[ فن العازي.. تراث عريق يحتفي به العُمانيون ]
"الحمد لله الأحد .. الدائم الفرد الصمد.. ما له شريك ولا ولد"، تلك مفردات تبدو لمن تشنف أذنيه لأول مرة إنشادا صوفيا، غير أن ما يليها من مقاطع شعرية -مثل "المجد في أرض الكرم .. نظراته أعلى من القمم"- تبين للسامع أنها تتبع لجنس آخر من الفنون الشعبية في سلطنة عُمان.
وتبدو الصورة أكثر وضوحا عندما يشير البعض بلوحة فنية استعراضية تعكس حالة من الفخر والاعتزاز بالتاريخ، على نحو "عمان من ماضي الزمان .. المجد فيها له مكان".
هذه الكلمات مأخوذة من قصيدة شعبية يعرف الفن الذي تندرج تحته بفن "العازي"، ويؤدى في الاحتفالات الرسمية والدينية وعند عقد الصلح واستقبال الأبطال وكبار الضيوف والمسؤولين الذين يزورون البلاد، ولتعزيز قيم الكرم والشهامة والحماسة.
ونَظم كلمات قصيدة العازي التي أخذنا منها المقتطفات السابقة، الشاعر العماني المكرم الشيخ محمد بن حمد المسروري عضو مجلس الدولة بعُمان، وأداها محمد بن علي المرزوقي باحتفالات عمان بعيدها الوطني الخامس والأربعين عام 2015.
وعندما يقول العمانيون "فلان يعزيكم" أو "يعتزي بكم" فهم يشيرون بذلك إلى حالة من تعداد مناقب القوم ومزاياهم النبيلة أو الافتخار والاستغاثة، وذلك وفقا لدراسة توثيقية بعنوان "أنماط المأثور الموسيقي العماني" للباحث جمعة الشيدي، وأصدرها مركز عُمان للموسيقى التقليدية 2008.
فنّ مدني
ووصف المسروري العازي بأنه فن يمارس بالمدن فقط وليس في البادية لحاجته إلى فرق كبيرة العدد، وهو مقصور على الرجال دون النساء، ويتناول قضايا المجتمع لمناقشتها شعرا، وله ثلاثة أنماط في "الأداء".
ويشتهر النمط الأول في جنوب وشمال الشرقية والمنطقة الداخلية بعمان، والثاني بحجور الباطنة شمال عمان، أما النمط الثالث في الأداء فتشتهر به ولاية صور شرق البلاد والعامرات بالسلطنة.
وصنف مركز الموسيقى العمانية العازي ضمن "فنون السيف"، كون السيف أداة أساسية فيه، إذ يمسك المنشد سيفه بيمناه والترس أو الدرع بيسراه، متصدرا موكبا من المشاركين يحملون أسلحة خفيفة تعرف محليا باسم "التفاق"، وتطلق زخات رصاص في الهواء عند نهاية مقاطع محددة بقصيدة العازي.
وينشد مؤدي العازي قصيدته التي يجزئها إلى مقاطع متلقيا ردودا من المشاركين بالفرقة، مرددين عبارات جماعية مثل "واسلمت" استحسانا لما قال، و"الملك لله يدوم" و"العز بالله يدوم " وغيرها من عبارات متعارف عليها بهذا الفن.
وقد درج العمانيون -وفق المسروري- في مناسباتهم منذ مئات السنين على ممارسة فن العازي كثقافة عمانية أيضا في شرق أفريقيا في زنجبار ومومباسا وموزمبيق، "كما كان يؤدي قديما عند تعيين الولاة الجدد واستقبال الأبطال".
بدوره، قال شاعر العازي خميس بن جمعة المويتي للجزيرة نت بأن من ضمن أقدم ناظمي شعر العازي بعمان الشاعر عامر بن سليمان خلفان الشعيبي المطوع الأزدي بوادي بني خالد بعمان (1844-1908) والشاعر خلفان بن سعيد النعماني (1914-1990) وعبد الله القرواشي وغيرهم.
تاريخ عريق
وقال المويتي إن التاريخ العماني يحفل بعازي قديم نظم فيما يعرف باسم "جائحة السبعين" قبل مئتي عام، حين نزلت أمطار غزيرة وسيول جارفة في ذلك الوقت مات بسببها الكثير وتنادى الناس للاستغاثة ببعضهم.
وسبق للسلطنة أن أدرجت في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي باليونيسكو عددا من الفنون، منها فن البرعة (2010) وفن العازي (2012) كملفين منفردين.
كما أدرجت التغرود (2012) والعيالة (2014) والرزفة (2015)، والفضاءات الثقافية للمجالس بعام (2015) والقهوة العربية (2016) كملفات مشتركة.
وحول الفرق بين القائمة التمثيلية وقائمة التراث غير المادي الذي يحتاج لصون عاجل، أوضح المدير العام المساعد للفنون بوزارة التراث والثقافة بعمان السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي -للجزيرة نت- أن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي تعنى بإبراز ذلك التراث على نحو أفضل للعيان، والتوعية بأهميته في ظل احترام التنوع الثقافي.
وقال البوسعيدي إن الاهتمام بالتراث الثقافي غير المادي بعمان يندرج ضمن أبرز اهتمامات وزارة التراث والثقافة، إيمانا منها بضرورة العناية بالتراث الثقافي للمجتمع العماني، ولذلك سعت لتوثيق التراث الشفهي وكرست اهتمامها بالإرث الموسيقي والفني للسلطنة عبر تسجيل الفنون الشعبية العمانية.