خارج قائمة الأفلام التي تتنازع جوائز المهرجانات داخل المغرب وخارجه، وتثير الجدل لدى أوساط النقاد، تعرف السنوات الأخيرة تراكم مجموعة من الأفلام ذات طابع جماهيري، وهي أساسا أفلام كوميدية تحقق حضورا ملفتا على رأس قائمة الأفلام المرتبة في شباك التذاكر، وتعيد الدفء إلى قاعات سينمائية يتواصل نزيف اندثارها.
هي ظاهرة جديرة بالانتباه في ظل مفارقة خاصة يعيشها الفن السابع بالمملكة، على وقع الهوة بين تحقيق طفرة كمية في الإنتاج بمعدل سنوي يفوق خلال العقد الأخير عشرين فيلما في السنة، وبين تواصل إغلاق القاعات السينمائية، ومعه استمرار عزوف الجمهور عن تقاسم متعة المشاهدة.
ففي هذا المشهد، وحدها الأفلام الكوميدية ومعها أعمال قليلة ذات طابع اجتماعي، تصنع الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
ومن اللافت أن هذه الموجة تتغذى على "هجرة" ملحوظة لعدد من المخرجين من أجيال مختلفة -مخضرمين منهم وشباب- يجدون في هذه النوعية من الأفلام جسر تواصل مع جمهور اكتسب عادات جديدة لاستهلاك الفنون البصرية بعيدا عن القاعات السينمائية وبعيدا عن الإنتاج الوطني أيضا.
ولذلك، يعتد عدد من المخرجين الذين حققوا معدلات مشاهدة عالية بنجاحهم في ترميم جسر التواصل مع جمهور أدار ظهره للفيلم المغربي منذ زمن، بينما لا يبدي معظم النقاد حماسا لأعمال يرونها تفتقر في معظمها إلى المقومات الفنية والجمالية للعمل السينمائي.
موجة جديدة
ويمكن القول إن فيلم "الطريق إلى كابل" الذي خرج عام 2012 وحطم أرقاما قياسية في الشباك، دشن بداية موجة جديدة فرضت نفسها على ملصقات ما تبقى من القاعات، وتواصلت مع عناوين من قبيل "الفروج" لعبد الله فركوس، و"أليس في بلاد العجائب" لجيهان البحار، و"الحاجات" لمحمد أشاور، وصولا إلى فيلم "الحنش" لإدريس المريني الذي تحقق عروضه الأولى إقبالا كبيرا، وهي أفلام قاسمها المشترك الكوميديا، وإن تفاوتت قيمتها الفنية.
وبينما تهيمن هذه النوعية من الأفلام على عروض القاعات، يعتبرها عموم النقاد خارج جنس الأفلام التي يراهَن عليها للرفع من الذوق العام، ولا تستوفي مقومات العمل الفني الجدير بالقراءة والتقييم.
أما المخرجة والموزعة إيمان المصباحي ومن موقعها كموزعة لأهم الأعمال الناجحة جماهيريا خلال السنوات الأخيرة، فترى أن المشاهد المغربي منفتح على سينما العالم، لذلك هو يفرق بين العمل الجيد والعمل الأقل جودة، وتفضل التأكيد على تنوع المشهد السينمائي، بحيث لكل نوعية جمهورها.
وفي تفسيرها لهذه الموجة من الأفلام الناجحة جماهيريا دون أن تنال رضا النقاد، توضح المصباحي أن جمهور القاعات غالبا من الشباب، وهذه الفئة العمرية تميل أكثر إلى أعمال تحقق الفرجة والتسلية.
لكنها تشدد على أن الفيلم المتكامل فنيا والقوي إخراجا، الذي يعكس هموم وواقع المغاربة، هو الذي يصمد على المدى الطويل في الشباك.
وتضيف الموزعة أن بروز ظاهرة نجوم الشباك ساهمت في تحقيق نجاح بعض الأعمال بفضل قدرة هؤلاء الممثلين على جذب شريحة واسعة من الجمهور الذي تروقه أيضا أفلام في مجملها غير مستفزة لقيمه ومرجعياته الاجتماعية، وتمرر خطابات بشكل سلس وبسيط.
وتنبه إيمان المصباحي إلى أن فكرة ربط نجاح الفيلم جماهيريا بتصنيفه ككوميديا ليست قانونا عاما، والدليل نجاح فيلم "خلف الأبواب المغلقة" الذي تناول ظاهرة التحرش الجنسي في قالب درامي، وكذا "دالاس" الذي رغم المواقف الكوميدية التي تخللته فإنه تناول في العمق مواضيع تراجيدية، وهما فيلمان تصدرا الشباك سنتي 2014 و 2016 على التوالي.
من جهته، يضع الناقد السينمائي محمد البوعيادي هذه الظاهرة في سياق تعايش مسارين أخذتهما السينما بالمغرب منذ ظهورها. التوجه الأول يعتبر أن السينما وسيلة للترفيه والتسلية، ومنطلقه أن المواطن المغربي يعيش حالة من التوتر بفعل طبيعة الحياة المعاصرة، وهو بذلك محتاج إلى منتوج فني يستجيب لحاجته في الفرجة.
أما التوجه الثاني فينظر إلى السينما على أنها ممارسة ثقافية واجتماعية، وأن الفيلم منتوج إبداعي مهمته الأولى رفع الوعي العام، وفق البوعيادي.
وفي ظل ما تعرفه السينما المغربية من تراجع على مستوى استهلاك الفرجة السينمائية، يلاحظ الناقد أن النقاش عاد من جديد، لكن هذه المرة في اتجاه الدفاع على أطروحة أن الكوميديا رهان إبداعي يمكنه أن ينعش واقع السينما المغربية ويعيد الجمهور إلى القاعات السينمائية.
ولعل اللافت للأمر في نظره أن هذا السياق استطاع أن "يقنع" بعد الأسماء الوازنة والمحسوبة على تيار "سينما المؤلف" بالمغامرة في تجارب سينمائية جماهيرية راهنت كثيرا على الكوميديا من خلال قصص بسيطة ومن خلال الرهان على أسماء كوميدية معروفة لدى الجمهور الواسع.
وفنيا، لا يتردد الناقد في القول إن معظم هذه الأفلام تتأسس في بنيتها الدرامية على المستوى الصفر للكوميديا، الشيء الذي يجعل مسار الأحداث يسير في اتجاه الضحك المجاني الخالي من أي رؤية إبداعية وجمالية.
ويعتبر بروز هذا النوع من الأفلام في الآونة الأخيرة نتاجا لعاملين اثنين: أولهما السياق الثقافي العام الذي يتميز في غالبيته بالتسطيح والاستسهال، وثانيهما أن "النزوع نحو الفيلم الجماهيري، وبالصيغة التي يتم بها في المغرب، لا يرتبط بالادعاءات التي تقول بالحاجة إلى إرجاع الجمهور إلى القاعات، بل يجد مبرره الحقيقي في الفقر الإبداعي والتخييلي للعديد ممن ينتجون هذه العينة من الأفلام".
ويخلص الناقد إلى القول "إننا فعلا بحاجة إلى أن نعيد الجمهور إلى القاعات السينمائية وبحاجة إلى الفيلم الكوميدي مثلما نحن بحاجة إلى سينما المؤلف، لكن تبقى الإبداعية هي الرهان الحقيقي لتحقيق الجماهيرية ولتشريف صورة السينما المغربية في الداخل والخارج".