[ أكثر خمسة أفلام في التاريخ تحقيقا للإيرادات ]
دونًا عن غيرها من الفنون، تبقى السينما الفن الأكثر اقترابًا للناس والأكثر قدرة على الوصول إليهم. فلبساطتها التي تتلخص بصوّر مُتحركة تنطق بنفس لغة الشعب الذي تُعرض له، ولسهولة الوصول إليها التي لا تطلب أكثر من الذهاب لأقرب دار عرض، تمكنت السينما من مَحو المسافات العريضة التي عادة ما تفصل الجماهير عن أشكال الفنون الأخرى. وبهذا استطاعت أن تخرج عن كونها مُجرد فن تستمع به الطبقة المُثقفة، لتصبح بمثابة طقس اجتماعي لعصرنا الحديث، يلف ظلام قاعات العرض فيه الجموع، فتنمحي ما بينها من فوارق واختلافات، ولمدة ساعتين، يتشارك الكل في تجربة شعورية واحدة.
يقول الناقد "توماس سوبشاك" عن هذا في كتابه "مُقدمة للنقد السينمائي": "يفوق وجود السينما في سياق اجتماعي غيرها من الفنون بكثير. فبنهاية العِقد الأول لهذا القرن (العشرون)، كان الكُل مُدرك لكوّن الفيلم جزءًا من النسيج الاجتماعي حتى لأصغر المُجتمعات، وذلك لكونها تخدم رغبة الجماهير في الانخراط بالأكشن والمغامرة والرومانسية والكوميدية. فمنذ دور العروض البدائية الأولى، مرورًا بسينمات عصر الستوديو الفخمة، ووصولًا إلى شاشات العرض المُتعددة في مراكز التسوّق اليوم، نرى أن الذهاب لمُشاهدة الأفلام صار ظاهرة اجتماعية تشمل جموعًا غفيرة". (1)
تنعكس تلك الظاهرة أكثر ما تنعكس في إيرادات الأفلام، فعبرها، نتمكن من معرفة أي فيلم استطاع أن يجذب أكبر عدد من الناس ليقع عليه الاختيار ويكون وجهتهم في زيارتهم التالية إلى السينما. وعبر هذا التقرير، نستعرض أكثر خمسة أفلام استطاعت أن تجذب الجماهير إليها وتكون بهذا الأكثر تحقيقًا للإيرادات على الإطلاق*.
5- تيتانيك 1997
الإيرادات: $1,129,857,100
في الساعات الأولى من يوم 15 من نيسانأبريل عام 1915، غرقت سفينة "آر إم إس تيتانيك" برحلتها الأولى في أعماق المُحيط الأطلنطي، آخذة معها 1500 راكب لموتهم المُحقَق. شكّل غرق السفينة صدمة مُدوية في أرجاء الصحافة والإعلام آنذاك بسبب العدد الضخم للموتى الذين لاقوا حتفهم على متنها. وقد ظلت أصداء تلك الصدمة مُترددة في تاريخ الولايات المُتحدة الحديث، حتى وصلت للمُخرج الأمريكي جايمس كاميرون الذي حوّل قصتها لواحدة من أشهر وأنجح الأفلام على الإطلاق.
بالرغم من الدقة البالغة التي أعاد بها كاميرون تصوير السفينة وبعض من رُكابها الحقيقين، إلا أنه لم يكن هنالك جاك وروز قط، فقد اختلق جايمس الخط الكامل لقصتهما حتى تُعطي ثقل عاطفي للفيلم. أما بعض المشاهد الأخرى التي وقعت لحظات الغرق، فمعظمها مُستوحى من أحداث حقيقية. كفرقة العازفين التي بقيت تعزف على السطح أثناء غرق السفينة، والزوجين العجوزين الذين آثرا البقاء والغرق معًا على أن تذهب الزوجة في أحد قوارب النجاة التي أعطت الأولوية للنساء وتترك زوجها. وكذا كانت شخصية مولي براون التي عاد إليها الفضل في العودة بقارب النجاة رقم 6 إلى حطام السفينة وإنقاذ المزيد من الأشخاص. وبالإضافة لهذا، فالمشاهد التي نراها في المشاهد الأولى والأخيرة للفيلم وتُصوّر أنقاض السفينة تظهر فيها "تيتانيك" الحقيقية، والتي اضطر كاميرون لتصويرها أن ينزل لأعماق شمال الأطلنطي بغواصة اثنتي عشر مرة.
