تنفرد محافظة ظفار بالعديد من الملامح التي تميزها عن غيرها من المناطق في سلطنة عُمان، فإلى جانب الجبال والسهول الخضراء، تعتبر المحافظة موطنًا لأشهر المأكولات الشعبية، منها الخبز الظفاري الرقيق أو ما يعرف محليًا بخبز "القالب" وخبز الكعك.
مراسل الأناضول زار المحافظة وقام بجولة في المناطق التي تشتهر بصنع خبز "القالب"، حيث لا يزال صنّاعه متمسكون بالطرق التقليدية لإعداده، سواء للاستخدام المنزلي أو للبيع.
* خبز استثنائي
يعتمد تحضير عجينة خبز "القالب" على السمن البلدي والطحين والسكر والملح، فضلًا عن الحبة السوداء.
وخلال رحلة تطوّره، بات خبز القالب الرقيق يُصنع على يد نساء ماهرات اكتسبن خبرة إعداده من أمهاتهن جيلًا بعد جيل، بداية من خلط المكوّنات الصحيحة وصولاً لوضعه على جدران التنور وإنضاجه.
قديمًا اعتادت النساء، قبل ظهور الآلات الحديثة الخاصة، على طحن الحبوب باستخدام حجر الرحى للحصول على الدقيق، في مهمّة تطلبت جهدًا كبيرًا.
إعداد السمن أيضًا كان يحضّر بطريقة تقليدية للغاية، حيث كان يتم عبر خضّ الحليب باستمرار حتى ظهور الزبدة ثم جمعها واستعمالها في صنع الخبز.
أما التنّور، فهو الفرن الذي يُطهى فيه الخبز، ويتألف من حفرة أرضية تُبنى جدرانها من طين يتم إحضاره من مناطق جبلية، بينما كان يشيّد في الماضي من الطين الأصفر أو ما يسمى قديمًا بالطين الخطري.
حرارة التنور اللازمة لإنضاج الخبز، تأتي من حرق الأخشاب الجافة داخله حتى يتحوّل إلى جمر، ثم يوضع عليه بعض الرماد لكي يتمّ ضبط الحرارة عند المستوى اللازم.
* زوّادة المسافرين
يعدّ خبز "القالب" الرقيق من الأطعمة المفضلة للرحالة والمسافرين والرعاة ممن يظلون في الصحاري والبادية لفترات طويلة، ذلك أنه يمكن تخزينه لمدة تبلغ 45 يومًا دون أن يفسد، باستثناء فترات الخريف حين ترتفع نسبة الرطوبة، ممّا يخفض من فترة تخزينه المحتملة.
ويمثل خبز "القالب" جزءًا من التقاليد القديمة جدًا لأهل ظفار، التي زارها الرحالة ابن بطوطة سنة 1331 ميلادية، إذ يُروى أنه أحضر معه في رحلته على السفينة أثناء رحلته إلى الهند خبزًا من ظفار كان يصنع في تنّور.
وتحرص الأسر العمانية المنتجة على أن يكون في بيتها تنّور صنع خصيصًا من أجل خبز القالب، الذي يستقطب الكثيرين ممّن تعوّدوا على مذاقه ورائحته الطيبة في طعامهم، إذ هناك من يأكله مع الشاي باعتباره وجبة مشبعة بحدّ ذاتها.
وفي الوقت الراهن، لم يعد إنتاج وبيع الخبز الظفاري يقتصر على المحافظة وحدها، فمع انتشار المخابز العصرية ووجود المكوّنات الأساسية لتحضير الخبز، صار بالإمكان إنتاج كميات منه توزّع على الزبائن الراغبين بشرائه في جميع أنحاء السلطنة.