أكدت ندوة نقاشية -نظمها منتدى العلاقات العربية والدولية أمس الثلاثاء بمؤسسة الحي الثقافي (كتارا) بالعاصمة القطرية الدوحة- أن الرواية السياسية تحضر بشكل لافت في المجتمعات المقهورة الحاضنة للفساد والفقر والظلم.
وقال الروائي القطري عبد العزيز آل محمود إن الرواية السياسية تنضج بالدول الدكتاتورية وفي ظل الأنظمة الشمولية، لكون مفردات السياسة بهذه البلدان متنفس البشر وغذاءهم اليومي، لافتا إلى أن الدول الديمقراطية في الغرب تجاوزت الرواية السياسية إلى إنتاج روايات بوليسية وإنسانية.
وقدم آل محمود نموذجين للرواية السياسية: الأول رواية "دون كيشوت" للكاتب الإسباني سيرفانتيس، والتي جعلت من بطلها أضحوكة كسرت هيبة البطل الذي يجسد في الغالب صورة الأقوى والأجمل والمنقذ.
أما النموذج الثاني فتمثله رواية "الدكتور جيفاكو" للكاتب والشاعر الروسي بوريس باسترناك، التي منعها النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق بدعوى أنها تحكي عن مآسي الثورة البلشفية وعن معاناة الناس وقتئذ من جحيم الدكتاتورية.
ثغرات التاريخ
لكن المخابرات الأميركية عملت في خضم الحرب الباردة المشتعلة بين الدولتين العظميين على نشر تلك الرواية بداخل روسيا كما عملت على تهريب أكثر من عشرة ملايين مطبوعة من كتب وروايات وقصص تنتقد نظام الحكم وتصور استبداده وطغيانه.
وفي معرض رده عن الطابع السياسي برواياته، قال صاحب رواية "القرصان" إنه يسعى دوما إلى البحث عن "ثغرات" في التاريخ وتناول قضايا تاريخية مهملة لم يكتب عنها من قبل، أو استخراج شخصيات غابرة أو ملتبسة، مثل شخصية أرحمة بن جابر الذي يمثل نموذج الشخصية المثالية الشجاعة في نظر دول ويجسد صورة قاطع طريق في دول أخرى، مشيرا إلى أنه لما استدعى هذه الشخصية من كتب التاريخ ووثائقه بسطها كما هي دون أن يعمد إلى الترميز أو التغليف.
من جانبه، اعتبر الروائي الإريتري حجي جابر أن كل رواية رافضة للواقع والعرف السائد هي رواية سياسية، باسطا مجموعة من المحاذير التي تنزع صفة "السياسية" عن هذا الشكل من الرواية منها: تسمية الأشياء بمسمياتها المباشرة وكأن القارئ أمام نشرة أخبار ضاجة بمفردات السياسة، ونزوع الكاتب إلى قول كل شيء في الوقت الذي تتكتم فيه الرواية الحقيقية على مجموعة أشياء ولا تفصح عنها، وتدع للقارئ هامشا للتأويل والتفسير والتخييل.
ويرى جابر أن الشخصيات في الكتابة السردية متفلتة عن الحكم والتأطير، وموسومة بالغموض والالتباس لأن بناء أي شخصية ملتبسة في الرواية ينبني على مقدار حقنها بجرعات الخير والشر.
وضوح وأقنعة
وبسط صاحب رواية "مرسى فاطمة" وجهة نظر مغايرة للرأي السابق، ترى أن الرواية السياسية قوية إذا ما سردت أحداثها بوضوح، عكس الروايات التي تضمر ما هو سياسي لاذع باستخدام الأقنعة أو الاستناد إلى التاريخ أو استنطاق الشخصيات على لسان الحيوانات، اتقاء لمصير يقوده لدهاليز السجون أو المتابعة والتضييق.
ودلل جابر رأيه بنموذج رواية "الرياض ـ نوفمبر 90" للروائي السعودي سعد الدوسري التي لم تصدر إلا بعد عشرين عاما من كتابتها، وظلت تقرأ خفية، قبل أن تخرج بشكل علني وتتوج بجائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية، مضيفا أن هذا الهاجس ظل يسكن الدوسري حتى في روايته "مواطئ الوقت" التي كلما زادت جرأتها في تعرية الواقع ازداد منسوب الترميز، مما جعل هذا النص الروائي موغلا في الإبهام وضارا بلذة القراءة.
وأشار إلى أن هناك فرقا بين من يكتب في الحاضر منتقدا ومن يستدعي الماضي في انتقاد جهاز حكم أو منظومة سياسية أو غيرهما، مقدما مثالا صارخا عن هذا الفرق بقوله "إن من ينتقد عمود الإنارة في إريتريا كمن ينتقد رئيسا في دولة عربية".
وخلص الكاتب الإريتري إلى الحديث عن المنحى السياسي برواياته لاسيما "مرسى فاطمة" و"لعبة المغزل" والحديث عن بعض الروايات السياسية غير الكلاسيكية من قبيل "الدفتر الكبير" لأغوتا كريستوف و"آلام ظهر حادة" للسوداني عبد الغني كرم الله و"ذكريات ضالة" للكويتي عبد الله البصيّص.