احتاج إنتاج فيلم "تيتانيك" لميزانية ضخمة كانت الأكبر في وقتها-200 مليون دولار-لكن عوائده تجاوزت تكلفته بأضعاف مُضاعفة. فقد استطاع الفيلم أن يكون الأول الذي يكسر حاجز البليون دولار. كما تساوت عدد ترشيحاته للأوسكار بأربعة عشر جائزة -فاز منها بإحدى عشر- مع فيلم "كل شيء يدور حول إيف"، والذي ظل لمُدة سبعة وأربعين عامًا صاحب أكثر ترشيحات لجوائز الأوسكار على الإطلاق.(3)
4- E.T. الفضائي 1982
الإيرادات: $1,183,065,200
هكذا وصف المُلصق الدعائي لفيلم "إي تي" بطله الفضائي الذي نساه بنو جنسه على الأرض ورحلوا لكوكبهم من دونه، ليجد نفسه مهجور في مكان عدائي وغريب. في نفس اليوم، يجده بباحته الخلفية "إليوت"، الطفل الصغير البالغ من العمر عشر سنوات الذي يعاني من الوحدة بسبب تجاهل إخوته الكبار له وطلاق والديه، وتجمع بين الاثنان صداقة عميقة. يُتابع الفيلم إليوت وصديقيه في مُحاولاتهم مُساعدة "إي تي" في العودة لكوكبه وحمايته من عناصر الشُرطة والعُلماء الذين يريدوا أن يحوزوا عليه ليكتشفوا من خلاله أسرار الفضائيين.
استوحى مخرج الفيلم ستيفن سبيلبرج قصته جُزئيًا من طفولته الشخصية الذي اختلق فيها صديق خيالي ليبدد من شعوره بالوحدة إثر طلاق والديه. وقد حاول في إخراجه للفيلم أن ينقل شعور الطفل بالعالم كمكان ضخم ومخيف، عن طريق استخدامه زاويا الكاميرا المُنخفضة بكثرة لتنقل وجهة نظر الصغار لمحيطهم. كما صوّر معظم المشاهد بترتيبها الفعلي في السيناريو على غير المُعتاد عامةً في صناعة السينما، ليتمكن أبطال الفيلم الأطفال أن يندمجوا بشكل أكبر مع الأحداث.(4)
نال الفيلم نجاح ساحق على المُستوى الجماهيري والنقدي على السواء. فقد تربّع على عرش أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات على الإطلاق لمدة أحد عشر عامًا، كما رأى فيه النُقاد ترجمة ذكية لشعور الإنسان بالاغتراب موضوعة في قالب طفولي يستطيع أن يتعاطف معه الجميع. حيث كان الفضائي "إي تي" الانعكاس الشعوري للطفل إليوت. فبينما يشعر "إي تي" بالغُربة والضياع لوجوده بمكان غريب عنه، يشعر إليوت بذات المشاعر داخل جدران منزله الباردة التي لا يفهمه فيها أحد. (5)
3- صوت الموسيقى 1965
الإيرادات: $1,187,744,200
لا تتحلى ماريا بتصرفات تليق براهبة، فدائمًا ما كانت تهرب إلى التلال حيث ترقص وتغني، بينما تهمل في أداء واجبات الدير. ولرؤيتهن أنها لا تصلح للعيش معهن، ترسلها الراهبات لتعمل كمربية لأبناء أُسرة فون تراب السبعة الذين فقدوا أمهم منذ سنوات ويعيشون مع والدهم الكابتن السابق في البحرية.
حينما تذهب ماريا إلى هناك، ترتاع لصرامة الكابتن الذي يدير المنزل كثكنة عسكرية. لكن شيئًا فشيء، تتمكن ماريا من إدخال جو من الدفء والسرور على البيت لم يستطع حتى الكابتن الصارم أن يقاومه، ليقع في حبها ويتزوجا. لكن سرعان ما هبطت غيوم الحرب العالمية على المشهد، لتحاول العائلة جمعيها الهرب لمكان أكثر أمانًا.
يكاد "صوت الموسيقى" أن يُعتبر مُرادفًا للفيلم الموسيقيّ، فبأغانيه المُبهجة، ولقطاته التي تُظهر القرى الأوروبية الهادئة حيث ترقص وتغني جولي أندروس، استطاع الفيلم أن يسحر الناس، ويصير ثالث أكثر فيلم تحقيقًا للإيرادات في تاريخ السينما.
و"صوت الموسيقى" مُستوحى من قصة حقيقية أقل رومانسية بكثير، فقد عملت ماريا بالفعل في بيت جورج فون تراب، الذي ما إن لاحظ اهتمامها بأولاده، حتى طلب الزواج منها لتكون بمثابة أم لهم. وماريا، التي كانت تحترم الكابتن دون أن تُحبه، قبلت الزواج على مضض لحاجتها لمأوى. (6) والجدير بالذكر أن فيلم "صوت الموسيقى" تم اقتباسه في نسخة مصرية من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين تحت اسم "حُب أحلى من حُب".
