كان عمر اللاجئة الفلسطينية هالة أبو حق حين زارت قريتها المهجرة "بصة الفالق" قضاء طولكرم 13 عاماً فقط، لكن مشهد والديها الراحلين حين وصلا معها إلى القرية لا يفارق مخيلتها كما تروي لـ"العربي الجديد".
قدمت أبو حق للمشاركة بالفعاليات المركزية لإحياء ذكرى النكبة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية اليوم الأحد؛ من قلقيلية شمال الضفة الغربية، وهي تبلغ من العمر 56 عاماً، وتجيب عن سؤال لـ"العربي الجديد"، إن كانت رأت قريتها، بإجابة أمسكت فيها الدموع عن الانهمار: "زرتها والحنين جياش لزيارتها ثانياً وثالثاً، كان عمري 13 سنة، والدي ووالدتي أخذونا لنتعرف عليها، رأيت فقط البكاء من أمي وأبي، بكاء إلى الآن لا أنساه، ومع البكاء أخذوا يتفقدون الأماكن التي عرفوها في طفولتهم، مكان المدرسة التي لا تزال آثارها قائمة، وبئر المياه الموجودة إلى الآن".
ولو عادت هالة إلى قريتها ماذا ستفعل؟ تجيب بتأثر: "يا الله شو بدي أعمل، أريد بناء المدرسة، أريد تربية جيلنا على حب الوطن والإخلاص والوفاء لأمي وأبي بأن نبقى منغرسين في الأرض"، فوالدها الذي توفي عن عمر 86 عاماً، مات وهو يحلم بالعودة كما تقول، وبأن يجلس تحت شجر قريته ويشرب المياه من بئرها.
تؤكد أبو حق أنها قدمت للمشاركة بالفعاليات في رام الله لتقول: "إن العودة حتمية"، مشيرة إلى أن ما اعتبرته الزحف الجماهيري من كل مناطق الضفة الغربية ومخيماتها ومدنها "أكبر دليل على أن حق العودة لا يسقط إلا بالعودة".
وعلى وقع هتافات متعددة للعودة والمقاومة وأخرى ضد الاحتلال في مسيرة انطلقت من أمام ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات وصولاً إلى دوار المنارة؛ انطلقت عند الساعة 12:30 ظهراً صفارات الإنذار لمدة 74 ثانية، وهي عدد السنوات منذ نكبة فلسطين عام 1948، تلك النكبة كان من الحاضرين من يقول إن الفلسطينيين يعيشونها في كل يوم.
أم أحمد فريحات القادمة من مخيم جنين، جاءها خبر استشهاد اللاجئ داود الزبيدي، الذي أصيب الجمعة، برصاص الاحتلال بعد اقتحام محيط المخيم، تقول فريحات لـ"العربي الجديد": "اليوم انتكبنا مرة أخرى باستشهاد داود الزبيدي، أهله هجروا عام 1948، وشقيقه زكريا الزبيدي أسير ولا نعلم مصيره، نحن اليوم في نكبتي".
وقبل وصول نبأ الزبيدي، كانت فريحات تحمل معها رسالة وفاء كما تقول من جنين إلى الصحافية شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت في محيط مخيم اللاجئين مخيم جنين، مستذكرة أنها كانت تغطي معركة المخيم عام 2002، متابعة: "كانت معي من جنب إلى جنب، لها بصمة في كل المخيم".
"كفى ظلماً"
بدوره، قال منسق اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة محمد عليان لـ"العربي الجديد": "إن الجموع الكبيرة التي شاركت في إحياء ذكرى النكبة هذا العام جاءت برسالة واضحة وهي الشعار الذي أطلقته اللجنة هذا العام بأن كفى 74 عاماً من ظلم الاحتلال الذي يمارس أبشع الجرائم اليومية ضد الفلسطينيين، وكفى 74 عاماً من الكيل بمكيالين من المجتمع الدولي".
ووجه عليان رسالته بأن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية عن تهجير الفلسطينيين عام 1948، وكذلك عما تقوم به دولة الاحتلال من قتل وتدمير وانتهاك لحركة المقدسات، مؤكداً على التمسك بحق العودة.
وشارك في فعاليات إحياء ذكرى النكبة آلاف الفلسطينيين من بينهم فرق كشفية من المخيمات والقرى المهجرة والمدارس الفلسطينية، وأهالي المخيمات، وموظفون في المؤسسات العامة والخاصة، حاملين شعارات تؤكد على حق العودة بأسماء القرى والمدن التي هجر منها اللاجئون، وأعلاماً سوداء، وأعلام فلسطين، إضافة إلى مجسمات لمفتاح العودة.
بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في كلمة له خلال مهرجان انتهت إليه المسيرة: "إننا لن نقبل بالحلول المجتزأة لقضية اللاجئين"، مؤكداً أن حق العودة حق ثابت لا يسقط بالتقادم، مشدداً على ضرورة الحفاظ على البعدين القانوني والسياسي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وعلى رفض نقل أي من صلاحياتها إلى منظمات أممية أخرى.
أما نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، فقال في كلمة له، "إن المعارك ما زالت مستمرة في القدس وفي كل مكان من فلسطين والشتات"، مؤكداً أن "التضحيات لن تتوقف، وأنه لا يمكن القبول مقابل الثمن الباهظ من دماء الشهداء إلا بالحرية والاستقلال وحقوق الشعب الفلسطيني غير منقوصة".
في حين، أكد رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، محمد بركة، في كلمة له، على أن الأيام الماضية، شهدت استفتاءً فلسطينياً شاملاً خلال تشييع الصحافية شيرين أبو عاقلة، وهو ما أكد أن الشعب الفلسطيني لن يهزم، وأنه مجمع على دحر الاحتلال.