلا تركيا عرضت على الشاشات العربية عام 2016 بإجمالي إيرادات بلغت 600 مليون دولار، واحتلت السعودية المرتبة الأولى من حيث المشاهدة والإقبال على الأعمال الدرامية التركية.
وفي وقت تراجعت فيه الدراما العربية لأسباب مختلفة أو أضحت تكرر نفسها، تميزت الأعمال التركية بالتفوق على صعيد تنوع القضايا المطروحة والمعالجة الدرامية الجيدة وتقنيات التصوير والإخراج والموسيقى والتمثيل، سواء في الأعمال المعاصرة أو في الدراما التاريخية التي تتعلق بالتاريخ العثماني القريب من المخيال العربي.
ووفقا لبيانات رسمية نشرتها الصحف التركية، فإن تركيا تنتج نحو مئة عمل درامي سنويا، توزع نحو 15 منها في دول الشرق الأوسط والبلقان وأميركا اللاتينية وغيرها، بينما يصل عدد مشاهدي الأعمال التركية إلى أربعمئة مليون مشاهد خارج تركيا.
وتستهدف صناعة الدراما والسينما التركية الوصول إلى ملياري دولار عام 2023 بعدما بلغت نحو 350 مليون دولار عام 2016. وصدرت الأعمال الدرامية التركية إلى 142 دولة عام 2016 مقارنة مع 50 دولة عام 2012، في حين تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة من حيث الدراما الأكثر انتشارا.
السياسي والثقافي
وبينما يرى متابعون أن قرار القناة السعودية يعدّ مغامرة غير محسوبة، باعتبار أن القناة راهنت منذ عام 2007 على المسلسلات التركية لرفع نسب مشاهدتها، وهي تنزاح إلى السياسة السعودية الحالية بقطع النظر عن الخسائر المحتملة.
وفي حالة التقاطع بين السياسي والثقافي، سبق للمملكة السعودية -وكذلك الإمارات- أن زجت بنخبة فنانيها للانخراط في الأزمة الخليجية لإنجاز أغان وصفت بأنها "هابطة وسخيفة " وأساءت لتاريخ هؤلاء. كما سبق لقنوات مصرية أن أعلنت مقاطعة الأعمال الدرامية التركية ووقف عرضها قبل أن تتراجع لاحقا عن ذلك.
وفي هذا اللبوس الثقافي يبرز الموقف السياسي، إذ يسعى القائمون على القناة السعودية والسياسيون أيضا إلى كبح ما يسمونه استثمار تركيا لقوة الإعلام العربي للترويج لصناعاتها وسياحتها ومعالمها لدى الملايين من العرب، بينما لا تصب سياساتها في مصلحة المنطقة العربية وفق تقديرهم.
وبينما برر البعض القرار بعدم ملاءمة الأعمال التركية للبيئة المحافظة السعودية، أشار مغردون إلى أنه يأتي في وقت تسلك فيه السعودية أشد مراحل انفتاحها "إلى حد الصدمة" عبر هيئة الترفيه، كما أن المسلسلات التركية أكثر محافظة من الأعمال البرازيلية والمكسيكية التي سيتم بثها.
ويرى القائمون على المؤسسة السعودية أن بث القنوات العربية للأعمال التركية يقدم لها خدمة إعلانية ترويجية مجانية تقدر بمئات ملايين الدولارات، وحتى بروباغندا سياسية ساعدت في تلميع صورة تركيا وتشكيل الرأي العام العربي في عدد من القضايا، بينما لا تبث القنوات التركية أي عمل درامي عربي.
ولا شك في التأثير الإيجابي للدراما التركية عربيا وعالميا، إذ تشير بيانات تركية رسمية إلى أن الدراما ساهمت في رفع حجم صادرات تركيا من الإكسسوارات والحلي والملابس وفنون الموضة والديكور بنحو 9%، والألعاب الإلكترونية بنسبة 26.51%، والأعمال الروائية بنسبة 18.11% في السنوات الأخيرة.
وفي مجاراة الأوامر السياسية بمقاطعة الأعمال التركية يرى مراقبون أن شركة "أم.بي.سي" ستكون الخاسر الأكبر ماديا وجماهيريا، خاصة مع تعلق الجمهور العربي بالأعمال التركية وريادة القناة في هذا المجال، بينما ستكون خسائر الشركات التركية محدودة باعتبار وجود عشرات القنوات العربية الأخرى كسوق تقليدية أو مستجدة للدراما التركية. وفي غياب التأثير المالي والاقتصادي لهذه المقاطعة، ينعدم الأثر السياسي للقرار.
وفي هذا السياق يرى مراقبون أن القرار يعد تصعيدا تجاه تركيا من بوابة الدراما، لا يخرج عن كونه جزءا من المناكفات السياسية غير المدروسة التي طالما انتهجتها الرياض وأبو ظبي في الفترة الأخيرة.