2- حرب النجوم 1977
الإيرادات: $1,485,517,400
في "زمنٍ سحيق ومجرة بعيدة، بعيدة جدًا"، تنطلق أحداث الجزء الأول من حرب النجوم، والذي يتناول الصراع الدائر بين "تحالف الثوّار" بقيادة الأميرة ليّا، والإمبراطورية المجرّية ومركبتها القادرة على تدمير الكون "نجمة الموت".
يبدأ الفيلم وقد تمكن تحالف الثوار من الفوز بمعركة طاحنة مع الإمبراطورية المجرّية، استطاع في إثرها الاستيلاء على مُخططات "نجمة الموت". لكن في طريق العودة، تُختطف الأميرة، وتضيع المُخططات. بمحض الصدفة، تقع المخططات في يد الشاب لوك سكاي واكر، ليجد نفسه مُلقى به في خضم الصراع الدائر والذي يحيله من مُجرد مُزارع بسيط لبطل قوي يصير أمل المجرّة في القضاء على "نجمة الموت" وإنقاذ الأميرة.
استطاع مُخرج ومؤلف الفيلم "جورج لوكاس" أن يأسر خيال الملايين بقصته التي استلهم فيها العديد من التأثيرات المُحببة - من أفلام الويسترن وأفلام الخيال العلمي كأوديسة الفضاء، لحكايات الجدّات والمسرح الإغريقي القديم- ودمجها في إطار فانتازي امتلئ بالإسقاطات الواقعية والتي جعلت في مُجملها من مُشاهدة الفيلم تجربة ممتعة. (7)
بعد النجاح الساحق للجزء الأول، تم إنتاج ثلاثيتين إضافيتين بالإضافة لعدد مهول من المسلسلات والقصص المصوّرة والكُتب وألعاب الفيديو، مما جعل الإيرادات المُجمَعة لكل الأعمال الفنية التابعة لحرب النجوم حوالي 41مليار دولار وفقًا لموقع فورتشن الأمريكي. (8)
1- ذهب مع الريح 1939
الإيرادات: $1,685,052,200
استطاعت الجُملة الأخيرة التي قالها ريت باطلر لسكارليت أوهارا في نهاية فيلم "ذهب مع الريح" أن تفلت من شريط السينما وتستقر في وجدان كُل مُحبي هذا الفن عبر التاريخ. فالفيلم الأيقوني الذي اُطلق عام 1939، استطاع أن يُحطم العديد من الأرقام القياسية ويصير الأكثر تحقيقًا للإيرادات على الإطلاق.
تدور أحداث الفيلم في خلفية الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب، حول حياة الجميلة اللعوب سكارليت أوهارا وقصة حُبها المضطربة التي تجمعها بجارها المُتزوج أشلي ويلكس، وزواجها بالرجل النَزِق الذي كثيرًا ما يشببها دون أن تحب هي أن تعترف ريت باطلر. تحرك الحرب والحب خيوط قصتها والتي تبدأ بها فتاة مُدللة في عزبة أبيها، ولا يمر الكثير من الوقت قبل أن تخسر كل شيء وتجد نفسها وقد صار همها الوحيد مُجرد البقاء.
بالإضافة لقصته الجذّابة المأخوذة عن رواية لمارجريت ميتشيل بالاسم نفسه، فـ"ذهب مع الريح" يُعد واحد من أوائل الأفلام ذات الإنتاج الضخم في هوليوود. فقد كان من أوائل الأفلام المُلوّنة على الإطلاق، كما كان أطول فيلم أمريكي مُزوّد بالصوت عند اطلاقه - مُدة الفيلم ثلاث ساعات وثمانية وخمسين دقيقة- بالإضافة للعدد الضخم من الممثلين الذي احتاجهم لتنفيذه: 2400 ممثل في أدوار ثانوية، و50 ممثل له جُمل حوارية.(9)
اقتنص الفيلم ثمان جوائز أوسكار في معظم المجالات الأساسية (أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل سيناريو مأخوذ عن رواية، أفضل ممثلة، أفضل مُمثلة مُساعدة)، بالإضافة لجائزتين تقديريتين لمساهماته في تطوير صناعة السينما خاصة في مجال الألوان. فحتى لمشاهدي القرن الحادي والعشرين، تظل درجة نقاء الصورة بالنسبة لفيلم تم انتاجه في الثلاثينات مُدهشة. (10)