تعود الأنظار مجدداً إلى المرجع الديني الأعلى في مدينة النجف جنوبي العراق، علي السيستاني، للتدخل وتهدئة الأزمة السياسية التي بلغت مراحل متطورة بتكرار أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الاحتجاجات داخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد، واقتحام القصور الحكومية، والمطالبة بإسقاط النظام، وهو الشعار الذي كان الصدريون يرفضون الحديث عنه في السنوات الماضية، لكنهم باتوا يهتفون به، تحديداً بعد قرار الصدر اعتزال الحياة السياسية نهائياً، عقب بيان اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري، ومطالبة شيعة العراق باتباع المرشد الإيراني علي خامنئي.
ويأمل عراقيون ومتابعون للشأن السياسي، وبعض قادة الأحزاب الشيعية، موقفاً من السيستاني، إذ يجد مراقبون في مرجعية النجف أنها القادرة على ضبط إيقاع الصدريين والتأثير على قرار الصدر، لكن في الوقت ذاته، تشير مصادر مطلعة من النجف بأن السيستاني لا يريد التورط في أي موقف قد يخدم طرفاً سياسياً على حساب طرف سياسي آخر.
في السياق، أفادت مصادر مقربة من مرجعية النجف بإمكانية صدور موقف عاجل يساهم في منع الفوضى وانزلاق الأوضاع في البلاد، لكن المخاوف من استغلال موقف السيستاني وتفسيره سياسياً على أنه لمنع متظاهري التيار الصدري من الاستمرار باحتجاجاتهم، ما سيؤدي إلى خدمة قوى "الإطار التنسيقي" القريب من إيران.
وأشار أحد المصادر، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رسائل من شخصيات سياسية عراقية، ودينية إيرانية، وصلت لمرجعية النجف (السيستاني) تطالبه بموقف معلن يوقف الأحداث الجارية أو إطلاق مبادرة، كما أن أطرافاً دولية، وخاصة بعثة الأمم المتحدة، تحاول حالياً الحصول على موقف من السيستاني أو اللقاء به، لكنه يرفض استقبال أي شخص وأي جهة للخوض بهذا الموضوع".
مصدر آخر لفت إلى أن "مرجعية النجف حذّرت في وقتٍ سابق من تداعيات عدم الاستماع لها وللشعب العراقي دون أن تلتفت الطبقة السياسية لذلك، لكنها قد تتدخل بموقفٍ ينحاز بشكلٍ كبير للشعب العراقي".
من جهته، قال عضو حركة "وعي" هاتف سهيل إن "مرجعية النجف لن تتورط بأي موقف قد يُفهم على أنه لصالح الإطار التنسيقي. وحسب معلوماتنا، فإن موقف السيستاني غير متقاطع مع مشروع الصدر الإصلاحي إلى جانب القوى الوطنية الأخرى".
وأكمل سهيل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السيستاني بعد فتوى تشكيل قوات مساندة للقوات الأمنية عام 2014، وتحويل هذه الفتوى إلى تشكيل هيئة الحشد الشعبي، وصل إلى قناعة بأن الأحزاب تتعامل مع السيستاني في أوقات الأزمات فقط، وهي بعيدة عن تطلعات الشعب العراقي"، معتبراً أن "الموقف حالياً يستدعي خروج العراقيين من منازلهم للإطاحة بالطبقة الحاكمة".
وفور إعلان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر اعتزاله النهائي العمل السياسي وإغلاق المؤسسات كافة المرتبطة بالتيار، بدأ أنصاره بالتوجه نحو المنطقة الخضراء في بغداد، وسط انتشار مكثف للقوى الأمنية العراقية.
وقُتل شخصان من أنصار التيار الصدري برصاص داخل المنطقة الخضراء، في حين استقبلت مدينة الطب نحو 30 شخصاً أصيبوا بجروح بعضها خطيرة، وهو ما دعا قوات الأمن إلى إجبار المتظاهرين على الابتعاد عن منازل المسؤولين، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
من جانبه، أشار العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، إلى أن "نيراناً غير صديقة وليست عراقية أطلقت باتجاه المتظاهرين الصدريين اليوم، مع العلم أن الصدر طيلة الفترة الماضية دعا إلى عدم إراقة الدماء، لذلك فإن المرحلة المقبلة ستكون تصعيدية يقودها الشعب بعد انسحاب الصدر".
واعتبر حسين، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "أي موقف من السيستاني سيكون بكل تأكيد في خدمة الشعب، ومن المستحيل أن نسمع غير ذلك من المرجعية التي أقفلت أبوابها بوجه قادة الأحزاب، بالتالي فإن موقف السيستاني في حال صدر سيشكل ضغطاً على الأحزاب ومكسباً للشعب العراقي".
بدوره، رأى الباحث العراقي سالم الحيدري أن "الصدر يقدر عالياً مرجعية النجف، وتحديداً السيد السيستاني، ولا يخرج عن رؤيتها في التعامل مع الأحداث والوقائع، فبالرغم من أنه تصدى بشكل مباشر للعمل السياسي عكس رغبة المرجعية، فإنه لا يزال يحتفظ بعلاقات طيبة، فحين أغلقت المرجعية أبوابها بوجه السياسيين جميعهم استمرت باستقبال الصدر بصرف النظر عن نوع المناسبة".
وأكد الحيدري، لـ"العربي الجديد"، أن "إيران لا تملك تأثيراً قوياً على الصدر، وما قامت به من دفع المرجع الحائري، والذي يعتبر مرجع غالبية التيار الصدري، إلى الاعتزال، كان ضربة عقائدية للتيار، لكن قرار الصدر بالانسحاب النهائي قلب المعادلة"، متوقعاً أن "يلتزم الصدر بأي موقف يصدره المرجع السيستاني لو حصل ذلك".
في الأثناء، ترأس رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعاً طارئاً، وأصدر عدة توجيهات، ضمنها "الالتزام التام بالتعليمات فيما يخص حماية أرواح المتظاهرين، والحفاظ أيضاً على الممتلكات العامة والخاصة، ومنع التجاوز على المؤسسات الحكومية من قبل أي طرف كان"، فيما دعا، عبر بيان رسمي، المتظاهرين إلى "الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، وعدم إرباك الوضع العام في البلاد، وتعريض السلم المجتمعي إلى الخطر".
كما أصدر رئيس الدولة العراقية، برهم صالح، بياناً دعا فيه إلى "التزام التهدئة وضبط النفس ومنع التصعيد، وضمان عدم انزلاق الأوضاع نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها"، مبيناً أن "التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستورياً مع الالتزام بالقوانين وحفظ الأمن العام، ولكن تعطيل مؤسسات الدولة أمر خطير يضع البلد ومصالح المواطنين أمام مخاطر جسيمة".
ورغم ذلك، صعّد أنصار التيار الصدري من موقفهم بعد دخولهم القصور الرئاسية في بغداد، حيث دخل أنصار التيار مبنى محافظة البصرة ومباني حكومية في ذي قار والديوانية، ودوائر حكومية في جنوب العراق، فيما يجري الحديث عن احتمال دخول قوات مليشيا "سرايا السلام" التي يديرها الصدر على خط حماية المحتجين.